التداعيات الاقتصادية لانفجار بيروت على سوريا

مع انفجار مرفأ بيروت، يكون النظام السوري قد تلقى ضربة اقتصادية موجعة هي الثانية من نوعها خلال أشهر معدودة بعد أزمة المصارف اللبنانية التي جمدت الأموال السورية في بيروت وحالت دون استكمال شراء السلع الأجنبية عبر المصارف اللبنانية الوسيطة، بما انعكس سلبا على قيمة الليرة السورية التي شهدت تراجعا حادا خلال الأشهر الأربعة الماضية.

حاول أشخاص تابعون للنظام السوري التخفيف من تداعيات انفجار مرفأ بيروت على اعتبار أن مجمل الواردات السورية الأجنبية لا تتجاوز قيمتها ثلاثة مليارات دولار في السنة، وأن معظم هذه البضائع تأتي من ميناء اللاذقية كونها لا تخضع للعقوبات، مثل المواد الأولية الخاصة بالصناعات الغذائية والطبية.

وبغض النظر عن البعد السياسي في هذه التصريحات التي تحمل في طياتها نفيا لأي علاقة للنظام بتفجير بيروت، فإنها تُغفل خمسة عوامل اقتصادية مهمة، هي:

1 ـ يعتبر مرفأ بيروت أحد الشريانين الرئيسيين مع معبر باب الهوى على الحدود التركية لإدخال المساعدات الأممية إلى سوريا، ويشكل خروج المرفأ عن العمل خسارة كبرى للنظام الذي يعتمد كثيرا على هذه المساعدات كعامل مهم في خفض أسعار السلع الغذائية المحلية وكعامل مساعد لعائلات القاعدة الشعبية المؤيدة له، وكعامل في استحصال المال نتيجة بيع بعض هذه المساعدات في الداخل.

ولن يكون مرفأ طرابلس بديلا عن مرفأ بيروت بسبب صغر حجمه من جهة، وبسبب أنه سيكون المعبر البحري الوحيد لتأمين احتياجات لبنان في المرحلة المقبلة من جهة ثانية، بمعنى أن الأولوية للاحتياجات اللبنانية وليس للاحتياجات السورية.

أما حديث البعض عن مرفأ اللاذقية كبديل محتمل عن مرفأ بيروت، فهذا أمر صعب لأن الولايات المتحدة لن تقبل بذلك، اللهم إلا إذا جرى تفاهم معين مع روسيا، لكن الأولوية الأممية الآن هي لإيجاد بدائل بعيدة عن النظام، ولذلك تحدث مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة وفرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة قبل أيام عن قبرص وتركيا كبدائل لمرفأ بيروت ولم يتحدثوا عن مرفأ اللاذقية.

تحويل المساعدت الأممية إلى تركيا سيشكل ضربة قوية للنظام وسيمنح أنقرة دورا استراتيجيا في المرحلة المقبلة على صعيد الخدمات الإنسانية، ولذلك ستعمل روسيا جاهدة إلى استغلال حادثة بيروت للضغط على الأمم المتحدة والولايات المتحدة من أجل إدخال المساعدات الأممية عبر مرفأ اللاذقية، وليس عن طريق تركيا.

2 ـ كثير من واردات سوريا الخاضعة للعقوبات الاقتصادية، سواء العقوبات الناجمة عن “قانون قيصر” أو العقوبات الأمريكية ـ الأوروبية السابقة، تأتي عن طريق مرفأ بيروت من خلال وسطاء لبنانيين تابعين لـ “حزب الله” الذي يمتلك هنكار في المرفأ تحت اسم “بوابة فاطمة”، وهو هنكار لا يُسمح لأحد غير الحزب بالاقتراب منه.

وعليه، لن يستطيع النظام تأمين مثل هذه الواردات (معدات صناعية، قطع غيار، أجهزة تقنية وتكنولوجية، وغيرها) بعد خروج مرفأ بيروت عن العمل.

3 ـ يعتمد التجار السوريون في الداخل على مرفأ بيروت كجهة وحيدة لتصدير المنتجات السورية للدول الأوروبية وتركيا والأردن ومصر والسودان حيث التواجد السوري الكبير.

وبخروج المرفأ عن العمل، سيتكبد التجار خسائر كبيرة، الأمر الذي سيدفعهم إلى تخفيض الإنتاج، وتقدر البضائع السورية التي دمرت في الانفجار ما بين 500 مليون دولار ومليار دولار.

4 ـ من شأن تأثر تدفق السلع والمواد إلى سوريا من لبنان أن يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في الأسواق السورية التي تعاني أساسا من التضخم.

وأمام تأثر لبنان بعمليات الاستيراد، سيضطر كثير من التجار اللبنانيين إلى الاعتماد على البضائع السورية المحلية، وفي هذه الحالة ستنشط عمليات التهريب من سوريا إلى لبنان، بما يؤدي إلى زيادة الطلب على البضائع السورية ومن ثم إلى ارتفاع أسعارها داخل سوريا، بما يتجاوز قدرة المواطن السوري على تحملها.

ويبدو من الصعوبة بمكان أن التفجير سيجعل جزءا مهما من المساعدات المخصصة للبنان تتدفق نحو سوريا من خلال معابر التهريب الكثيرة بين البلدين كما ذهب إلى ذلك بعض المراقبين، لأن هذه المساعدات ستكون موجهة بدقة وتحت رقابة خارجية، فضلا عن أن لا أحد من القوى اللبنانية مستعد للمخاطرة أمام الهيجان الشعبي الحالي بتهريب مساعدات قادمة للشعب اللبناني إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

5 ـ فقدان الرئة الاقتصادية (مرفأ بيروت) أحد المتنفسات الرئيسية للنظام السوري، سيؤدي إلى تراجع في قيمة العملة السورية مقابل العملات الأخرى نتيجة تأثر الصادرات والواردات، وفعلا فقد بدأت الليرة تشهد تراجعا تدريجيا في قيمتها بعد انفجار بيروت مقارنة بالشهر الماضي حيث كانت شبه مستقرة.

المصدر عربي.21


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا