الشباب السوري في الثورة..دور مفعم يبحث عن أمل

لم يكن القيام بأي تحرك شعبي داخلي في الوطن العربي شيئاً يمكن لأي أحد أن يصدقه بسبب القبضة الأمنية التي يمارسها الحكام العرب على مواطني دولهم، فالتحرك الذي كان يحدث من مظاهرات أو مسيرات مؤيدة لتلك الأنظمة كان عبارة عن مخطط استخباراتي لدعم قضية معينة، أو لإيهام الجميع أن الشعوب توافق على ترشح الحاكم مرة أخرى للحكم، وكل هذا يحدث بموافقة من الأجهزة الأمنية ومراقبتها بأدق تفاصيلها حتى أن الشعارات التي كانت تُرفع وتردد هي من مخابرات تلك الأنظمة.

من ناحية أخرى، نجد أن الدول العظمى التي تأخذ مساحة كبيرة من الحرية والديمقراطية يحدث فيها انتقال سياسي سلمي دون أن تراق ولو قطرة دم واحدة، فيأتي حاكم جديد لهذه الدولة ويكمل سيره على نفس خطى الرئيس الذي سبقه على المستوى السياسي الدولي، لأن هذه الدول تخطط لمئة عام والحاكم يجب عليه الالتزام بهذه الخطط إلا في حال حدوث طارئ ما، ونقصد هنا حرب أو ركود اقتصادي يؤثر على اقتصاد تلك الدولة، أما على المستوى السياسي الداخلي تكون القوانين بالعادة متغيرة بشكل جزئي، بما يتناسب مع الأحداث العالمية، وهذه السياسة تتغير بتغير الحكومة والتي يتم انتخابها من قبل الشعب نفسه.

إن ما تحدثنا عنه آنفاً ليس سوى حلم كان يراود الشباب العربي بأن يكون لهم متنفس في اختيار حاكمهم الذي يمثلهم خارجياً ويتخذ القرارات المصيرية التي تمس بلدانهم، أو في اختيار حكوماتهم والتي ستصل إلى الحكم من خلال صناديق الاقتراع.

إن ما حدث نهاية عام 2010 في تونس بعد إضرام الشاب محمد بوعزيزي النار في نفسه، لأن الشرطية فادية حمدي قامت بمصادرة عربة الخضار التي كانت سبباً في معيشته وأسرته؛ كانت هذه الحادثة هي الشرارة الأولى التي أعلنت انتهاء حقبة طويلة من الاستبداد وقمع الحريات وكم الأفواه في الكثير من الدول العربية في المرحلة اللاحقة القريبة.

خرج التونسيون في مظاهرات عارمة مناديةً بإسقاط النظام الحاكم، والذي يتمثل بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، الذي استمر حكمه للبلد 23 عاماً.

وبعد هروب الرئيس التونسي بثمانية أيام فقط بدأت الثورة المصرية على أيدي شباب مصر الذين تجمعوا واعتصموا في ميدان التحرير، وما لبث أن سقط حكم محمد حسني مبارك والذي استمر أيضاً في الحكم 29 عاماً.

في منتصف شهر آذار من عام 2011 انطلقت الثورة السورية على أيدي شباب صغار عندما كتبوا على بعض جدران مدينة درعا عبارات مناهضة للنظام، وكانت انطلاقة لمظاهرات على طول وعرض الخارطة السورية.

وتتالت المظاهرات السلمية وتشكلت تنسيقيات قام على إدارتها شباب في مختلف المناطق.

فأن تخرج في مظاهرة داخل الأراضي السورية بدون موافقة أمنية ودراسة للشعارات التي ستُرفع كان ضرباً من الخيال -إن صح التعبير- فالقبضة الأمنية التي كانت تتعامل معها سلطات النظام، كانت أشبه بالمنشار الذي يأكل منك كيفما تحرك، وبالمقابل أنت عرضة للاعتقال والتغييب سنين طويلة إن خرجت حياً، أو ربما ستخرج بعد أن تدفع الملايين لأشخاص سيشترونك من الموت، وبهذا نجد أن النظم الاستبدادية تنظر إلى مواطنيها نظرة عبيد لا نظرة مواطنة أو أشخاص لهم حقوقهم في هذا البلد، فالحاكم أو الحكومة بالمفهوم السليم ما هم إلا موظفين لدى هؤلاء الناس ليُسيّروا لهم أمورهم وتنتهي أدوارهم عند التقصير في المهام الموكلة إليهم والتي يتم التعاقد عليها تعاقداً ضمنياً بين الشعب والحكومة، والتقصير يعني بالضرورة إنهاء خدماتهم وتعيين حكومة جديدة تسير على العقد الأساسي؛ وهذا لم نشهده إلى الآن في الدول العربية بعد تحرر البلاد العربية من المستعمرين أي بعد الحرب العالمية الثانية.

وبالعودة للحديث عن دور الشباب في الثورة السورية نجد أن منظمي المظاهرات في البداية، والذين حملوا السلاح لاحقاً، معظمهم كانوا شباباً في مقتبل العمر أي أن هذه الثورة لم تكن لتحدث لولا الشباب ولم يكن للسوريين اليوم حلم في الخلاص من النظام الذي حكم البلاد لأكثر من خمسين عاماً.

وبالحديث عن حمل السلاح من قبل هؤلاء الشباب يتفق الجميع أن النظام من جهة، والقوة الداعمة له من جهة أخرى، كانت تنتظر هذه اللحظة، ولربما كانت لأجهزته الأمنية دوراً كبيراً في الوصول إلى هذا الشيء ليكون لديه ذريعة أمام المجتمع الدولي باستخدام القوة، بحجة أنه يحارب أناساً خرجوا عن الدولة وهم عبارة عن فصيل أو فصائل مسلحة يقومون بتخريب البلد.

لقد كان من الخطأ حمل السلاح حينها، فالثورات ما إن تتحول لحمل السلاح يصبح حظها من النصر أقل بكثير من الثورات السلمية.

اليوم وبعد مضي أكثر من 12 عاماً على الثورة السورية، نجد أن الشباب السوري الذي بدأ هذه الثورة بكل الصعوبات التي واجهها فضلاً عن الخذلان الدولي، لم يمل ولم يفقد الأمل بالنصر، ولو نظرنا إلى إنجاز الشباب السوري في دول المهجر لرأينا آلاف الأدلة على عبقرية وحماس الشباب السوريين.

والسؤال الذي يبحث عن جواب الآن:

لماذا حقق هؤلاء الشباب اليوم كل هذه الإنجازات في الخارج، ولم نشاهد شباباً في هذا العمر يحتلون مناصب سياسية في الداخل السوري قبل الثورة السورية؟

ختاماً إن القطاع الإنساني والمنظمات التي تقدم الدعم للمتضررين من الثورة، والتي يمكن تسميتها اليوم بالحرب على سبيل الحقيقة أو المجاز، يعمل بها عدد كبير من الشباب الذين يتحملون جميع الضغوطات النفسية والجسدية لتقديم أفضل خدمة للسكان في المناطق التي تعاني الويلات بسبب الحصار شبه الضمني على الشمال السوري، فالثورات لا يمكن أن تبصر النور إذا لم يتحمل شبابها لأجلها كل الضغوطات المقروضة أو التي ستفرض لاحقاً.

المصدر السورية نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا