اقتصاد سورية 2020.. أي العوامل أشد وطأة؟

أنهت سورية العام 2020 بعقوبات اقتصادية غربية مثلما أنهت العام 2019، لم يكن ثمة ما يشير إلى انفراجة على الاقتصاد بعدما استمر النظام في سياساته العسكرية ورفضه لكل أشكال الحل السياسي. ومع نهاية كل سنة تنشغل المراكز البحثية في رصد وإحصاء الخسائر وتصدير أرقام بها، ويطرح سؤال من قبيل أي سنة هي الأصعب على سورية؟! وأي عامل ذاك الذي تسبب بآثار بالغة على الاقتصاد؟! وبين السؤالين لا يغيب مشهد القتل والتهجير والنزوح والفقر، على المواطن السوري الذي ذاق ولا يزال ويلات الحرب سنة تلو أخرى.

مثل سابقه حمل 2020 الكثير من الأحداث التي أرهقت كاهل المواطن واستنزفت القطاعات الاقتصادية، ابتداءً من العقوبات وخلاف رامي مخلوف – بشار الأسد إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الليرة واستبدالها في مناطق المعارضة مروراً بانتشار فيروس كورونا وما خلّفه من أزمة صحية في بلد تدمر فيها 50% من المشافي بشكل كلي أو جزئي.

الليرة السورية بين الهبوط والاستبدال

انخفضت الليرة السورية لمستويات متدنية غير مسبوقة خلال العام جعلت البعض يردد أن هذا الحدث كان الأبرز طاول العام وأنه الأشد وطأة على الاقتصاد والمواطن.

فمع ارتفاع سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى مستويات 3175 ليرة في 8 حزيران 2020 واجه المواطن ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، ففي نهاية تشرين الثاني 2020 بلغت أسعار سلة من المواد الأساسية الحد الذي لم يعد الناس قادرين على إطعام أسرهم، كما أشار نائب منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة عن الوضع الاقتصادي المتدهور في سورية، لافتاً أن 9.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي نقلًا عن أرقام برنامج الأغذية العالمي.

وتظهر هذه الأزمة جلية عند النظر إلى الأسعار ومقارنتها مع دخل محدود يبدأ بـ37 ألف ليرة، حيث بلغ سعر صحن البيض 5700 ليرة، وكيلو اللبن 1200 ليرة، وكيلو البرتقال 1200 ليرة، والتفاح 1600 ليرة، وكيلو البندورة 1500 ليرة، والبطاطا 1000 ليرة وكيلو الحليب 1000 ليرة، والأرز 1700 ليرة، والبرغل 1100 ليرة، ولدى مقارنة هذه الأسعار مع مثيلاتها في نهاية 2019 سيظهر أن الأسعار ارتفعت بنسب تفاوتت بين 17% و500%، علماً أن متوسط الأجور في سورية يبلغ 149 ألف ليرة شهرياً (52 دولار على سعر 2800 ليرة) في مختلف المهن والأعمال بحسب موقع salary explore . وعليه ستترك هذه الأسعار الأسرة حائرةً في تدبر أمورها بعد نفاذ دخلها خلال الأيام الأولى من الشهر.

وقد شكل هبوط قيمة الليرة وعدم استقرار الأسعار سبباً وجيهاً للمجالس المحلية في مناطق المعارضة في الشمال، لاستبدالها بالليرة التركية، وتثمين السلع والخدمات بها، لحفظ مدخرات الأهالي وفرض استقرار في الأسعار، إلا أن التشتت الحاصل في المنطقة مدنياً وعسكرياً من جانب، وافتقار المنطقة لمؤسسة نقدية تشرف على حركة الاستبدال وتدير كافة المعطيات الاقتصادية لفرض الاستقرار في الأسعار ومراقبة الأسواق، ساهم في إرباك المواطنين والأسواق وقلل من جدوى هذه الحركة.

“قيصر” من جهة ومخلوف من جهة أخرى

بمجرد العودة للوراء قليلاً والتفكير في أسباب انخفاض الليرة، سنجد أنفسنا أمام العقوبات، وهو عامل شديد الوطأة، إذ استقبلت سورية العام 2020 بتوقيع ترامب لقانون قيصر وسرى تنفيذه في 17 حزيران في ذات العام.

تسبب القانون بالفعل في زيادة الخناق على النظام ومؤسساته وشبكاته التجارية، ففي الوقت الذي كانت فيه العقوبات السابقة تحظر على الأشخاص الأمريكيين فقط ممارسة أعمال مع النظام أو مع أفراد وكيانات مدرجة في قائمة الأشخاص الممنوعين من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في أمريكا، نصّ قانون “قيصر” على فرض عقوبات على الأجانب من غير الأمريكيين في حال قاموا بنشاطات محظورة مدرجة في قوائم العقوبات ضد النظام، وهو ما يتيح للحكومة الأمريكية معاقبة أي فرد ومؤسسة وحكومة في العالم يثبت عليها؛ دعم النظام مالياً أو مادياً أو تقنياً، أو تشارك الحكومة أو المجموعات شبه العسكرية والمرتزقة داخل سورية أو روسيا أو إيران أو ممن تسبب بانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري.

ستصبح سورية مع سريان القانون في 17 حزيران 2020 شبه مكبلة، ولا يبدو أن أحداً قد ينفذ من العقوبات لدى تعامله مع النظام، وهو ما لوحظ في انخفاض تعامل الدول المجاورة مع النظام وصعوبات متزايدة في تمويل الواردات من قبل مؤسسات الدولة وعلى رأسها البنك المركزي، وغذّت العقوبات الجديدة من الفساد في الأسواق واحتكام السوق إلى تجار الحرب الذي لا يجدون بُداً في رفع الأسعار بهدف التربح الفاحش واستغلال عجز النظام عن ضبط الأسواق وتمويل الاحتياجات، وتسبب القانون أيضاً في شلِّ استيراد البترول من إيران ما أضعف عملية الإنتاج ورفع الأسعار.

وربّ قائلٍ لا العقوبات ولا ضعف الليرة السورية بالعامل الذي تسبب في إنهاك الاقتصاد والمواطن في 2020! بل هو الخلاف الذي اندلع بين رامي مخلوف وبشار الأسد؛ والذي يعرفه القاصي والداني في سورية من خلال سيطرته على 7% من الناتج المحلي الإجمالي السوري وهذا الرقم كافٍ للدلالة على التحالف الموجود بين عائلتي مخلوف والأسد عبر إدارة استثمارات وأعمال وجعل الأولى وسيطاً للثانية.

كسرَ الخلاف الحاصل تلك الصورة النمطية الموجودة في تحالف العائلتين وتبخرت الثقة بالوجوه القديمة، فأُغلقت أسواق واستثمارات ووضَعت الحكومة يدها على أموال وأملاك لمخلوف، وظهرت وجوه جديدة على الساحة أُوكِل لها إدارة الأعمال والشركات مثل سامر فوز وقاطرجي وغيرهم، وهو ما أشعل حرباً داخلية بين رامي مخلوف والأسد ساحتها الفيس بوك ظهر أثرها على الاقتصاد من خلال المضاربة على العملة ورفع أسعار السلع وحالة الاضطراب في الأسواق المحلية والغموض لما هو آتٍ.

في النهاية! لا أرى مجالاً للشك في حجم الأثر لتلك العوامل على المواطن والاقتصاد، وأنها ستستمر في تفاعلها خلال العام 2021 وإلحاق مزيد من الأزمات المتراكبة على البلاد. ولكني أرجح أن العامل الأنكى الذي يمر على سورية منذ عشر سنوات هو فقدان واستنزاف الموارد البشرية من وفيات ومعتقلين وجوع وفقر وتسرب من المدارس، وأن وجود النظام بحد ذاته يمثل العقدة الرئيسية التي سيمثل حلها حلاً لكل مشاكل وأزمات سورية، هذا هو العامل الأشد وطأة على سورية خلال 2020.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا