الأويغور إلى الواجهة دولياً

كان قرار الولايات المتحدة رفع اسم الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية المعروفة باسم “إي تي أي أم”، وهي التنظيم الأم والملهم للحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، مؤشراً الى حجم الهوة المتسعة بين واشنطن وبكين. بيد أن هذه السياسة لا تقتصر فحسب على الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، بل ستنسحب حتماً على الإدارة الديموقراطية المقبلة، إذ باتت القضية الأويغورية محل اهتمام عام في الولايات المتحدة، سيما في ظل اعتبارها “إبادة” على المستوى الإعلامي والحقوقي، تماماً مثل إقليم دارفور قبل سنوات عديدة، وقبلها إقليم التيبيت.

لكن على هامش هذا الإعلان الأميركي المهم، هناك ملاحظتان على ارتباط بتاريخ الحركة الإسلامية الأويغورية، وأيضاً بدور هذه المنطقة في الاندفاعة الأميركية لنصرة الأويغور.

بداية، هناك بعض اللغط حيال تاريخ الحركة الإسلامية الأويغورية، وربطها بحركتي “طالبان” في أفغانستان وتنظيم “القاعدة” في سوريا. ذاك أن الهم الأساسي للحركة الإسلامية الأويغورية يبقى محلياً، وعلى ارتباط بحق الأويغور في تقرير مصيرهم. وبالتالي فإن العلاقة مع الحركات الجهادية كانت تكتيكية على ارتباط بانسداد الأفق، وليس خياراً استراتيجياً ولا عقائدياً.

الأكاديمي الأميركي المتخصص بهذا الشأن شون روبرتس كتب مقالاً في موقع “فورين بوليسي”، جاء فيها أن الحركة الإسلامية التي أسسها الشيخ حسن معصوم عام 1997، حُوصرت في أفغانستان لرفضها نشاط “القاعدة” وخيارات “طالبان”، وبعد انتقالها الى باكستان، سارع زعيمها حسن معصوم الى الاتصال بوكالة أنباء أويغورية لاعلان ادانته اعتداءات “11 أيلول”. ذلك أن الارتباط بقضايا قومية حساسة مثل تلك الأويغورية في مواجهة دولة عملاقة بإمكانات هائلة مثل الصين، يدفع أي قوة الى واقعية أكبر في الخيارات السياسية. تحتل السياسة حينها حيزاً أكبر من الأيديولوجيا في ميزان القرار. الهدف الأبرز والأهم هو القومية.

والحقيقة أن هذه سمة لا تنحصر بحركة معصوم الذي قتله جنود باكستانيون عام 2003 في سياق الحرب على الإرهاب، بل أيضاً تنسحب الى حد ما على “التركستاني” في سوريا. والدليل الأول هنا أن تحالفه مع “جبهة النصرة” حينها لم يكن خياراً ايديولوجياً على ارتباط بالولاء لتنظيم “القاعدة”، بل على ارتباط بتوافر الفرصة، وأيضاً الى حد ما، الرعاية التركية. لم يترك الهيئة بعد انفصالها عن “القاعدة”، وفضّل البقاء معها، بدلاً من مساعدة مثلاً من”حراس الدين”. ولو كانت الأيديولوجية الدينية أساسية هنا، لفضّل هذا الحزب الولاء العقائدي وانضم للحراس. لكن مثل هذه الخطوة انتحارية وتعني عملياً نهاية التجربة السورية بأسرها. هو تنظيم قومي في المقام الأول، ودوره في سوريا نوع من التضامن العابر للحدود. الحزب تركستاني (نسبة لتركستان الشرقية، وهو الاسم الأويغوري لشينجيانغ) هو أويغوري، والإسلام هنا مكون جزئي من الهوية. لهذا، يتحدث بعض المقاتلين السابقين في الحزب باسم القومية لا الدين، عن خياراتهم.

صحيح أن الحزب حصر عمله في الأراضي السورية، وساعد في العمليات العسكرية، لكنه تجنب قدر الإمكان الانخراط في حروب الفصائل، وكان جُلّ تركيزه على كسب تعاطف واسع في أوساط القوى الجهادية، وقد دفعها الى اصدار بيانات تضامنية مع القضية الأويغورية.

وهذا تحديداً مدخل للحديث عن دور المنطقة في هذا الصراع. بداية لأن الحركة الأويغورية ركزت بشكل كبير على كسب تعاطف القوى الإسلامية في العالم العربي، ونجحت بشكل محدود في نشر الوعي عن وضع الأويغور.

كما أن هناك أثراً عاماً لبعض الأعمال الأدبية في هذا المجال، مثل رواية ليالي تركستان على سبيل المثال. لكن هذا التعاطف على المستوى الإسلامي، تُقابله علاقة وطيدة بين الأنظمة العربية والصين، والتي تجعل من المصالح أولوية على أي قضية أخرى. هكذا حصل مع مصر التي تعاونت مع السلطات الصينية وسلمت عدداً من الاويغور من طلاب الأزهر.

لهذا ستكون القضية الأويغورية نقطة فراق جديدة بين القوى الإسلامية بصنفيها الجهادي والإخواني، من جهة، والأنظمة، من جهة ثانية.

وتبقى كلمة السر هي السياسة الأميركية واحتمال اتساع رقعة الدعم للقضية الاويغورية، ومدى التعاون مع تركيا في هذا المجال، نظراً لدورها في دعم “التركستاني” في سوريا وتأثيرها في هذه القضية على مدى العقود الماضية.

إنها مرحلة جديدة قد تتطلب من “التركستاني” ربما ارتداء ثوب آخر.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا