“مدنية”..مظلة سورية “لحماية فضاء المجتمع المدني” أم لملئ الفراغ السياسي؟

لأول مرة منذ 12 عاماً يجتمع نشطاء سوريون من كل دول العالم، تحت مظلة أطلق عليها “مدنية”، بدعم وتمويل سوري و”مستقلة عن النفوذ الأجنبي والسياسي”.

هكذا وصف عدد من السوريين الاجتماع الذي احتضنته العاصمة الفرنسية، الأسبوع الماضي، لـممثلين عن منظمات مجتمع مدني لإطلاق منصة “مدنية”، التي تهدف إلى حماية فضاء المجتمع المدني السوري وتعزيز دوره السياسي، وإيصال صوته لصناع السياسات.

الحراك الجديد في باريس، لاقى ترحيباً كونه أول مظلة من نوعها للمجتمع المدني، قد تلعب دوراً في المشهد السياسي ورسم مسارات الحل، لكن في المقابل لم تسلم المنصة الجديدة من الانتقادات.

وتعرف “مدنية” نفسها بأنها “مبادرة يقودها ويمولها سوريات وسوريون. مستقلة عن النفوذ الأجنبي والسياسي، مهمتها حماية الفضاء المدني السوري ودعم الدور الرائد للمجتمع المدني في بناء مستقبل سورية”.

فريق “السورية.نت” حاور بعض المشاركين في  المنصة، لمعرفة أهدافها والخطوات المقبلة التي تسعها لها، إلى جانب معرفة اهم الانتقادات التي وجهت لها.

من هي مدنية؟

على مدى يومين، وتحديداً في الخامس والسادس من يونيو/ حزيران الحالي، اجتمعت في باريس نحو 180 شخصية سورية، ممثلين عن أكثر من 160 مؤسسة تمثل منظمات المجتمع المدني.

اليوم الأولى خُصص للنقاش حول المعايير التي وضعتها “مدنية” للانضمام إليها، وكيف يمكن لها أن تساهم في ملئ الفراغ السياسي، وتفعيل الأحقية السياسية لمنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى نقاش أهم الأدوات التي يمكن العمل عليها لتعزيز تبادل الخبرات والتعاون بين المنظمات المنضوية.

أما اليوم الثاني، فقد استضاف المؤتمر أكثر من 75 شخصية، مسؤولين ودبلوماسيين من عدة دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا وهولندا وإيطاليا، إلى جانب ممثل عن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون، وبدر جاموس رئيس هيئة التفاوض السورية، وعدد من المنظمات الدولية الفاعلة في الملف السوري.

وخلال الاجتماع تم اختيار أعضاء مجلس الإدارة برئاسة رجل الأعمال السوري، أيمن أصفري، الذي يعتبر الممول الرئيسي للمبادرة.

كما ضم مجلس الإدارة أصحاب الفكرة والمؤسسون الذين تباحثوا خلال السنوات الماضية، حول كيفية إنشاء “مدنية”، وأهدافها، ومن أبرزهم مدير الدفاع المدني، رائد الصالح، ورجل الأعمال أيمن أصفري.

وستجري عملية انتخاب لثلث أعضاء مجلس الإدارة، البالغ عددهم 25 شخصاً، كل ثلاث سنوات، حسب ما قاله لـ”السورية.نت”، رئيس البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي، قتيبة إدلبي، وهو أحد الحاضرين.

أما الخطوات المقبلة تتعلق بمحورين، حسب إدلبي، المحور الأول، هو توسيع العضوية والاستمرار بعمليات الحشد، لضم أكثر عدد ممكن من المنظمات الفاعلة في الوسط المدني السوري سواء منظمات إغاثية أو مدنية أو نقابات، إلى “مدنية”.

أما المحور الثاني، يتمثل بالعمل مع الأعضاء الحالين لبناء آليات تبادل الخبرات والتعاون داخل أعضاء المنصة نفسها.

في حين يرى بهجت حجار، وهو مدير “وحدة المجالس المحلية”، وأحد الأعضاء المشاركين في “مدنية”، أن الخطوات المقبلة ستركز على تمكين حوكمة المنصة الداخلية والوصول على مستويين، الأول الوصل لشرائح أوسع من الفاعلين المدنيين السوريين.

أما المستوى الثاني، حسب ما قاله حجار لـ”السورية. نت”، هو الوصول لصناع القرار على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لتمكين وتفعيل دور المجتمع المدني السوري.

وسيكون تمويل مدنية من أعضائها، بحيث ستدفع كل منظمة مبلغ معين كاشتراك عضوية في المنصة، حسب إدلبي، وهو ما يضمن أن تكون المبادرة بتمويل سوري بحيث يكون لها أكبر استقلالية ممكنة.

ما أهمية مدنية؟

وتبرز أهمية “مدنية” في أنها المرة الأولى التي يتم فيها اجتماع السوريون في مظلة جامعة بتمويل سوري لا علاقة للمانحين فيه، وإبراز موقفهم دون مواربة وتأكيد رفضهم لانتهاكات نظام الأسد ورفضهم للتطبيع معه.

ويقول الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، منير الفقير لـ”السورية.نت”، إنها “المرة الأولى التي يحاول فيها السوريون أن يجمعوا أنفسهم كمجتمع مدني، وتحديد مطالبهم وتقديمها للسياسيين ودعهم في تحقيق هذه المطالب والتأكيد على عدم تجاوزها”.

وأشار الفقير إلى أن عمل المجتمع المدني بعد 12 عاماً من الثورة تحول “لمزودي خدمات”، وذهب بشكل كبير باتجاه الحياد، وأصبح بعيداً عن أي موقف من القضايا السياسية والحقوقية.

واعتبر أن منظمات المجتمع المدني يجب عليها ألا تعمل في السياسة لكن في نفس الوقت يجب أن تمثل مصالح المجتمع.

كما اعتبر أن “مدنية” تحاول أن تلعب هذا الدور “رغم عدم وضوح ذلك في المؤتمر التأسيسي، إذ هناك من اعتقد أن المنصة يمكن أن تتحول إلى حزب سياسي، بينما اعتقد آخرون أنها يمكن أن تلعب الدور الذي يعبر عن مصالح السوريين والمجتمع المدني السوري”.

واعتبر الفقير أن “صوت المجتمع المدني السوري غائب في كل القضايا السياسية والحقوقية”، معبراً عن أمله بأن تكون “مدنية”، صوتاً للمجتمع المدني دون الدخول في العمل السياسي وشكل الحكم والسلطة في سورية، كونه من اختصاص عمل الأحزاب السياسية.

وقال البحث السوري، إن منصة “مدنية”، تواجه “تحدياً خطيراً”، في الحفاظ على لعب دور التمثيل وعدم تجاوزه إلى الدخول في العمل السياسي.

أما بهجت حجار، فيرى أن الأهداف الأساسية للمنصة، هي حماية فضاء “المجتمع المدني وتعزيز الدور السياسي له وإيصال صوته لصناع السياسيات”.

وأشار إلى أن هدف المنصة، أن “تكون شاملة، يعني أن تكون عابرة للقطاعات ومظلة لمنظمات تفرض عليها طبيعة عملها عدم الالتقاء والاجتماع مثل المنظمات التي تعمل في الشأن الإنساني والحقوقي أو التعليم أو في مناطق جغرافية مختلفة.”

ويقول رئيس المبادرة، أيمن أصفري، إنه “على مدى العقد الماضي، لعبت مؤسسات المجتمع المدني السوري دوراً استثنائياً في الحفاظ على قيم الانتفاضة السورية وتقديم الخدمات الأساسية للمجتمعات السورية المختلفة”.

واعتبر في تصريحات صحفية، أن لهذه المؤسسات شرعيتها، في أن يكون صوتها مؤثراً عند نقاش حاجات الشعب السوري.

“مدنية” والسياسة

ودارت تساؤلات حول هدف المنصة الجديدة في الشأن السياسي، وهل يمكن أن تشكل جسماً سياسياً إضافياً لأجسام المعارضة الحالية.

وحسب بيان “مدنية”، فإن المبادرة لن تحل مكان “الأجسام السورية المنخرطة في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، بل تأتي ضمن محاولات رفد جهودها”.

ويعتبر بهجت حجار أن رؤية “مدنية” السياسية “تتوافق مع قيم الثورة السورية وترى سورية بلداً موحداً شاملاً لجميع شرائحه من المواطنين باختلافاتهم وتكون سورية دولة ديمقراطية ودولة قانون ومواطنة.”

وأكد حجار أن “مدنية” لها دور في العمل السياسي “لكن هذا الدور لن يكون على طاولة التفاوض وبديلة لمؤسسات المعارضة مثل الائتلاف، وإنما عملها متمم عبر نقل صوت المجتمع المدني لأي عملية سياسية أو حديث أو نقاش سياسي حول مستقبل سورية”.

من جانبه يرى قتيبة إدلبي، أن هدف مدنية الرئيسِ هو “ملئ الفراغ السياسي” الموجود حالياً، في ظل الوضع التي تشهده سورية، لكن ملئ الفراغ سيتم من خلال إتاحة الأدوات أمام المجتمع المدني السوري والدفع بشخصيات تستطيع ملئ هذا الفراغ السياسي.

وأشار إلى أن “المجتمع المدني السوري لن يملأ هذا الفراغ بحد ذاته، وإنما تقدم مدنية الأدوات للمجتمع المدني للوصول إلى شخصيات تمثل حقيقة تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة”.

واعترض البعض على مصطلح “الأحقية السياسية” الذي ورد في بيان “مدنية” التأسيسي.

وحذر بعض الناشطين، من استخدام المصطلح معتبرين أنه حق لجميع الكتل السورية الممارسة السياسية والمشاركة في رسم مستقبل سورية.

وأصدرت “مدنية” بياناً ردت فيه، وكشفت المقصود باستخدام المصطلح، معتبرةً أن “المطالبة بالأحقية السياسية للفضاء المدني السوري تحت مظلة مدنيّة لا تعني ضمناً أية رغبة في الحلول محل الأجسام السورية المنخرطة في العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤”.

“بل تأتي ضمن محاولات رفد جهودها. هذه الأحقية السياسية متجذرة في ضرورة أن يكون للفاعلين المدنيين السوريين دور فعال في التأثير على كافة مسارات العمل، للوصول لحل سياسي عادل ومبني على الحقوق وهذا حق مصان للسوريين وفق ذات قرار مجلس الأمن”.

مخاوف وانتقادات

في المقابل، تعرضت منصة “مدنية” لانتقادات، وهو بحسب حجار “أمر طبيعي لأي مبادرة سورية تكون مجهولة المعالم للناس في البداية.”

ومن الانتقادات التي وجهت لها، حسب الفقير، هو “غياب بعض النقابات والاتحادات الموجودة على الأرض التي تعبر عن المجتمع المدني، وإنما كان وجود المنظمات، التي يطلق عليها مزودات خدمة، أقوى في المؤتمر التأسيسي”.

وقال منير الفقير، إن المؤتمر “افتقر إلى التنوع في المشهد، بمعنى حضور منظمات وأشخاص لا تعكس المجتمع المدني على الأرض وثقافته”، مضيفاً أنه “كان يوجد تنوع لكن المجتمع المدني ذات الصبغة الليبرالية كان أكثر حضوراً”.

أما مديرة برنامج أبحاث حول الشأن السوري في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ريم تركماني، فقد اعتبرت أن “مدنية يمكن أن ترهق المجتمع المدني بأن تكون المسؤول الرئيسي عن ملئ الفراغ السياسي”.

لكن تركماني أضافت في حوار مع “السورية. نت”، إن أي “مبادرة مدنية تسعى لزيادة التشبيك بين الفاعلين المدنيين وزيادة فاعليتهم على كل الأصعدة هي مبادرة مرحب بها”.

وأضافت أنه “بالتأكيد يجب على المجتمع المدني أن يكون له دور في المشهد السياسي ورسم مسارات الحل. لكن تموضع المجتمع المدني في هذا السياق مهم جداً وخصوصاً بما يتعلق بعلاقته مع الفاعلين السياسيين”.

وأشارت إلى أن “مشكلتنا الأكبر هي عدم وجود فاعلين سياسيين حقيقيين ليكتمل بهم المشهد. من هي الأحزاب السياسية الحقيقية والفاعلة في المشهد السوري؟ تجد معظم الكوادر والفاعلية في ساحة المجتمع المدني.  وهذا يجعل الكثيرين يتجهون نحو المجتمع المدني، وأحياناً يضعون على أكتافه أكثر مما هو حِمل له، خصوصاً أنه مجتمع مدني مشغول بفيض لا ينتهي من الاحتياجات على الأرض”.

واعتبرت أن ملئ الفراغ السياسي، يكون “بتشكيل أحزاب سياسية فاعلة مدفوعة بفكر جديد ينبع من روح هذه المرحلة”.

وختمت حديثها مناديةً “بإعادة إحياء الحياة السياسة في سورية مثلما كانت بين عامي 1920 و1970، عندما كانت غنية بالأحزاب والقيادات السياسية، بدل أن نرهق المجتمع المدني بأن يكون المسؤول الرئيسِ عن ملئ هذا الفراغ”.

المصدر السورية. نت
قد يعجبك أيضا