موسكو.. احتفال عيد النصر بلا نصر

في 9 مايو من كل عام يحتفل السوفيات بانتصارهم على النازية بالحرب الوطنية الكبرى كما يسمونها في أدبياتهم، فمنذ انتصارهم في الحرب العالمية الثانية اعتاد الزعماء السوفيات إعطاء هذه المناسبة من كل عام اهتماما كبيرا بهدف إيصال رسائل سياسية واستراتيجية لأعدائهم، وذلك عبر استعراض أحدث ما لديهم من سلاح وعتاد تقليدي وإستراتيجي، وخطاب سياسي في أغلب أحيانه يُعبر عن جزء من طبيعة المواجهة التي تخوضها روسيا السوفياتية مع خصومها.

وفي المرحلة الروسية استثمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتفال عيد النصر في الساحة الحمراء من أجل إظهار عودة القوة الروسية الرادعة، وأن بلاده باتت جاهزة للدفاع عن مصالحها وردع أي عدوان عليها.

لذلك بات واضحا ان الكرملين سيلجأ إلى استعراض مزيد من قدراته، التي تنسجم مع التهديدات غير التقليدية التي تطلقها القيادة الروسية بين الحين والآخر، وما التصريحات الأخيرة لوزارة الدفاع الروسية عشية عيد النصر إلا خير دليل على ذلك، حيث من المتوقع ان يتم استعراض عتاد يطلق عليه الروس (أسلحة يوم القيامة)، وهي أسلحة استراتيجية غير تقليدية من الصواريخ العابره للقارات “إس إس 18” ستانا ( الشيطان)، والنسخ المعدلة الجديدة المعروفة بـ (سارمات)، إضافة إلى قاذفات تو 160، كما ستحلق طائرة القيادة إل-80 “يوم القيامة” التي ستحمل كبار الضباط في حالة نشوب حرب نووية.

فعليا، كان الرئيس الروسي يراهن على انتهاء الحرب في أوكرانيا وتحقيق النصر السياسي والاستراتيجي على الغرب قبل عيد النصر في 9 مايو، لكن الفشل الذريع لقواته المسلحة سيجبره على تغيير خطابه السياسي واللجوء إلى استعراض أقوى ما لديه من قدرات عسكرية واستراتيجية، من أجل الحفاظ على هيبة بلاده التي تكسرت في أوكرانيا، وذلك من خلال خطاب تصعيدي موجه إلى الدول الغربية، التي تخوض معه مواجهة غير مباشرة دفعته أكثر من مرة إلى تحذيرها بأن سوء حساباتها قد يدفع موسكو إلى خيارات غير تقليدية أو إلى فتح جبهات غير متوقعة من أجل توسيع المواجهة وممارسة مزيد من الضغط على الأوروبيين القلقين على استقرارهم الاستراتيجي في مرحلة المواجهة في أوكرانيا، وما ستتركه من تداعيات.

تبدو المواجهة في أوكرانيا طويلة الأمد وهي أشبه بكسر العظم مع انعدام إمكانية التوصل إلى تسوية بات كل طرف يبحث عن نصره، وبما ان الأوكران تمكنوا من منع سقوط العاصمة وحماية نظامهم السياسي فقد فرضوا معادلتهم بأن عدم الهزيمة هو نصر بحد ذاته، وهم يستعدون لخوض حرب استنزاف طويلة الأمد في المناطق التي يحاول الروس ترسيخ احتلالهم لها وضمها مستقبلا إلى روسيا أو منحها حيزا مستقلا نوعا ما، فما تخطط له موسكو بعد انحسار عمليتها العسكرية في مناطق الشرق والجنوب هو فك ارتباط المناطق المحتلة بالدولة المركزية، وهذا على الأغلب ذروة ما يطمح إليه فلاديمير بوتين في هذه المرحلة، وما قد يستعد للاحتفاء به في يوم النصر.

في يوم النصر التاريخي على النازية عجز فلاديمير بوتين عن تحقيق نصره التاريخي على من يصفهم بالنازيين الجدد، ففي حين كان يحتفل أسلافه السوفيات في هذا اليوم بسقوط برلين والقضاء على الرايخ الرابع، فإن قواته التي دخلت مدينة ماريوبول بعدما حولتها إلى أرض محروقة غير قابلة للحياة، تضغط من أجل دخول مصنع “اوزوفستيل” قبل نهار التاسع من مايو، من أجل ان تحتفي القيادة الروسية بنصر مزيف لتعويض هزيمتها الحقيقية.

المصدر الحرة


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا