إستجابة أصدقاء النظام لكارثة الزلزال 

تؤكد كارثة الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في السادس من شباط الماضي، على أن الملف السوري لا يزال يشكل مساحة تحاول الدول الإقليمية توظيفها لصالحها، مستغلة الانشغال الدولي بملفات أخرى كالحرب  الروسية الأوكرانية.

هذا التوظيف ينطلق من مصالح كل دولة على حدة، فمن إيران التي تعمل على إستمرار وتثبيت توسعها في المنطقة بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، متزامناً مع  زيادة الاستهداف الإسرائيلي لها، إلى الإمارات التي تحاول توسيع دورها الإقليمي من خلال لعب دور الوسيط في المنطقة، للمساهمة في حل الأزمات والحد من آثارها بما في ذلك الملف السوري للتأكيد على الدور العربي فيه، وقد أثرت مصالح تلك الدول على إستجابتها لكارثة الزلزال وهو الأمر الذي ظهر في إختلاف حجم تلك الاستجابات.

روسيا: دور دون مستوى التوقعات

أرسلت موسكو 21 طائرة إلى سورية، وكان ملاحظاً اعتمادها على مطار اللاذقية لنقل تلك المساعدات الإنسانية متضمنة مساعدات غذائية وصحية ولوجستية، التي حرصت موسكو على توزيعها بنفسها بالتنسيق مع  الجهات الحكومية، في مناطق الساحل السوري وحماة بشكل أساسي، وهي أماكن تواجد القوات الروسية وحلفائها.

عند مقارنة حجم المساعدات الروسية المرسلة مع تلك التي أرسلتها دول أخرى، تغيب موسكو عن المراتب المتقدمة لصالح دول أخرى كالإمارات، لعل ذلك يعود إلى تأثير الحرب الأوكرانية عليها من ناحيتي الموارد المتاحة والأولويات الجيوسياسية، أيضاً ربما رغبة منها في دفع دول أخرى وفي مقدمتها الدول العربية والخليجية، للمزيد من الانخراط في سورية، وحمل كلف دعم استقرار النظام نيابة عنها في الوقت الذي يعاني فيه النظام من أزمة إقتصادية، حيث أن المساعدات الروسية  لم ترقى لحجم توقعات النظام من حليفه، مشرعاً ذلك لانتقادات غير رسمية بالوقت الذي كان هنالك احتفاء بالمساعدات العربية، سيما الإماراتية.

سورية بوابة لفعالية إقليمية

وجدت الامارات في المساحات التي خلفتها كارثة الزلزال، فرصة للدفع بشكل أكبر في مقاربتها تجاه سورية، بما يتسق مع رؤيتها إقليمياً لخفض التوترات واحتواء الأزمات عبر تقديم نفسها كوسيط، والانتقال من التركيز على الصراعات الجيوساسية خاصة في الملف السوري إلى البحث عن فرص التكامل الإقليمي وإنجازها إن أمكن.

أرسلت الإمارات 172 من أصل 321 طائرة مساعدات وصلت إلى مناطق النظام في سورية، بحسب إحصائيات صحيفة الوطن، في سياق تعزيزها دور مؤسسات النظام وزيادة قدرتها على الاستجابة ودعم استقرار المجتمعات المحلية المنكوبة. فقد تم الاعتماد بشكل كبير على مطاري دمشق واللاذقية في إيصال تلك المساعدات، لعل ذلك يعود إلى قدرات لوجستية يتمتع بها كلا المطارين لاستقبال المساعدات، التي كانت توزع قسماً منها بنفسها مباشرة في المناطق المنكوبة، وقسماً آخر بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والمنظمات ذات الروابط مع النظام كالأمانة السورية للتنمية.

لم تكتفي الإمارات بإرسال المساعدات الإنسانية، بل تعداها إلى قيامها بدور الوساطة لإقناع النظام السوري بتسهيل عمليات الاستجابة الإنسانية، الأمر الذي ظهر في إجراءات، كان منها موافقته على السماح للمساعدات الأممية للدخول إلى مناطق المعارضة، من خلال معبرين جدد مع تركيا لمدة ثلاث أشهر كبادرة حسن نية، كما صرح بذلك الأمين العام للأمم المتحدة.

حققت الوساطة الإماراتية اختراقات مؤقتة، حيث أن توسعها واستمراريتها يعتمدان على عوامل أساسية أهمها؛ مرونة النظام وعلاقته بحلفائه كإيران التي كان لها دور نشط في الاستجابة لكارثة الزالزال.

استغلال إيراني للغطاء الإنساني

شكلت كارثة الزلزال لإيران فرصة تأكيد دورها في الجغرافية السورية، يلحظ ذلك في سرعة استجابتها واستمراريتها واتكائها على أذرعها الإقليمية والمحلية في سورية  للاستجابة الإنسانية، كما عملت  إيران على استغلال  ضعف مؤسسات النظام وعجزها عن الاستجابة لكارثة الزلزال للدفع بإستراتجيتها للتعزيز، في بُعدين، الأول مجتمعي من خلال مساعدة المجتمعات الحاضنة لها المتأثرة بالكارثة ، والثاني لوجستي وعسكري،

ظهر ذلك من خلال سرعة استجابتها ميدانياً عبر مسؤوليها، حيث تواجد القنصل الإيراني ضمن جهود الاستجابة للكارثة في حلب منذ الساعات الأولى للكارثة، ولم يكن قائد فيلق القدس اسماعيل قاني بعيداً عن هذه الجهود حيث سجل تواجده في حلب أيضاً. كما أن إيران أرسلت  16 طائرة مساعدات حط معظمها في مطار حلب حيث تتواجد في محيطه ميليشاتها، كما أرسلت أذرعها الإقليمية كالحشد الشعبي وحزب الله قوافل مساعدات برية، شكلت الجزء الأكبر من المساعدات الإيرانية.

تعمل إيران على استغلال قصور استجابة النظام، للتوسع في مناطق جديدة كالساحل السوري، وهو ما يلحظ بوصول قوافل مساعدات الحشد الشعبي[1] كحركة النجباء، وزيارات قاني والسفير الإيراني للساحل. كما أن إيران استغلت الحالة الإنسانية كغطاء لإرسال معدات لوجستية وربما عسكرية إلى سورية، الامر الذي قد يفسر الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمطار حلب الدولي، حيث أن إيران تحاول عبر توسعها جغرافياً في سورية، زيادة تكلفة إستهدافها المستمر من إسرائيل.

خاتمة

مما سبق يلحظ تفاوت واختلاف في استجابة أصدقاء النظام للكارثة، حيث لم ترقى استجابة روسيا لمستوى توقعات النظام، بالمقابل كان لافتاً حجم المساعدات المقدمة من قبل الإمارات وإيران، ليظهر تفاوت حجم المساعدات محاولات تلك الدول للإستفادة من المساحات التي خلفتها الكارثة، من أجل الدفع  بمصالحها ودورها إنطلاقاً من الجغرافية السورية. كما  ينذر ذلك اختلاف تلك المقاربات باستمرارية تضارب الأولويات والمصالح في ما بين تلك الدول، الأمر الذي سوف ينعكس على الملف السوري سلباً بشكل عام.  علما أن أهم ما تغفله تلك المقاربات، نقطة إستقرار سورية والعوامل الاساسية التي يجب إستيفائها من أجل ذلك  كوجود حل يؤسس لانتقال سياسي.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا