الجولاني..إمتحان جديد للتبرؤ من الإرهاب

منذ شهور، لا يترك “أبو محمد الجولاني” فرصة إعلامية إلا ويظهر فيها لتوكيد قدراته القيادية في شتى المجالات، من العسكر والأمن للاقتصاد والسياسة. الجولاني بات يُركز على مسألة الاكتفاء الذاتي ويأخذ النموذج اللبناني كمثال اقتصادي-سياسي سيء من الضروري تجنبه، ولهذا التركيز على توفير “بيئة استثمارية” وعلى الإكتفاء الذاتي ورفع مستوى النشاط الاقتصادي والتجاري في مناطق سيطرته شمال البلاد.

هو الأكثر ظهوراً بين محتلف قادة المعارضة، ويُوزع زياراته بعناية، تارة مع النازحين في المخيمات، ومع المزارعين، وتارة أخرى مع تجار محليين. يلتقي صحافيين وخبراء أجانب، ويُقدم لهم وجهاً مختلفاً أكثر انفتاحاً، ويُحاول فتح أبواب مع الغرب لرفع وصمة “الإرهاب” نتيجة علاقته التاريخية مع تنظيم “القاعدة”. وبالإمكان القول إن من بين كل القوى المعارضة، يبرز الجولاني القدرة الأكبر على استقطاب صحافيين وكتاب غربيين واقناعهم بطلب رفع اسم الهيئة عن قوائم الإرهاب، والتعامل معها ومع حكومتها.

والزيارة الأخيرة الى جبل السماق، ولقاء بعض السكان من طائفة الموحدين الدروز، كانت رسالة في هذا الاتجاه، أي أن هناك فارقاً بين الهيئة وبين بقية التنظيمات الجهادية، وتحديداً أن الأولى قادرة على التصرف بمسؤولية حيال مكونات المجتمع والتعامل معها على قدم المساواة بغض النظر عن الخلافات الدينية.

صحيح أن الطموحات الاقتصادية ستصطدم بالواقع السياسي، وبخاصة تصنيف الهيئة كتنظيم إرهابي، كما كتب آرون زيلين من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (موصياً الإدارة بتعديل تصنيفها)، لكن بالمقارنة مع مناطق أخرى في سوريا، من الواضح أن ادارته هي الأقدر على ضبط الأمن، وفرض سياسات محددة. ترفع الهيئة دورياً من قدراتها المالية والعسكرية والأمنية، وهي على المستوى الحربي باتت أكثر قدرة، وتحظى باعجاب عسكريين أتراك، وفقاً لمصادر تركية.

والجولاني عملياً قدم كل أوراق الاعتماد المطلوبة حتى الآن، بدءاً من تصفية “حراس الدين” وترويض أو انهاء مجموعات الجهاديين الأجانب والتعاون مع الجانب التركي في ذلك، وانتهاء بالانفتاح على المكونات الداخلية وإدارة مناطق نفوذه بشكل جيد.

وإذا كان الغرب يبحث عن بديل في المعارضة السورية بالإمكان التعامل معه، في ظل غياب العملية السلمية والحرب الأوكرانية، فلا بديل عن الجولاني. هو القادر ليس فقط على التوسع، بل على إدارة المناطق التي يُسيطر عليها، وربما وضع وتنفيذ بعض خطط التنمية. وفي هذه المقاربة، يُلبي الجولاني شرطاً تركياً أساسياً، مع الرغبة في نقل قسم من اللاجئين السوريين الى مناطق الشمال المحاذية للحدود التركية.

وهو أيضاً ولو بشكل غير مباشر يُلبي شرطاً غربياً بإبقاء النازحين في مخيماتهم والحفاظ على استقرار نسبي يحول دون موجات لجوء إضافية.

من هذا المنطلق بالإمكان رؤية الصراع بين فصائل الجيش الوطني السوري، ودخول هيئة تحرير الشام على خط القتال من خلال التوغل في مناطق “غصن الزيتون” (جنوب عفرين وغربها). بغض النظر عمّا اذا كان هناك دور للهيئة في الاقتتال بين صفوف “الجيش الوطني”، يظهر تنظيم الجولاني اليوم كالاستثمار التركي الأنجح والأقل تكلفة، علاوة على دوره المستجد في ضبط الاستثمارات الأخرى وادارتها.

الجولاني هو الأكثر قوة وتنظيماً وقدرة، ليس عسكرياً وأمنياً فحسب، بل أيضاً على صوغ مستقبل سياسي-اقتصادي للشمال السوري بعيداً عن تخبط فصائل الجيش الوطني، والفساد المستشري في صفوف الأخيرة وعدم قدرتها على إدارة مناطقها والخلافات بينها، والدليل الفشل في حفظ الأمن.

لهذا بالإمكان اعتبار الجولة القتالية الأخيرة ودور الهيئة فيها امتحاناً آخر اجتازه الجولاني في الطريق الى لعب دور أكبر ستكون أولى الإشارات اليه رفع اسم تنظيمه عن قوائم الإرهاب الغربية.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا