الدولة التي يسيطر عليها “الاتحاد الديمقراطي” بين الماضي-الحاضر-المستقبل

في شمال شرق سورية

نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 5سبتمبر/أيلول  2022 على موقع “fikirturu

ما الذي كان يهدف إليه حزب الاتحاد الديمقراطي، والى نقطة وصل اليوم؟ كيف هي البنية الاقتصادي والاجتماعي في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي؟ ما هي مزايا وعيوب ومعضلات حزب الاتحاد الديمقراطي؟ ماذا يعني كل هذا عن مستقبل المنطقة؟

كنت قد ركزت في أول تحليلاتي على شمال سورية، حيث قمت ببحث المنطقة التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري الحالي” (SMO) (عن الشمال السوري..تحليل اجتماعي اقتصادي)، المعروف سابقاً باسم الجيش السوري الحر، سيكون التركيز في تحليلي الثاني على المنطقة الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي.

أولاً ،اسمحوا لي أن أبدأ بما يعنيه شمال شرق سورية: المصطلح الأكثر شيوعاً المستخدم لوصف المناطق الخاضعة لسيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي” في شمال شرق سورية، وجزئياً في شرق سورية هو شمال شرق سورية، وبالرغم من أن التعبيرات السياسية مثل “روج آفا” و “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” تستخدم للمنطقة، إلا أنها تفضيل المقربين من الخط السياسي لمنظمة حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابية. وحتى الآن لا توجد دولة تعترف بالمنطقة كوحدة سياسية مستقلة أو فيدرالية، وبالإضافة لذلك لا يوجد حكم ذاتي أو فيدرالي في الدستور السوري، لذلك من الأفضل أن نقول شمال شرق سورية لتحديد ووصف المنطقة.

كيف وصل شمال شرق سورية الى ما هو عليه اليوم؟

بعدما انسحبت “الحكومة السورية” – التي واجهت صعوبة في التعامل عسكرياً مع “التمرد” في منتصف عام 2012 عندما تحول “التمرد” السوري إلى “حرب أهلية” من ثلاث مناطق في شمال البلاد لإنشاء جبهة جديدة ضد المعارضة. وكانت هذه المناطق هي منطقتي عفرين وعين العرب في حلب وأحياء الحسكة في محافظة الجزيرة، وكما توقعت دمشق وأرادت، لم يتأخر “حزب الاتحاد الديمقراطي” في السيطرة على المناطق التي انسحبت منها الحكومة.

في واقع الامر سرعان ما استولى على المناطق المتبقية حول مراكز المقاطعة أعلاه. وبذلك تحولت في البداية لأماكن في سورية حيث كان الأكراد يشكلون الأغلبية و/أو يشكلون جميع السكان. ولكن في ذلك الوقت كانت بعض هذه المناطق في أيدي جماعات المعارضة، فبدأت الاشتباكات بين حزب الاتحاد الديمقراطي ومعارضي النظام منذ عام 2013.

نتيجة لهذه الصراعات سيطر حزب “الاتحاد الديمقراطي” على بعض المناطق، لا سيما على خط الحدود التركي -السوري. في نفس الفترة، قام حزب “الاتحاد الديمقراطي” أيضاً وبالقوة بالقضاء على الأحزاب المقربة من الحزب “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” في العراق، والتي كانت تعمل بين الأكراد السوريين لفترة طويلة، وبحلول عام 2014 سيطر حزب الاتحاد الديمقراطي على ثلاث مناطق انسحبت منها الحكومة السورية، ولكنها لم تكن مرتبطة ببعضها مباشرة، ونتيجة غياب الاتصال الجغرافي بين هذه المناطق أجُبر حزب الاتحاد الديمقراطي لإعلان “بنية/ هيكل” على شكل “كانتون”.

في هذه الأثناء عندما سحق “داعش” مجموعات المعارضة واحدة تلو الأخرى، واجه حزب الاتحاد الديمقراطي أيضاً تهديد “داعش”، وفي واقع الحال استولى “داعش” في غضون بضعة أشهر في عام 2014 على جزء مهم جداً من المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال شرق سوريية، إلا أن حصار عين العرب أو “كوباني” كما هو معروف للناس، غيّر تماماً توازنات حزب الاتحاد الديمقراطي وشمال شرق سورية.

صعود حزب الاتحاد الديمقراطي

كان شن الولايات المتحدة الامريكية عمليات جوية ضد “داعش” في عين العرب في تشرين الأول/أكتوبر 2014، بمثابة بداية النهاية لهذا التنظيم، ومهد تراجع “داعش”  الطريق لصعود “حزب الاتحاد الديمقراطي” لأنه منذ ذلك الوقت جعلت الولايات المتحدة من “حزب الاتحاد الديمقراطي” والجماعات المسلحة التابعة له – وخاصة “وحدات حماية الشعب”- شريكها العسكري الرئيسي في سورية،  وبدأ حزب الاتحاد الديمقراطي بين عامي 2014 و2016 في الاستيلاء على جميع الأماكن التي تم تطهيرها من “داعش” في شمال شرق سورية وشمال الرقة، وساهم هذا الوضع  في إيجاد فرصة استراتيجية تاريخية لحزب الاتحاد الديمقراطي.

وبفضل الدعم الذي تلقاه في إطار الحرب ضد “داعش” تمكن في البداية من ضم المنطقة بين عين العرب والحسكة، ثم من خلال الاستيلاء على شمال حلب نفذ استراتيجية إقامة منطقة متكاملة في الشمال السوري عبر ذراع “فرع” من عفرين وذراع من شرق الفرات، ولكن بعد فترة وجيزة من استيلاء “حزب الاتحاد الديمقراطي” على “منبج” أحد أهم أجزاء هذه الخطة، مَنع إطلاق تركيا لعملية درع الفرات (FKO) حزب الاتحاد الديمقراطي من إنشاء حزام متكامل.  ولكن لم تتمكن عملية درع الفرات من منع حزب الاتحاد الديمقراطي من التوسع غرباً، ونتيجة الدعم الكبير من الولايات المتحدة الامريكية توسع حزب الاتحاد الديمقراطي، تمكن من السيطرة على الرقة والمناطق الشمالية والشرقية من دير الزور منتزعاً اياها من “داعش” في وقت قصير إلى درجة لم تكن حتى متوقعة.

استمرت عملية التوسع هذه من خلال الاستيلاء على المناطق التي تم تطهيرها من “داعش” حتى بدايات العام 2019، ولكن خلال هذه الفترة تلقى حزب الاتحاد الديمقراطي ضربتين كبيرتين، ففي الأولى خسر عفرين بعملية غصن الزيتون، وفي الثانية خسر المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين بعملية نبع السلام.

في البداية كان “حزب الاتحاد الديمقراطي” يهدف إلى منطقة غير منقطعة ذات أغلبية كردية وشاملة على طول الحدود التركية السورية، لكنه اليوم لا يزال يسيطر على منطقة شرق الفرات، وهي مفتوحة على نفوذ دمشق، ويتواجد فيها السكان العرب في أماكن ذات كثافة سكانية عالية وشاملة نسبياً، ولكنه يواصل السيطرة على منطقة لا يوجد لها منفذ إلى البحر.

مزايا وعيوب المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي

أعتقد أنه يجب أن نبدأ بما يلي: حزب الاتحاد الديمقراطي لديه منطقة جغرافية لم يتمكن حزب العمال الكردستاني من الوصول إليها في كل تاريخه، ولديه تنظيم إداري للموارد الطبيعية و”قصة” مقبولة دولياً، وفي هذا السياق؛ كان حزب الاتحاد الديمقراطي هو الأقرب إلى “مشروع إقامة دولة من خلال انتزاع أراضي من الدول الأربع”  التي كانت يهدف لإقامتها حزب “العمال الكردستاني” الإرهابي منذ سنوات عديدة، ولكن، التاريخ السياسي العالمي فيه الكثير من خيبات الأمل حيث تتحول “الإنجازات العظيمة التي يبدو أنها تدوم” إلى ماضٍ بشكل صادم.

إذا تذكرنا ما يسمى بإعلان الخلافة من قبل تنظيم الإرهاب المسمى “داعش” وحقيقة أنه حكم 8 ملايين شخص في منطقة جغرافية أكبر من العديد من البلدان في أوروبا لما يقرب من 3 سنوات، نستطيع أن نرى أنه لسنا بحاجة إلى العودة إلى عقود للوراء للبحث في مكب القمامة هذا، ومع ذلك نحتاج إلى دراسة السمات/ الخصائص الرئيسية للمنطقة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، التي جعلته لاعباً يجب مراعاته في مستقبل سورية في الوقت الحالي.

العوامل التي تجعل حزب الاتحاد الديمقراطي لاعباً فاعلاً في مستقبل سورية

لنبدأ بالحدود أولاً، في المنطقة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، لا توجد فقط أحياء وبلدات وقرى مثل عين العرب والقامشلي والمالكي وعامودا والدرباسية حيث يشكل الأكراد الأغلبية؛ بل تضم المنطقة أيضاً مركز الحسكة والمناطق السكنية على طول الحدود العراقية مثل الشدادي، اليعربية، مركز الرقة، منبج، والمناطق الشمالية والشرقية من دير الزور.

عند البحث في التركيبة السكانية لهذه المناطق نجد أن السكان العرب أكثر من السكان الأكراد في المجموع، لذلك بالرغم من أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” بدأ كممثل للأكراد السوريين، إلا أنه لا يبدو من السهل عليه بناء سياسات حول الهوية العرقية في المنطقة التي يسيطر عليها.

يوجد نفط، ولكن لا يوجد ماء

ثانياً، لنلقي نظرة على الموارد في المنطقة، فعلى العكس من المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة، فإن منطقة حزب الاتحاد الديمقراطي لديها جزء مهم جداً من احتياطيات النفط السورية، ورغم أن سورية ليست دولة غنية بالنفط ولكن لا يمكن الاستهانة بالاحتفاظ بثروة البلاد النادرة تحت الأرض.

لكن الميزة التي يُحصل عليها من النفط تنعكس عندما يتعلق الأمر بالماء، يستمر الري في المناطق القريبة من نهر الفرات، ولكن عندما نبتعد عن النهر تصبح كل من مياه الشرب ومياه الري والكهرباء مشكلة كبيرة. من ناحية أخرى، يقتصر الإنتاج الزراعي على مناطق معينة، وعلى الرغم من أن بعض المدن لديها تربة خصبة يمكن أن تغذي البلد بأكمله، ناهيك عن البنية التحتية الجيدة، فإن الإنتاج الزراعي في المنطقة محدود والوصول إلى الغذاء يعتمد على الموارد الخارجية.

البنية التحتية الاقتصادية

الميزة الاساسية الأخرى للمنطقة التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي”، بنيتها التحتية الاقتصادية، تأتي مصادر دخل المنطقة إلى حد كبير من النفط المستخرج والمباع بصورة غير قانونية. من يبيع النفط وأين؟

يتم تهريب بعض النفط إلى المنطقة التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان العراق وطرحه في السوق في وضع خفي. الجزء الآخر يمر عبر “وسطاء” إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وإلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وحتى إلى إدلب، ومن هناك تأتي المواد الغذائية إلى هنا، وبعبارة أخرى على الرغم من استمرار الحرب لم تنقطع التجارة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مورد رئيسي آخر للمنطقة هو المساعدات الخارجية، حيث يتم تحويل ملايين الدولارات إلى المنطقة لدعم مشاريع المنظمات غير الحكومية من العديد من الدول الأوروبية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

دعم الولايات المتحدة

الميزة الرابعة والأكثر أهمية في المنطقة هي دعم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأ الدعم الأمريكي له كقوة مسلحة محلية ضد “داعش”، ولكن  بعد عام 2016  تحول هذا الدعم إلى بناء “دولة” بحكم الأمر الواقع من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالرغم من أن الدعم الأمريكي كان يقتصر في البداية على المجال العسكري، إلا أنه توسع بمرور الوقت ليشمل جميع الخطوات لإنشاء هيكل الدولة.

وصلنا اليوم عند النقطة التي تمارس المؤسسات الأنشطة التشريعية والتنفيذية والقضائية في المنطقة ؛ التدريب والتجهيز واللوجستيات للوحدات المسلحة ؛ تدريب وتمويل وتنظيم المنظمات غير الحكومية المحلية التي ستحول الهيكل الاجتماعي؛ إنشاء وتطوير الخدمات الأساسية ومؤسسات الحكم المحلي؛ التدريب التحضيري للجنة الدستورية التي من المتوقع أن تحدد مستقبل سورية، برامج تنظيم الانتخابات وإعداد الأحزاب؛ تأتي معظم الموارد التي تمول ورش العمل حول تطوير وسائل الإعلام وتنظيم خدمات البنية التحتية التي يجب تأسيسها محلياً من الولايات المتحدة الأمريكية وبعضها من المنظمات غير الحكومية في أوروبا.

يعني، لوضعها بتفاصيل أقل؛ لا توفر الولايات المتحدة درعاً للحماية العسكرية للمنطقة الخاضعة لسيطرة “حزب الاتحاد الديمقراطي” فحسب، بل تدعم أيضاً بشكل كامل البرامج التي من شأنها إعداد البنية التحتية الاقتصادية والسياسية والإدارية التي قد يحتاجها الهيكل/ البنية الذي قد يتحول إلى دولة في المستقبل.

التناقضات الرئيسية في شمال شرق سورية

عندما تنظر إلى ما سبق ذكره، قد تعتقد أن كل شيء قد انتهى وأن حزب الاتحاد الديمقراطي سيؤسس المنطقة الاتحادية أولاً ومن ثم الدولة في أول فرصة، لكن لا شيء بهذه البساطة، حيث يواجه حزب الاتحاد الديمقراطي والمناطق التي يسيطر عليها تناقضات هائلة ومشاكل مهمة.

أولاً، على الرغم من أن “حزب العمال الكردستاني”، في الاساس يحاول التمسك بين الناس بخطاباته التي تغمز في “الحركات الخضراء” مع تحول من أيديولوجيته إلى نسخة ما بعد الحداثة من جهة، ومواقف “قومية علمانية” من جهة أخرى، وعلى الرغم من أنها تحاول الصمود بين الناس، إلا أن هذه الخطابات ليس لديها فرصة لتكون دائمة في بنية اجتماعية لا تزال في المرحلة الانتقالية من البداوة إلى الإقطاعية.

اليوم، السبب وراء قبول العرب لحكم حزب الاتحاد الديمقراطي هو الاستفادة من المساعدات المالية للولايات المتحدة الامريكية والابتعاد عن غضبها، فلم تنسَ القبائل العربية السُنية حول الرقة ودير الزور والحسكة- حيث لا تزال القبلية هي القاعدة الرئيسية- ما حدث لـ”داعش”، ففي واقع الامر  كان أقارب معظم هذه القبائل أعضاء في المنظمة، وعلى الرغم من أنهم يتعاونون على ما يبدو مع “حزب الاتحاد الديمقراطي” من أجل البقاء على قيد الحياة اليوم، إلا أنه يجب التشكيك في هذا التعاون نظراً لأن “داعش” ما يزال يرهب المنطقة الواقعة بين جنوب الرقة ودير الزور ببضع مئات من المسلحين.

العلاقات مع دمشق وموسكو

المشكلة الرئيسية الثانية في المنطقة التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي” هي علاقاته مع دمشق. الدعم الأمريكي لم يذهب (حتى الان) إلى حد خلق بيئة ينفصل فيها “حزب الاتحاد الديمقراطي” عن سورية، ولهذا السبب يرى “حزب الاتحاد الديمقراطي” بالضرورة مستقبله داخل سورية، لكن هذا يدفعه إلى معضلة خطيرة سواء كان عنوان الحل جنيف أو أستانا، فعليه أن يجلس على الطاولة مع دمشق، وهذا يقوده إلى معادلة لا يكفي فيها أن يرتبط فقط بالولايات المتحدة.

وبقدر ما يعتبر دعم القيادة المركزية الأمريكية وواشنطن ضرورياً لاستمرار وجودها، فإن “إرادة” موسكو ضرورية بنفس القدر للحصول على مكانة في دمشق، ولهذا السبب فإن الحوار بين الحكومة السورية وحزب الاتحاد الديمقراطي (مجلس سوريا الديمقراطية، كما تسميه المنظمة) لم يتوقف أبداً. لكن دمشق ليست ضعيفة كما كانت في عام 2012 أو عام 2014. فمنذ عام 2019 اكتسبت ميزة مستمرة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، أحد العوامل الرئيسية في هذه الميزة هو سياسة تركيا التي تحشر حزب الاتحاد الديمقراطي في الزاوية، وهو ما يقودنا إلى المشكلة الأساسية الثالثة.

العامل التركي

واحدة من أكبر مشاكل حزب الاتحاد الديمقراطي هي تركيا، إن رفض تركيا قبول وجود “حزب الاتحاد الديمقراطي” وهدفها المتمثل في القضاء على الهيكل/ البنية الذي أنشأته يمثل معضلة كبيرة بالنسبة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”، لأن سياسة تركيا لا ترتبط فقط بالخطابات، فهي تستخدم جميع وسائل السياسة الدولية، بما في ذلك استخدام القوة، لإنهاء وجود حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة حيث تراه تهديداً لها، فعلى سبيل المثال كانت تركيا هي التي منعت تحقيق هدف “حزب الاتحاد الديمقراطي” المتمثل في إنشاء منطقة متكاملة كما أن تركيا هي التي انتزعت المنطقتين اللتين كان يسيطر عليهما حزب الاتحاد الديمقراطي وسلمتهما للمعارضة السورية، وعلى هذا النحو يدرك “حزب الاتحاد الديمقراطي”، أن التهديد الحقيقي من تركيا، لأن كل عملية تقوم بها تركيا تحشر حزب الاتحاد الديمقراطي في الزاوية أكثر.

إذناً، ما هي علاقة هذا بالعامل أعلاه؟ في كل مرة تنفذ فيها تركيا عملية عسكرية ضد “حزب الاتحاد الديمقراطي” أو التهديد بعملية ما تتقدم دمشق خطوة أخرى إلى الأمام في المناطق التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي”.

دعوني أذكركم بأن قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الذين قالوا “الجيش السوري لا يستطيع دخول مناطقنا” رفعوا الأعلام السورية على المباني من أجل الهروب من العملية التركية. حتى أنهم اتفقوا على أن ينشئ الجيش السوري قواعد عسكرية ودوريات في بعض المناطق، وبعبارة أخرى فإن خوف “حزب الاتحاد الديمقراطي” من تركيا يقربه من دمشق، وبالتالي من موسكو. حسناً، إذا كان الجهد الذي يبذله هيكل يدين بوجوده للولايات المتحدة للتقرب من روسيا من أجل البقاء على قيد الحياة لا يسمى تناقضاً، فماذا يسمى؟

المشاكل التنظيمية

التناقض الأساسي الرابع لحزب الاتحاد الديمقراطي هو على المستوى التنظيمي، وهي على النحو التالي: ولد حزب الاتحاد الديمقراطي من رحم حزب العمال الكردستاني، ونتيجة تحليل بأن “الحرب الأهلية” في سوربة عام 2011 يمكن أن تمنحها فرصة، فان قيادة حزب العمال الكردستاني، ارسلت مقاتلين من شمال العراق في مجموعات صغيرة وسوريين من القيادة المتوسطة المستوى إلى المنطقة، وكان -الحزب-اعتقد أنه من خلال توسيع أهدافه سيسيطر على منطقة أوسع. مع حلول عام 2017 نجحت هذه الخطة إلى حد كبير. في واقع الامر بينما كان حزب العمال الكردستاني يتدرب على بدء انتفاضة في جنوب شرق الأناضول مع أكثر الأعمال دموية في التاريخ في تركيا، وسع حزب الاتحاد الديمقراطي نطاق نفوذه وسيطرته في سورية عندما ركزت قوات الأمن التركية على الأمن الداخلي. ولكن هذه العملية كانت حدث لم يتوقعه قنديل.

لقد أوجد الدعم الأمريكي وضعاً جديداً يتم فيه الترحيب بـ “حزب العمال الكردستاني الجديد”، ويتم استبعاد “حزب العمال الكردستاني القديم”، ولم يصدر حزب الاتحاد الديمقراطي بياناً شبيهاً بإعلان انفصال “هيئة تحرير الشام ” عن “تنظيم القاعدة”. ومع ذلك لا ينبغي النظر إلى تغيير اسم فرحات عبدي شاهين، وهو مقاتل مسجل في حزب العمال الكردستاني الى (مظلوم كوباني) على أنه مجرد تغيير في المظهر. فإذا كان ثمن الاستفادة من العلاقات مع الولايات المتحدة هو الصراع مع قادة حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية ووضعته على قائمة المطلوبين، فمن الواضح أن “شاهين” لا يتردد في ذلك.

وعلى سبيل المثال في الوقت الذي عقد حزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقيات لاستخراج النفط وبيعه بالتعاون مع شركات أمريكية، صرح قادة حزب العمال الكردستاني الإرهابي بأنهم لم يكونوا على علم بذلك، وبينما أظهر حزب العمال الكردستاني دمشق على أنها العنوان الرئيسي للحل، فضل حزب الاتحاد الديمقراطي توجيهات الولايات المتحدة.

ربما يكون”حزب الاتحاد الديمقراطي” قد انطلق باستخدام أيديولوجيته عندما أصبح مركز جذب لأولئك الذين أرادوا الانضمام إلى «حزب العمال الكردستاني» ولكن في هذه المرحلة، رأى أنه لا يمكنه أن يجد لنفسه مستقبلًا بخطاب وأهداف حزب العمال الكردستاني، لذلك انتقل إلى سلسلة من الخطابات والأهداف التي تهدف إلى إقناع الغرب. ومع ذلك، لا ينوي قنديل ترك الساحة فارغة أمام “الفريق الجديد” الناشئ من داخله. حالياً، تتكون الكوادر العليا في وحدات حماية الشعب والعمود الفقري لـ” مركز العلاقات الدبلوماسية لحركة المجتمع الديمقراطي “TEV-DEM”، التي تعد مركز ثقل الأنشطة السياسية لـ PYD من أولئك الذين دربتهم كوادر حزب العمال الكردستاني. لذا، حتى لو أرادت قيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي” تجاهل التعليمات الصادرة عن قنديل إما باقتراح من الولايات المتحدة الامريكية أو على أساس المكاسب الفردية، فإن تناقضات المنظمة نفسها لا تسمح بذلك.

ماذا تظهر الميزانية العمومية؟

إن التناقضات الأساسية الأربعة المذكورة أعلاه لا تحول تماماً مزاياً المنطقة التي يسيطر عليها “حزب الاتحاد الديمقراطي” إلى نقطة ضعف، ولكن خلف ذلك، يوجد مأزق.

أكبر ميزة لحزب الاتحاد الديمقراطي هي أنه يحظى بدعم أقوى دولة في العالم اقتصادياً وعسكرياً، فليست القوة المسلحة التي تدّعي أن عددها يبلغ 100 ألف بمن فيهم عناصر الأمن الداخلي، هي التي تحمي حزب الاتحاد الديمقراطي من غضب جيوش تركية وروسية وسورية، الميزة: أن الجهات الفاعلة الأخرى تخشى من رد الفعل القاسي الذي ستقوم به الولايات المتحدة إذا تم لمس “حزب الاتحاد الديمقراطي” في شرق الفرات. لكن هذه الميزة الضخمة هي – وللمفارقة – المعضلة الأساسية لحزب الاتحاد الديمقراطي، فإذا فقدت الولايات المتحدة اهتمامها بسورية لسبب ما أو سحبت دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي فإن التناقضات المذكورة أعلاه ستكون السبب الرئيسي لانهيار سريع للغاية.  لا تقل غير ممكن “الولايات المتحدة لن تغادر سورية ولن تقطع دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي ومشروع دولة الأمر الواقع لن ينتهي …”.

فبعد سنوات من الحرب في فيتنام انسحب من هذا البلد، وكذلك لا تنسوا أنه بعد 20 عاماً من إنفاق مليارات الدولارات ورأس المال السياسي في أفغانستان تركت البلاد في أيدي “العدو” طالبان، وعندما تتغير الظروف سيكون الجميع في حالة تأهب حتى لا يبقى الجزء الشمالي الشرقي من سورية على حاله.

ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”

المصدر Fikir Turu


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا