إمتحان ماهر الأسد في درعا

مساء السبت قصفت الفرقة الرابعة “التابعة لماهر الأسد” منزل عضو في اللجنة المركزية في درعا البلد ودمرته، المنزل كان يُفترض أن يستضيف اجتماعاً مع وفد روسي اليوم التالي “الأحد”. قصفُ المنزل فيه رسالة مزدوجة؛ إلى أهالي درعا مفادها أن موسكو لن تكون قادرة على تنجيتهم من الرضوخ لشروط ماهر الأسد وملخصها الاستسلام التام والذليل، أما الرسالة الموجهة إلى موسكو فهي لتذكيرها بأنها ليست وحدها صاحبة القرار، فطهران التي لم تغادر، عائدةٌ بأقوى مما كانت عليه خلال سنوات أربع عجاف.

بعدما أشيع بدايةً عن تبني الموفد الروسي إلى أهالي درعا مطالبَ الأسد أوضحت الأحداث اللاحقة عدم تبنيها، على الأقل إلى حد دعمها عسكرياً. وكانت قوات الفرقة الرابعة على نحو خاص قد تلقت هزيمة عسكرية مهينة قبل عشرة أيام، تضمنت سيطرة الأهالي على حواجز عسكرية وأسر عدد لا يستهان به من الضباط والجنود، ومن الوارد جداً أن يكون ذلك الدرس مصدر سرور للروس الذين يريدون الانتصارات فقط بمشاركتهم وبإشرافهم.

السبب الذي صار أكثر شيوعاً لحصار درعا الحالي هو الانتقام منها بسبب رفضها المشاركة في انتخابات بشار، وهذا السبب قد يكون الأقل شأناً لأن المعنيّ ابتلع إهانات أقسى من هنا وهناك عندما لم يكن لديه خيار آخر، بينما في قرارة نفسه يتطلع إلى استعادة السيطرة على كافة المناطق والتنكيل بأهاليها انتقاماً منهم. استطراداً، لا أهمية محورية لكون درعا تُعتبر مهد الثورة، فهذه الرمزية تحضر في ذيل قائمة الأولويات، وقد يكون إبرازها مفيداً إذا اقتُحمت درعا لتضخيم ذلك النصر على أهاليها المحاصرين.

في خلفية الحدث وعلى وقعه، أعاد الأردن افتتاح معبر جابر-نصيب بعد تصريحات للملك إثر زيارته لواشنطن تصب في صالح التطبيع مع بشار، أي أن الجار الأقرب جغرافياً وسكانياً والذي استضاف من قبل غرفة الموك يدير ظهره لأولئك المحاصرين. وإذا كان في وسع ماهر وبشار قراءة رسالة الملك جيداً فمن الأولى أن تقرأها طهران الساعية إلى قواعد اشتباك جديدة بينها وبين تل أبيب، ومن المعلوم أن استبعاد الميليشيات المحسوبة على طهران كان من ضمن بنود تفاهم عام2018 بين موسكو وواشنطن الذي أعاد درعا إلى سيطرة مشروطة للأسد.

ضمن الفهم السابق تركز التصريحات القادمة من درعا على التصدي للميليشيات الإيرانية، باعتبار وجود الميليشيات الإيرانية خرقاً لأساس التفاهم السابق. وهي تصريحات لا تنفخ في رماد ما كان يُسمى الصراع الشيعي-السني، بل تتعلق أساساً بـ”قواعد اشتباك” إيرانية-إسرائيلية تنص على إبعاد ميليشيات الأولى عن الثانية. الهجوم الحالي على درعا، في شقه الإيراني المؤثر، خرق لقواعد الاشتباك تلك عبر الفرقة الرابعة، وجائزة التنكيل بالأهالي بموجب شروط ماهر الأسد هي جائزة محلية صغيرة من بين أهداف أخرى أهم.

الضامن الروسي لتفاهم عام 2018 يسعى إلى التهدئة ولو بشروط معدلة قليلاً، ولا يريد الانقلاب الكلي على التفاهم من موقعه كضامن، فهناك أيضاً العامل الإسرائيلي الذي يضغط لتفي موسكو بتعهداتها المتعلقة بإبعاد ميليشيات إيران. وكانت موسكو خلال عهد ترامب قد استفادت من دور الحكَم الوحيد بين تل أبيب وطهران، واضطرت الأخيرة تحت الضغط الأمريكي والإسرائيلي إلى التسليم لموسكو وللعلاقة المميزة بين بوتين ونتنياهو حتى عندما كانت المواقع الإيرانية في سوريا تُقصف بانتظام. ضعف إيران السابق فيه مصلحة لروسيا إذ طوى حينها فرضية التنافس بين الجانبين، الفرضية التي تعود اليوم مع مفاوضات فيينا النووية، وبحيث تبدو العودة الإيرانية مسنودة بصمت أمريكي، بينما تبدو موسكو أقرب إلى إسرائيل.

انكفأ ماهر الأسد مع الانكفاء الإيراني الاضطراري وتعاظم الدور الروسي؛ ذو السمعة الدموية الذي نادى به عتاة الموالين يوماً بشعار “بشار إلى العيادة، ماهر إلى القيادة” فقد هيبته، وعوّمت موسكو رجلها سهيل الحسن وصنيعتها الفيلق الخامس تحت شعار مأسسة الجيش. أطاح التهميش الروسي بماهر من صورة رجل السلطة، وربما قائدها المنتظر، إلى صورة متنفذ من تجار الحرب حيث راح اسمه يُقرن بالأتاوات التي تستوفيها حواجز رئيسية تتبع له وبأنشطة ربحية أخرى “غير قانونية” أُشيع أنها تثير استياء الروسي.

في الجانب المدني، ظهرت حظوظ ماهر وهي تتراجع مع صعود أسهم أسماء الأسد، بل راح يُطرح اسمها لتولي السلطة وكأنه غير موجود على الإطلاق ليمنع هذا الشطط! كذلك أتى إقصاء رامي مخلوف، بالسهولة التي تم بها، دلالة أخرى على قوة بشار وأسماء معاً واستغنائهما عن التحالفات القديمة ورموزها. فوق ذلك سُلّطت الأضواء على حافظ الحفيد كوريث لأبيه، ليكون العم أول المستهدفين بالاستعجال في طرح موضوع التوريث.

لا يخوض ماهر معركة درعا الحالية انتقاماً منها لعدم مشاركتها في انتخابات أخيه، بل لديه العديد من الدوافع الشخصية القوية لاستعادة حضوره وصورته بعد طول تهميش. هنا قد تفيد الرمزيات في الإعلاء من شأن معركة سهلة في الأصل، فيُسجَّل اقتحام مهد الثورة برمزيته كضربة قاضية سددها ماهر، ويُسجَّل له أمام بقايا عتاة الموالين الانقضاضُ على نهج التسوية التي لا تليق بـ”الأقوياء”، وبإصراره على الاقتحام رغم مساعي التهدئة الروسية يكسب سمعة العنيد الذي لا يرضخ لقوة الوصاية الروسية، ولو كان عدم رضوخه مسنوداً بدعم من الإيراني.

من جهته، لا يخسر بشار فيما لو ربح ماهر المعركة، فنتائجها لن تصب في صراع بينهما على السلطة غير محتدم أصلاً، وخسارة ماهر رهان الاقتحام “إذا حدثت” لن تُحسب على بشار الذي لا يتمناها لأسباب مغايرة، فهو يتوق إلى التخفف قليلاً من الثقل الروسي، وليس أمامه سوى التنافس الإيراني-الروسي ليعطيه فسحة من اللعب. لقد شاء ماهر “بعد غياب عن صدارة الأحداث” العودة من بوابة درعا، وقدرته على النجاح مضمونة ولو بتكاليف بشرية باهظة في حال بقيت التغطية الإيرانية ساريةً، لذا ربما عليه انتظار الإجابة النهائية من طهران لا من أهالي درعا المستضعفين.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا