العرب وإسرائيل غائبون في خطاب بايدن

يختلف الرئيس الأميركي جو بايدن عن سلفه ترامب في مائة جانب وجانب، ولكن الفرق الرئيس بينهما أن بايدن شديد التركيز، ولا يسمح لنفسه أو لأحد أن يشتّت مساره، فتراه يركّز على جملة من الأمور التي تشغل باله فلا يحيد عنها، بينما كان ترامب أشبه بالبهلوان الذي يقفز من حبل إلى آخر، وكثيرا ما كان يسقط بين الحبال. بدا ذلك جليا في خطاب الرئيس بايدن في الكونغرس يوم الأربعاء الماضي، وهو الخطاب التقليدي الذي يلقيه الرؤساء الأميركيون عند مرور مائة يوم على تسلّمهم مقاليد الأمور في البيت الأبيض، وهي سنّة استنّها الرئيس فرانكلين روزفلت في 1933.

وكما كان متوقّعا، ركّز بايدن على النقاط الخمس الأساسية في أجندته: مكافحة وباء كوفيد -19؛ والبنية التحتية؛ والتغيّر المناخي؛ والتوتّر العنصري؛ والهجرة. ولم يحدْ عن هذه النقاط الخمس إلا قليلا. لم تحظَ السياسة الخارجية إلا بجزء ضئيل من الخطاب. واقتصرت على الصين وروسيا وإيران وأفغانستان. وكان من الواضح أنّ الصين، بين الثلاثة، تبوأت المرتبة الأولى بلا منازع. يدرك الرئيس ومستشاروه أن الصين تسير بسرعة صاروخية لتعزيز اقتصادها وقوتها العسكرية والتكنولوجية، لتصبح الدولة الأكثر أهمية وتأثيرا في العالم. ويعتقد أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، “جادّ إلى حد بعيد” في أن يدفع بلاده في هذا الاتجاه، كما قال في خطابه.

ككلّ القادة المستبدّين، ينظر الرئيس شي باحتقار إلى الأنظمة الديمقراطية، ويعتبرها عاجزة عن المنافسة الحقيقية في القرن الحادي والعشرين، لأن الحصول على إجماعٍ يستغرق وقتًا طويلًا. وكان واضحا في خطاب بايدن أن ذلك يقلقه، ولذلك كان تركيزه الأكبر خارجيا على الصين؛ ولذلك أيضا حاول أن يشدّ من عزيمة مواطنيه وقادتهم السياسيين، ليثبتوا لأنفسهم وللصين عكس ذلك.

وكان في صوته نبرة أسى، وهو يقول إنه، خلال محادثاته مع قادة العالم، وقد تحدّث مع أكثر نحو 40 منهم، قد حاول أن يبيّن لهم “أن أميركا عادت إلى الساحة. وهل تعرفون ماذا يقولون؟ ما هو أكثر تعليق أسمعه منهم؟ إنهم يقولون، نلاحظ أن أميركا قد عادت إلى الساحة. لكن إلى متى؟ ولكن إلى متى؟”. ثمّ حثّ الأميركيين أن “علينا أن نُظهر لهم ليس فقط أننا قد عدنا، ولكننا عدنا لكي نبقى، ولن نفعل ذلك بمفردنا. سوف نفعل ذلك من خلال القيادة مع حلفائنا” .. ذلك أنه لا يمكن لدولة واحدة أن تتعامل مع جميع الأزمات التي يشهدها عصرنا، من الإرهاب إلى الانتشار النووي، والهجرة الجماعية، والأمن السيبراني، وتغير المناخ، فضلاً عما نشهده الآن من الأوبئة.

وحاول بايدن أيضا أن يبيّن لنظيره الصيني إنه لن يتهاون معه اقتصاديا ولا عسكريا ولا في مجال حقوق الإنسان، مركّزا على أن أميركا ستقف في وجه الممارسات التجارية غير العادلة التي تقوّض مكانة العمال الأميركيين والصناعات الأميركية “مثل الدعم الذي تقدّمه الدولة إلى العمليات والشركات المملوكة للدولة وسرقة التكنولوجيا الأميركية والملكية الفكرية”. بل إنه لمّح باستخدام السلاح؛ وقال إنه أبلغ الرئيس شي بأن بلاده ستحافظ على وجود عسكري قوي في منطقة المحيطين، الهندي والهادي، قبل أن يضيف: “ليس لبدء نزاع، بل لمنع اندلاعه”.

واحتلّت روسيا المرتبة الثانية في الجانب الخارجي من خطاب بايدن، حيث أكّد أنه لا يسعى إلى التصعيد، ولكنه لن يتساهل مع السلوك الروسي، لأن “أفعالهم ستكون لها عواقب”، ومع ذلك رحب بالتعاون مع روسيا في مجال الأسلحة النووية وتغيّر المناخ. ولم ترِدْ إيران وكوريا الشمالية في خطاب الرئيس سوى مرة، في سياق البرامج النووية التي تشكل تهديدات خطيرة لأمن أميركا وأمن العالم. ولكنه أسهب في الحديث عن أفغانستان، وأكّد قراره سحب قوات بلاده من أطول حرب أميركية، مبرّرا ذلك بأن سبب الحرب قد انتفى، ولم يعد الإرهاب محصورا في أفغانستان، بل انتشر في أرجاء الأرض كافة.

ولم ترِدْ القضايا العربية في الخطاب أبدا. وذكر بايدن سورية واليمن والصومال مرّة، في سياق حديثه عن الإرهاب. ولم يتحدّث عن العلاقات المميّزة مع إسرائيل، وهو أمر لن يروق رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، الذي يصارع للبقاء في السلطة والإفلات من المساءلة القضائية، ولا عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما أنه تجاهل كلية اتفاقيات أبراهام، ولم يذكر السعودية أو مصر.

لا بأس في أن يركّز الرئيس بايدن على القضايا الداخلية للولايات المتحدة، فهو دأْبُ معظم الرؤساء، وإن كان كثرة من المراقبين يتأملون أن يمرّ الرجل، ولو سريعا، على قضايا تخصّ بلادهم وشؤونهم. المهم أنه كان خطابا لرجلٍ يمكن الركون إليه والوثوق به، حين سيأتي دور السياسة الخارجية. وقد تناول بايدن النقاط الخمس التي يريد طرحها بجدّية تامة، واحترام لكلا الحزبين في الكونغرس. وكان في معظم الوقت يتحدّث بما يقارب الهمس، ويطلب إلى خصومه السياسيين أن يعملوا معه. بل إنه شجّعهم إن لم يحبوا مشاريعه أن يتقدّموا بالبدائل. تناول قضية كوفيد – 19 والتقدّم الكبير الذي أحرزته الولايات المتحدة في الأشهر الثلاثة الفائتة، وتحدّث بوضوح عن قضية العنصرية لدى بعض الأميركيين، ودان العنصريين البيض، وطالب بتمرير قانون إصلاح الشرطة قبل الذكرى السنوية لمقتل جورج فلويد التي ستمرّ في الشهر الجاري (مايو/ أيار). وكان واضحا في موقفه تجاه التغيّر المناخي، وحاسما في أن الكوكب لا يتحمل عقدا آخر من الاستهتار به.

باختصار، يمكن القول إن في البيت الأبيض الآن رجلا مسؤولا، نختلف معه أحيانا، ونتّفق أحيانا، ولكن يمكن الحوار معه، ويمكن فهم خطواته وما وراءها.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا