العملية التركية المحتملة في سورية: ما الذي تسعى إليه القوى الفاعلة؟

ماذا تريد واشنطن وموسكو وطهران و"الاتحاد الديمقراطي" في ظل التوازنات الجديدة

نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 27 أيار 2022 على موقع “fikirturu

كيف أثرت الحرب مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا والتي طال أمدها، ووصلت نتائجها بشكل ملموس إلى سورية؟ ماذا تفعل إيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحزب “العمال الكردستاني” في سورية في ظل الظروف المتغيرة؟ ماذا يمكن أن يكون رد تركيا؟

عملية جديدة في سورية على جدول الأعمال. ولكن، يوجد فرق بين العملية الجديدة المحتملة هذه المرة والعمليات السابقة لـ” درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام”، وهو أن إطارها الرئيسي ونطاقها العام وأهدافها التكتيكية ومدتها وتوقيتها لا تتأثر بالديناميكيات الداخلية للحرب “الأهلية السورية”، بل بالحرب في أوكرانيا.

في الحقيقة، تم خلال الأشهر الثلاثة الماضية مناقشة كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا على العالم، ضمن سياق مناطق جغرافية مختلفة. ولكن مع الأسف، كانت الاجوبة على السؤال المتعلق بتأثير الحرب على الشرق الأوسط، قدمت اجابات وفق رسم صورة كبيرة لا يمكن اسقاطها على أرض الواقع أو بشكل ملموس.

فكلما كانت الصورة أكبر، يصبح من الصعب فهمها، وربما لا نستطيع فهمها كلها، ومع ذلك، أعتقد أنه يمكنني أن أبين لكم تأثير النزاع في أوكرانيا على سورية، وعلاقتها بالعملية العابرة للحدود التي قد تحدث في المستقبل القريب، بترتيب زمني وحقائق ملموسة، مع التركيز على الأشهر الثلاثة الماضية.

الوضع في سورية قبل الحرب في أوكرانيا

لنعد بالقصة للخلف، قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/ فبراير 2022، وعلى مدى العامين الماضيين، لم يكن هناك ما يشير إلى أنه سيتم كسر الجمود في سورية.

وكانت إيران تحاول منذ منتصف عام 2021 تسريع أعمال توسيع نطاق نفوذها غرباً بدءاً من دير الزور. ولكن، عندما اقتربت جهود إيران من حقول النفط في الشمال، اصطدمت بالجدار الأمريكي، ومع توجهها غرباً، لم تكن تحركاتها ذات فاعلية حيث اصطدمت بالقوة العسكرية الروسية والقوات التي تدعمها في المنطقة.

يواصل الروس عملياتهم الجوية “التقليدية” في إدلب، فقد كانت الطائرات تقصف الجبال هناك دون الاكتراث بوجود مدنيين في الجوار أم لا، وصولاً إلى شهر كانون الأول /يناير من العام 2022، حيث كادت تصل الغارات الجوية الروسية على إدلب إلى مستوى التصعيد الذي بدأ في آب 2021. ولكن، كان محور التركيز الأساسي لروسيا على المنطقة الصحراوية الواقعة شرق حمص وجنوب الرقة ودير الزور، وكانت الأجزاء الوسطى من البلاد، تشهد لعبة القط والفأر التي يقوم بها “تنظيم داعش” ضد “نظام الأسد” من خلال الكر والفر، وهذا كان يستنزف معظم طاقة روسيا في سوريا، لأن إيران كانت تحاول سد الفجوة من الشرق، وكذلك الولايات المتحدة من الشمال والجنوب.

كانت “إدارة دمشق” تحاول الحصول على دعم روسيا للحفاظ على استمرارها في مناطق سيطرتها. وكان “بشار الأسد”، بعد إعلانه “الانتصار في الحرب” يبحث عن فرصة للعودة إلى العالم العربي مع التوقع لمفاوضات دبلوماسية في وقت لاحق من هذا العام. على الرغم من أنه كان يكافح لإظهار علامات الانتعاش الاقتصادي، حيث تعزز الآمال لديها في أن العودة إلى العالم العربي من شأنها أن تخلق الزخم لجمع الأموال اللازمة لإعادة الاعمار في البلاد.

كان جلّ اهتمام الولايات المتحدة في سورية موجهاً نحو الشمال الشرقي للبلاد في إطار العلاقات مع “حزب الاتحاد الديمقراطي”، إضافة للحماية الامريكية كانت “وحدات حماية الشعب”، تختبئ خلف أعلام إدارة الأسد أو إيران أو دول أخرى، كانت تنفذ هجمات صغيرة النطاق على الجيش التركي و”الجيش الوطني السوري”، لكن تأثير هذه الهجمات كان منخفضاً جداً.

ومن ناحية أخرى، كانت تركيا تنظم عمليات “نقطية” ضد منظمة حزب (العمال الكردستاني -وحدات حماية الشعب الإرهابية)، التي كان يتزايد عددها يوما بعد يوم؛ وفي المقابل، واصل “الجيش الوطني السوري”، جهوده لضمان الأمن والاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرته.

يعني باختصار؛ حتى عشية 24 شباط / فبراير، كانت لروسيا سلطة لا تتزعزع على دمشق. ووجود عسكري في جزء كبير من سورية، جعل وجود إيران غير فعال في هذا الصدد. وكانت تتوفر ميزة -بقوة الجيش الروسي-تمكنت فيها دمشق، من إخضاع خصومها في نهاية المطاف، سواء سياسياً أو عسكرياً، وكان نفوذ الولايات المتحدة في سورية عالقاً في شمال شرق البلاد.

غيرت الحرب الأوكرانية هذه الصورة.

كيف أثرت الحرب في أوكرانيا على سوريا؟

حاولت أن أشرح ما الذي تغير. والآن، دعني أخبرك كيف تغير؟. في البداية، من الضروري التأكيد وبشدة على شيء مهم للغاية. لم يكن للحرب الروسية الأوكرانية بعد تأثير استراتيجي على سورية.

ما يحدث اليوم يرجع إلى المشاكل التكتيكية واللوجستية التي تعاني منها روسيا والتغيرات الجزئية في التوازنات على الساحة الدولية. ومع ذلك، حتى هذه العملية أثرت بشكل خطير على سورية، إذا بدأت التطورات في أوكرانيا تؤثر على سورية استراتيجياً، فتخيل حجم التغيير الذي يمكن أن يحدث. عندما أقول تكتيكية، استراتيجية، أنا لا ألعب على المصطلحات. اسمحوا لي أن أشرح ما أعنيه..

فيما يلي ستجد كيف أن قدرات روسيا ونطاق عملها في سورية بات محدوداً، بسبب الحرب في أوكرانيا، وكيف تسبب ذلك في تغير الوضع في سورية.

ومع ذلك، يمكننا التحدث عن تحول استراتيجي، إذا وصلت روسيا لمستوى تفقد قوتها تماماً في سورية، في نهاية الأحداث الأوكرانية. ولا ننسى أن تدخل روسيا هو من منع الهزيمة الكاملة لـ” إدارة الأسد”، وليس إيران أو قدرة “النظام”. وهنا ادعوني أقدم جملة بسيطة ولكنها حاسمة للغاية، إذا لم تكن روسيا هناك في سورية فلا وجود لإدارة “الأسد”، فلا إيران ولا الدول الأخرى يمكنها مساعدة “الحكومة” في دمشق على البقاء.

ولكن، ليس هذا هو الحال في الوقت الحالي. فما زالت روسيا تحافظ على وجودها في سورية، فحقيقة أنها اضطرت إلى الحد من قوتها لم ولن تشكل تحولاً استراتيجياً في سورية.

نحن بعيدون كل البعد عن سيناريو رئيسي يمكن أن يؤدي إلى تحول استراتيجي. ولكن، إذا استمر الصراع في أوكرانيا لفترة طويلة وحدثت تغيرات كبيرة في العالم، فإن الوضع سيتغير، نحن نشهد حالياً ديناميكية في سورية ناتجة عن عوامل تكتيكية وليست استراتيجية. اسمحوا لي أن أؤكد على هذا للمرة الأخيرة..

العوامل الثلاثة المحركة للعملية القادمة:

لننتقل الأن إلى المعطيات التي بين يدينا..توضح المعطيات التي لدينا أنه؛ منذ 24 شباط/فبراير، بدأت تحدث تغييرات كبيرة في سورية.

سأحاول جمع بياناتنا في إطار ثلاثة عناوين رئيسية. الفئة الأولى إمكانيات وقدرات وأنشطة روسيا في سورية. والفئة الثانية هي ردود فعل الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل. الفئة الثالثة هي “الأعمال الإرهابية” لحزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب.

لماذا ركزت على هذه المعطيات الثلاثة؛ لأن العملية التركية المقبلة المحتملة عبر الحدود ترتبط ارتباطًا مباشراً بهذه المعطيات الثلاثة.

الموقف الروسي المتغير في سورية منذ حرب أوكرانيا

تفيد المؤشرات إلى أن روسيا أعادت تجميع قواتها، التي نشرتها في كل سوريةتقريباً، في مناطق معينة، وخفضت عدد جنودها ومستشاريها، وأخلت بعض مناطق القواعد، واتخذت موقفاً عملياتياً انتقائياً للغاية.

فما هي هذه المؤشرات؟ قبل 9 أيام من بدء الحرب، قام وزير الدفاع الروسي “شويغو” بزيارة مهمة إلى سورية، ثم في 22 شباط/ فبراير، أي قبل يومين من بدء الحرب في أوكرانيا، أعلن أن روسيا نشرت أسطولاً من 16 سفينة في ميناء طرطوس السوري، وقامت بتركيب أنظمة “TU-23” و “MiG 31″ و”Kinzal” في قاعدة حميميم، وكان ضباط الجيش الروسي وشركات الأمن الخاصة والفرقة 25، أهم قوة روسية بالوكالة في سورية، يقومون بعمليات داخل البلاد. ومع إطالة أمد الصراع في أوكرانيا، تغيرت هذه النظرة إلى حد كبير.

شنت روسيا 910 غارات جوية في وسط سورية في شباط/ فبراير مقارنة بـ 270 غارة في شهر اذار/ مارس و550 غارة في نيسان/ أبريل. ونحن على وشك نهاية شهر ايار/ مايو، ولا يزال هذا العدد حوالي 310 غارة.

لم تكتف روسيا بخفض عدد العمليات الجوية فحسب، بل خفضت أيضاً الجنود الروس، وعناصر من شركات الأمن الخاصة، من بعض المناطق الحساسة شرق حمص، ومن بعض القواعد حول الطبقة في الرقة، ومن قاعدة النيرب في شرق حلب، ومن السخنة في الصحراء، وجزء من تدمر. ولا يبدو أن هذا الانسحاب هو اعادة انتشار مؤقت.

إعلان تركيا في 23 نيسان/أبريل أنها لن تسمح بمرور الطائرات التي تقل عسكريين روس متجهة إلى سورية. وأنه لا يمكن استخدام المضائق التركية إلا في إطار الإذن بالعودة إلى الموانئ في البحر الأسود بسبب الحرب؛ وظهور عوامل مثل اضطرار روسيا لنقل الأفراد الذين اكتسبوا خبرة في سورية إلى الميدان الأوكراني، وحقيقة أن روسيا بدأت تدخل عنق الزجاجة في القوة البشرية في أوكرانيا، كلها عوامل توضح أن روسيا تعيد تنظيم قوتها العسكرية في سورية وتنسحب من المناطق التي لا تعتبرها حيوية.

لكن، يجب ان لا نسيئ فهم كل هذه المعطيات، فروسيا لا تنسحب من سورية بشكل متسرع وكامل. إنها تعيد نشر قواتها في المناطق التي تراها استراتيجية، فعلى سبيل المثال، قلص سلاح الجو الروسي، الذي شن 50 غارة جوية في إدلب في كانون الثاني/يناير، هذه العمليات إلى ثماني عمليات في شباط/ فبراير، وإلى 4عمليات في آذار/مارس، وزادها إلى 39 في نيسان/ أبريل.

بمعنى آخر، يبدو أن روسيا أعادت تقييم حدود المناطق التي تعتبرها حيوية واستراتيجية لنفسها في سورية، وهي دمشق ومحيطها، ولا تزال بعض النقاط الهامة على الطريق M5 الذي يربط بين دمشق وحلب، والخط الشمالي لطريق M4، وإدلب، مهمة للغاية بالنسبة لروسيا. وبدأت الأماكن الأخرى، تأخذ مكان الزاوية المهملة في أولويات روسيا الاستراتيجية.

سلوك إيران في سورية منذ اندلاع حرب أوكرانيا

الآن، لننتقل إلى معطياتنا في الفئة الثانية..بدأت إيران هجوماً كبيراً في محاولة منها ملئ الفراغ في الأماكن التي انسحبت منها روسيا.

كما بينت أعلاه، لطالما انخرطت إيران في جهد تنافسي مع روسيا لزيادة نفوذها في سورية. بدءاً من الأنبار في غرب العراق، كانت تدفع وكلائها على الارض حتى النهاية من أجل إقامة منطقة نفوذها المباشر على دمشق ولبنان، عبر إنشاء ممر متصل عبر سورية.

في الواقع، انتقلت هذه الميليشيات أولاً من الجزء الجنوبي من نهر الفرات في آذار/مارس، واستقرت إلى الغرب من بلدة ميادين ثم إلى القرى الواقعة غرب النهر. من هنا، ومع تقدم الميليشيات الإيرانية ببطء إلى المناطق الصحراوية جنوب الرقة، بدأت الأخبار تنتشر بأن روسيا ستجند متطوعين من سورية وتأخذهم إلى أوكرانيا. بعد ذلك، تحول التدافع إلى شجار بالكامل.

انسحبت المجموعات المعروفة بقربها من روسيا من غرب الفرات والمناطق الصحراوية، وحلت مكانها مجموعات قريبة من إيران. ومنذ بداية نيسان/أبريل، تسارع هذا الانتشار. حتى صار وجود “حزب الله” أكثر في شرق حمص وتدمر، وكذلك وجود ميلشيات “أبو الفضل عباس” في المناطق السكنية غرب الفرات، وفاطميون جنوب الرقة وحول حلب أكثر وضوحاً. ومع حلول بداية أيار/مايو، ظهرت جماعات موالية لإيران في العديد من المناطق السكنية الكبيرة والصغيرة في كل هذه الأماكن.

في هذه الاثناء قام “بشار الأسد” بزيارة إيران في 12 أيار/مايو. وبالنظر إلى أن آخر زيارة لـ”لأسد” إلى إيران التي كانت في عام 2019، يصبح من السهل جداً شرح العلاقة بين هذه الأحداث والزيارة.

التأثير الإسرائيلي

حسناً، ماهي نتيجة ملئ إيران للفراغ في الأماكن التي انسحبت منها روسيا؟ هنا التوقع ليس صعباً. كثفت الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل إجراءاتهما لكبح جماح إيران.

وعلى الرغم من أن البداية كانت في كانون الثاني/يناير، إلا أن الجماعات الإيرانية في دير الزور، تعرضت لقصف بطائرات مجهولة الهوية منذ آذار/مارس!.

وبما أن إسرائيل لا تفعل ذلك سراً، وبما أن الجماعات الإيرانية في هذه المنطقة لديها قواعد عسكرية تحت انوف القاعدة الجوية الأمريكية في تلك المنطقة، فليس من الصعب تخمين الجاني، ويمكنني احصاء 4 هجمات على الأقل وقعت منذ فبراير/شباط على مناطق تجمع الجماعات الموالية لإيران في دير الزور. ولكن العمليات ضد إيران لا تقتصر على ذلك.

كما كانت هناك زيادة كبيرة في العمليات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سورية، فحتى بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022 قصفت إسرائيل مواقع إيران خمس مرات، ولكن منذ ذلك الحين قصفتها ثماني مرات أخرى. وعلاوة على ذلك، نُفذ عدد كبير من الهجمات الأخيرة بطريقة أكثر شدة من الهجمات السابقة.

خطوة امريكية مثيرة جداً للتفكير

هذه التحركات ضد ايران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل هي، بطبيعة الحال، أكثر تكتيكية، ومع ذلك، هناك خطوة اتخذتها الولايات المتحدة أعتقد أن سببها يعود إلى تأثير انسحاب روسيا، وهو موضوع تحليل مختلف تماماً ويحتاج تقييم طويل الامد.

في الوقت الذي تم فيه إعادة تموضع جميع الجهات الفاعلة في سورية، أجرت الولايات المتحدة تغييراً مهماً في نطاق الحظر الذي فرضته على سورية. وبناءً على ذلك، اكتسبت المنطقة الواقعة تحت سيطرة حزب “العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي الارهابي” بعض الامتيازات التي يمكن أن تُعفى من العقوبات إلى حد كبير.

الحالات المماثلة عالمياً في التاريخ الحديث  تجعلنا نعتقد إلى أن هذا هو إعداد “هيكلي لدولة”. أليس هذا مثيراً للاهتمام؟ ولكن هذا التطور توقف، توقف، توقف، وظهر من جديد في الوقت الذي بدأ فيه نفوذ روسيا يتناقص خاصة مع تأثير حرب أوكرانيا.

هجمات منظمة PKK / YPG “الإرهابية”

لننتقل إلى فئتنا الأخيرة؛ هجمات منظمة PKK / YPG “الإرهابية”. يهاجم التنظيم منذ فترة طويلة قوات الأمن التركية والقوات التي تدعمها في سورية. بهذا المعنى، قد لا ترى اختلافاً للوهلة الأولى. ولكن، نظرة فاحصة تكشف عن وجود تغيير.

فمن ناحية، ما فتئت المنظمة “الإرهابية” لحزب” العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب” تنفذ منذ فترة طويلة هجمات إرهابية عبر عمليات تسلل واطلاق نار والمضايقات وإطلاق الصواريخ/ قذائف الهاون ومتفجرات يدوية الصنع  في مناطق عمليات نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات. في المقابل، يتم تحييد أعضاء المنظمة الإرهابية من المستوى المتوسط/العالي من خلال عمليات الطائرات بدون طيار المسلحة وغيرها من الوسائل. المؤسف، بقيت هذه العملية روتينياً لفترة طويلة في المنطقة.

ومع ذلك، أدى التداخل بين إعادة الانتشار والضعف النسبي لروسيا في سورية وعمليات “المخلب – القفل” التركية، إلى زيادة كبيرة في حركة “حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب”، بدأت الهجمات الإرهابية، التي استمرت بشكل عام بوتيرة أبطأ حتى منتصف نيسان/ أبريل، في اعزاز وعفرين ومارع والباب وكوباني وحتى كاركاميش داخل حدود تركيا، وتسبب ذلك في زيادة هجمات حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب في العديد من الأماكن منذ 22 نيسان/ابريل.

وبالرغم من أن تركيا ردت على هذه الأعمال الإرهابية فوراً، إلا انه كان لابد من تعليق الحل في المنطقتين اللتين كان من المتوقع حلهما منذ فترة طويلة، بسبب التوازنات داخل سورية، عملاً بهذه المعادلة بالضبط.

عملية محتملة

هذه هي خلفية العملية وبنيتها التحتية، التي جاءت على جدول الأعمال الذي أعلن عنه الرئيس رجب طيب أروغان بشأن سورية. من الآن وصاعداً، المدينة او القرية التي سيكون خط الجبهة الامامي فيها، بناء عليه؛ يمكن إجراء تقييمات من قبيل من ستواجه تركيا بالتفصيل.

ولكن كالعادة ، لن أذهب إلى تقييم القرية والمدينة. كما أنني لا أجد أنه من الصواب مناقشة التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر علنًا بطريقة من شأنها أن تؤثر على مسار العمليات قبل ان تكشف عنها من قبل السلطات المختصة. ومع ذلك، وبما أن وكالة الأناضول قد ذكرت أسماء تل رفعت ومنبج، يمكنني الربط بين الإطار المذكور أعلاه والتوقعات التنفيذية العامة.

لسبب وحيد، من الواضح أن تحرك تركيا مرتبط بخطوات روسيا الجديدة في سورية. وبالنظر إلى احتلال إيران الأماكن التي انسحبت فيها روسيا، وبالنظر إلى الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لضمان خروج “حزب الاتحاد الديمقراطي” بشكل أقوى من هذه العملية، لا ينبغي اعتبار التطورات القادمة مجرد عملية لمكافحة الإرهاب.

وبطبيعة الحال، فإن أي نشاط ضد منظمة “حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الإرهابية”، هو في الأساس نشاط لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، في هذه الحالة، ينبغي النظر إلى أن انهاء وجود “حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب” من تل رفعت، لا يأتي في سياق منع الهجمات على قواتنا الأمنية من هذه المنطقة فقط، ولكنه أيضاً في سياق التوازن الجديد الذي ظهر في سورية.

ومن المعلوم أن إيران التي تحاول توسيع مجال نفوذها انطلاقاً من شرق البلاد، وهي التي كانت موجودة منذ فترة طويلة عبر مجموعات الميليشيات في مناطق شمال حلب وشرق إدلب. ومن المرجح أيضاً أن ترغب روسيا في إعادة النظر لوجودها في هذه المناطق بانسحابها منها، ولهذا السبب، سيكون مهما جداً عدم ترك المجال لإيران هناك.\

ممر لربط المناطق

ولكن، الاجواء والظروف الحالية  تجعل احتمالاً أخر ممكناً

كان أحد أهم مشاكل المعارضة في شمال سورية منذ عام2019 عدم القدرة على توحيد منطقتي “درع الفرات ونبع السلام”. والأن، مع إمكانية القيام بعملية في منبج، لن يتم ضمان زيادة الكثافة السكانية في درع الفرات أو منطقة كبيرة فقط, حيث يمكن للأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى سورية من تركيا أن يستقروا فيها، ولكن أيضاً سيتم ضمان التكامل بين المناطق. لهذا السبب، من الضروري عدم التركيز على منبج فقط، ولكن أيضاً التفكير في التطورات في الشرق معاً.

إن ربط المنطقتين بممر يمكن فتحه من شمال منبج لن ينهي الوحدة الإقليمية لحزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب فحسب، بل قد يمهد الطريق أيضاً لمناقشة قضية السوريين في تركيا على مستويات أخرى.

كما اسلفت، كل هذا مرتبط بمسار الحرب الأوكرانية. الكثير من الأشياء التي ستحدث هناك ستؤثر على الساحة السورية. من عملية قبول الناتو للسويد وفنلندا، إلى الأعمال الاستفزازية لـ”حزب العمال الكردستاني”، على المدى القريب، يبدو أن هناك العديد من الأشياء التي تؤثر على عملية تركية. لكن هناك شيء واحد مؤكد، إذا كان لإطالة الحرب فقط هذه التأثيرات، فمن يدري ماذا سيحدث إذا علقت روسيا في المستنقع الأوكراني.

ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل  زميل  في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا