المعارضة السورية من تقرّر انتخابات رئاسية مبكّرة

دعمَ الرئيس الروسي، بوتين، تجديد انتخابات الرئيس بشار الأسد. عكس الأوّل، صرّح أخيراً نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، بإمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في سورية. لا تناقض بين القولين؛ فبوتين يوجه رسالة مزدوجة إلى النظام السوري وأميركا خصوصاً، أنّه هو من يقرّر مستقبل سورية، وهذا ما يجب الإقرار به في اللقاء مع الرئيس الأميركي، بايدن، اليوم الأربعاء في السادس عشر من يونيو/ حزيران.

هناك تصريحات كثيرة، أخيراً، وأفعال مستمرة يقوم بها كلٌّ من الروس والأميركيين، بما يخص الوضع السوري، كأن لا تُجدّد الإدارة الأميركية لشركة النفط الأميركية بالعمل في منطقة الإدارة الذاتية. وعكس ذلك، تستقدم قوات عسكرية إلى تلك المنطقة ويعقد ممثلوها لقاءً مع ممثلي الدولة التركية، بقصد تنسيق المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وربما يشمل التنسيق المعركة المقبلة في مجلس الأمن، بخصوص المعابر، والتي تحاول روسيا حصرها بالنظام وإغلاق آخر معبر، باب الهوى، بينما تريد أميركا وأوروبا فتح معابر إضافية. تندّد روسيا بخطوات أميركا السابقة، وتعتبرها غير شرعية، ويجب أن تضبّ أميركا على جنودها ومعدّاتها، وتغادر سورية. ملفات النقاش بين الزعيمين تشمل قضايا كثيرة تغطي العالم، وسورية ضمن تلك الملفات، وليست أوّلها أو كلّها.

رفضت أميركا وأوروبا الانتخابات الرئاسية، ولم تتغير مواقفهما من النظام السوري، وإن توقفت عن إصدار عقوبات جديدة على شخصياتٍ وشركاتٍ تابعة له. أميركا بتعزيز وجودها في شمال سورية، وباتخاذ عدّة خطواتٍ غير صدامية، تبتغي إيصال رسائل إلى الروس: ليست لدينا خطة لتغيير ما أُرسي في سورية، لكن من غير المقبول استمرار النظام على طبيعته، ويجب تحجيم الوجود العسكري الإيراني خصوصاً. ليست روسيا مستعدة لعقد صفقة مع الأميركيين، وهي تستكمل خياراتها الكارثية بحق السوريين في أستانة؛ فقد تداولت الأخبار عن اجتماع جديد لتركيا وإيران وروسيا في هذه العاصمة قبل نهاية يونيو الجاري، وضمن مسارها، وكذلك بدء العمل من أجل جولة سابعة للجنة الدستورية.

هناك نقد كثيف لأدوار المعارضة التابعة للخارج في اللجنة ومسار أستانة، وفي كلّ لقاء دولي أو إقليمي، ويتضمن شروطاً دقيقة لإيقاف التدهور في الوضع السوري. ينطلق النقد من أرضية صلبة، وإنْ ليس مدعوماً بقوى سياسية أو اجتماعية وازنة؛ فهو يؤكد الخسارات المستمرة للمعارضة وسورية من تلك اللقاءات. وإذا كان النظام يذهب إلى تلك اللقاءات، فهو لا يتراجع أبداً عن خياراته الأمنية والعسكرية، بينما المعارضة تتنازل تباعاً، ولولا رفضٌ كبيرٌ من الشعب السوري الانتخابات أخيراً لشاركت الكتل الوازنة فيها، وكانت الحصيلة شطب كلّ ما يخصّ نضالات السوريين، وتقاسم السلطة بين تلك الكتل والنظام، وعلى أرضية تأبيد النظام باسم التصالح مع المعارضة.

نعم، لا تريد أميركا انسحاب وفود المعارضة من تلك اللقاءات والمسارات الروسية “أستانة، سوتشي، اللجنة الدستورية وغيرها”، وكذلك أوروبا، ولكن أيضاً لن تتشدّد في حال رفضت المعارضة تلك اللقاءات، لا سيما أنّ المعارضة انتهجت على وقع تراجع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الخيار السياسي والتفاوض مع النظام. مشكلة المعارضة السورية أنّها لا تضع استراتيجية واضحةً لكيفية التفاوض، وتلهث خلف أيّة لقاءات هنا وهناك؛ منها المعلن ومنها المخفي؛ وهذه من الكوارث، وهي ليست أخطاء غير مقصودة، فمسيرتها من فشل إلى آخر، ومنذ 2011.

خفّة المعارضات السورية، ولهاثها خلف أيّ لقاءات، يقلّلان من دورها الوطني، وتسمح للدول المتدخلة بالشأن السوري بمزيد من الإمعان في تفكيك المجتمع السوري، وجعله بالفعل مكونات. وهذه مفردة تحطُّ من مفهوم الشعب والوطن والمجتمع، وتمايز بين الشعب على أسس طائفية وقومية وعشائرية ومناطقية وأسرية، وكلّها هويّاتٌ قديمة، ولا تنتمي إلى العصر الحديث بالمعنى السياسي. المعارضات تلك عزّزت من هذه “المكونات”، وهذا يشكل خطراً على مستقبل سورية وهويتها الوطنية الجامعة. إنّ تضخّم دور التدخل الدولي والإقليمي و”فاشية” النظام، لا سيما بعد خطاب الانتصار في الانتخابات الرئاسية، يستدعي عودة إلى موقفٍ وطنيٍّ، يرفض كلّ التحاقٍ بالخارج، وكلّ لقاء ومبادرة لا تنطلق من القضايا التي ثار الشعب السوري من أجلها. الحصيلة هنا؛ الوضع السوري يتطلب رفضاً كليّاً للمسارات الروسية، وتمسّكاً بالقرارات الدولية وبقضايا الثورة؛ هذا وحده يسمح بتغييرات في تعقيدات الوضع السوري التي أصبحت، في السنوات الأخيرة، مضبوطة من الدول الخارجية.

لا انتخابات مبكرة، كما قال بوغدانوف، إلاّ وفقاً لتسويةٍ جديدة بين الروس والأميركيين، لكن، على ضوء مواقف البلدين المتباعدة، سيظل الأسد سبع سنواتٍ إضافية. يمكن أن تفاجئنا معطياتٌ جديدةٌ تغييرية، وتتعلق بالتأزّم الشديد الذي تعيشه مناطق النظام أو بالتسوية الخارجية، إذ لن تغيّر أميركا من عقوباتها على النظام، وفقاً لقانون قيصر وكذلك أوروبا، وحتى الخليج لن يغامر بعلاقاتٍ اقتصادية أو إيفاد أموال لإعادة الإعمار؛ وكلّ النقاشات عن عودةٍ قريبة للنظام إلى جامعة الدول العربية والمحيط الإقليمي ليست واردة. وفي حال استعيدت بعض تلك العلاقات، لن تغيّر من الشروط الأميركية؛ أي سياسة الـ”خطوة، خطوة”. وهذا كما يبدو من سلوك النظام “الانتصاري، واحتفالاته” غير واردٍ، وكذلك لا تغيير في مواقف الروس أيضاً.

أوضاع المعارضات، ورداءة مواقفها إزاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل التابعة لتركيا وهيئة تحرير الشام، وعدم اتخاذ مواقف وطنية من المكرّسة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إزاء القوى المذكورة، ودعمها اللقاءات الدولية والإقليمية الكارثية، هو أسوأ ما حصل ويحصل في سورية. مواقف “الائتلاف” والهيئة العليا للتفاوض وسواهما، تسمح بتمادي النظام في رفضه لها، وفي تدجينها لمصلحة الخارج. وهذا يعني، وبغياب تسوية إقليمية ودولية، أنّ الأوضاع السورية إلى مزيدٍ من الانقسام والتفكك والاستنقاع، والإفقار الشديد، وانهيار المنظومات القيمية والمشتركات السورية – السورية.

ما يؤدّي إلى انتخاباتٍ جديدةٍ بحقٍ، وبعدما أوضحت السطور أعلاه موقف النظام والمعارضة، انبثاق معارضة جديدة، تنطلق مما ذُكر “قرارات دولية وقضايا الثورة” وانتهاج استراتيجيةٍ وطنيةٍ جامعة للسوريين، تطوي مختلف انقساماتهم، وتقودها شخصياتٌ وطنية. القضية معقدة للغاية، وهي مطروحةٌ منذ عدّة سنوات؛ فهناك انتقاداتٌ شديدة للمعارضات المكرّسة، وضرورة صياغة أفكار جديدة، وهناك بروز لقوى سياسية ومقترحات جديدة، وجديدها المجلس العسكري الانتقالي. هل فكرتنا بخصوص معارضة جديدة محض أوهام بسبب التعثر الشديد بالوضع السوري؛ ربما هي كذلك، لكنّها الخيار الوحيد لإنقاذِ وضعٍ متأزمٍ بكلّ المقاييس.

إذاً، ليس من انتخاباتٍ مبكرة في سورية، وليس من تسويّةٍ قريبة في لقاء بوتين بايدن، غداً الأربعاء.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا