وحدة سوريا.. ثمن بقاء النظام

يمكن لخبر طلب النظام السوري من روسيا قرضاً مالياً من روسيا، أن يشكل صاعقة بالنسبة لكل مترقبي مسار الانفتاح العربي على دمشق، والحديث عن إعادتها إلى الجامعة العربية. فيما الصاعقة الأكبر تبقى في أن يتم تسريب هذا الخبر بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق وتوقيع الكثير من الاتفاقيات، وعلى أعتاب مفاوضات إيرانية أميركية هدفها إعادة إحياء المسار النووي والإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في العراق وغيره. يؤشر الطلب السوري للقرض الروسي إلى أن كل الوعود التي منّى النظام السوري نفسه بها ما هي إلا وعود عرقوبية، خصوصاً أن لا أحد قادر على الاستثمار في سوريا في ظل عدم تغير الوقائع السياسية من جهة، وطالما أن العقوبات مستمرة وقابلة للاشتداد.

كل هذا المسار، عطفاً على إعادة رئيس النظام السوري بالمطالبة بجدولة الانسحاب التركي من سوريا وليس الانسحاب الفوري والكامل، بالإضافة إلى مطالبة الدول العربية بالتقدم خطوات باتجاه سوريا بعدما تقدمت هي سلفاً في خطواتها كما ورد على لسان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، فكل ذلك يعني أن الساحة السورية لا تزال مفتوحة أمام حروب الاستنزاف الطويل، عطفاً على الاستمرار الإسرائيلي في شنّ الغارات على مواقع تابعة للإيرانيين أو لحزب الله على الأراضي السورية.

لم يكن من الصدفة أيضاً أن ترد معلومات وأخبار عن سعي قوى المعارضة لإعادة تجميع نفسها سياسياً أو تشكيل مجلس عسكري بعد الانفتاح العربي على دمشق. تلك الخطوات كانت مطلوبة منذ زمن طويل، وربما لا بد من العودة بالذاكرة إلى اقتراح جمال سليمان في تشكيل مجلس عسكري في مرحلة سابقة يكون قادراً على تثبيت حضوره. تبقى الحاجة أساسية في إعادة تكوين أجسام المعارضة السياسية والعسكرية، في إطار برنامج واضح وموحد، وهذا لا يمكن أن يحصل بدون توفر عناصر خارجية دافعة باتجاهه، خصوصاً أن قوى دولية وإقليمية عديدة تسعى في سبيل ذلك، طالما أن بعض الدول التي لجأت إلى تطبيع العلاقات مع النظام اعتبرت أنها لم تجد نافذة تدخل من خلالها إلى الملف السوري، إلا من خلال النظام. فيما هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق المعارضة في إعادة فرض نفسها على أي طاولة تفاوض، والاستفادة من وقائع المواقف الدولية المعارضة للتطبيع مع النظام، ربطاً باتخاذ المزيد من الضغوط أو الإجراءات العقابية بحق النظام.

كل ما يجري يشير إلى أن الحلول السياسية لا تزال مستبعدة ومتأخرة. فيما يسعى كل طرف من أطراف الانقسام إلى تحصين وجوده وأوراق قوته. وهو ما تهوى قوى الممانعة إلى وسمه بـ “وحدة الجبهات”. من خلال إعادة تحريكها ولو بشكل رمزي، كما حصل في جنوب لبنان بالأيام الماضية من قبل حزب الله سواء عبر المناورة العسكرية الضخمة التي أجراها، أو من خلال تحركات مدنية وتظاهرات شعبية كان هدفها إزالة الشريط الشائك والعبور إلى الأراضي المحتلة للمطالبة بتحريكها. هذا سيكون له صدى آخر في سوريا بالأيام المقبلة، من خلال تنظيم الإيرانيين وحلفائهم لتظاهرات في مناطق شرقي سوريا للمطالبة بانسحاب القوات الأميركية من هناك. وهذا سيكون شكل من أشكال التصعيد الميداني في سبيل استدراج التفاوض الإيراني الأميركي الذي يتجدد بشكل غير مباشر في سبيل الوصول إلى اتفاق نووي.

كل ذلك يشير إلى تصاعد مقومات الانقسام في سوريا ولبنان، حول وجهة البلاد وهويتها، ربطاً بكل التطورات الإقليمية والدولية. لا سيما أن المنطقة تمرّ في مرحلة لا يمكن فيها لأي طرف أن يرضي جميع التوجهات الإقليمية والدولية، بمعنى أوضح أنه لن يكون بإمكان النظام السوري أن يحافظ على علاقته بروسيا والصين، ويرضي إيران في مطالبها، مقابل إرضاء دول الخليج العربي والسعودية، وتطبيع واقعه مع الولايات المتحدة الأميركية. سيكون النظام أمام استحقاق الاختيار بين كل هذه القوى وحسم موقفه فيما بينها، دون ذلك ستبقى هذه الساحات ميادين للانقسام والتجاذب والتوتير والاستنزاف. وهو أيضاً ما ينطبق على لبنان الذي يعيش صراعاً حول هويته ووجهته وكيانيته في ظل تصاعد أصوات كثيرة داعية إلى التقسيم أو الطلاق أو الفيدرالية. مثل هذه الطروحات النظرية في لبنان، كانت قد طبّقت بشكل عملاني في العراق وسوريا واليمن، ولا يزال الصراع مستعراً حولها. هذا كله يقود إلى نتيجة واحدة أن بقاء النظام السوري بشكله الحالي ثمنه فقط وحدة سوريا والتي لا يمكنه أن يحافظ عليها.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا