الجولاني والوضع في إدلب

ليس لدى زعيم تنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) أبو محمد الجولاني من يخاطبه سوى الإعلام. وعمل في العام الأخير على دخول تجربة التواصل مع وسائل الإعلام بقوة، ولذلك صار يكثر من ظهوره في المنطقة التي يسيطر عليها في محافظة إدلب. وفي كل مرة أراد أن يوصل رسالة عبر الإعلام مهد لها على الأرض من خلال وسائل البروباغندا المعهودة، والتي تقوم على خداع الرأي العام من أجل تمرير هدف معين، مثل تقديم صورة الرجل المسالم عن نفسه، وأن تنظيمه لا يمثل أي تهديد للولايات المتحدة وأوروبا. وفي وسع الجولاني أن يقول عن نفسه ما يشاء، وأن تصدق أميركا وأوروبا أقواله أو لا تأخذها على محمل الجد، وتنظر إليها بريبة، وتعتبرها أفعالا انتهازية هدفها كسب الثقة من أجل بناء علاقة تفتح أبواب التفاهم والعمل المشترك، إلا أن الأجهزة الغربية التي يتواصل معها زعيم “هيئة تحرير الشام” ليست بلا حضور على الأرض السورية السائبة، ويمكن ببساطة فحص الخطاب الذي يبيعه الجولاني من خلال وسائل الإعلام، والتأكد من أن هدفه هو تعزيز النظام الأمني الذي أقامه كسلطة أمر واقع على هذا الجزء من الأرض السورية، مستفيدا من الخدمات التي قدمها تنظيمه لأطراف عدة، بما فيها النظام السوري الذي اخترق “جبهة النصرة”، مثلما فعل مع داعش وبقية التشكيلات العسكرية والسياسية من دون استثناء.

الرسائل التي يوجهها الجولاني إلى الداخل والخارج لا تعني السوريين، بغض النظر عن صدقيتها من عدمه. ومصدر عدم الثقة بـ “هيئة تحرير الشام” وزعيمها هو التجربة المريرة منذ عدة سنوات والمسافة الكبيرة بين الخطاب والممارسة، والناس يحكمون اليوم على الأفعال، ولكثرة ما عانوا ودفعوا من الأثمان الباهظة ما عادوا يقفون عند الوعود، بل يطلبون من الجولاني وغيره من الذين يحملون السلاح باسم الثورة أن يحموا المدنيين العزل، الذين يتعرضون للمجازر التي يرتكبها النظام وروسيا وميليشيات إيران الطائفية، وعلى سبيل المثال تتعرض قرى في جبل الزاوية إلى قصف يومي، ولا يرد تنظيم الجولاني على مصدر النيران بقذيفة واحدة، مع أن هذه القرى واقعة في نطاق المناطق التي يمارس فيها نفوذه، وهناك 35 قرية يسكنها 50 ألفا مهددة بالتهجير بسبب القصف اليومي، وقضى 83 مدنياً بينهم 24 طفلاً و16 امرأة، بأكثر من 287 هجوماً لقوات نظام الأسد وروسيا على مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، منذ بداية حزيران الماضي حتى 21 من تموز الماضي.

تتعرض مناطق من محافظة إدلب وريفي حلب وحماة إلى اعتداءات مستمرة، ويقف الجولاني متفرجا، بل يخرج على الملأ ليعلن من دون أن يرف له جفن أن عملية عسكرية واسعة في إدلب غير واردة، لأنه هو من يمتلك قرار الحرب والسلم، ولديه من الأسلحة ما يشكل مفاجأة كبيرة، ولا يريد الرد على قصف المدنيين لأنه لا يود الكشف عن هذه الأسلحة، وما إلى ذلك من الكلام المستهلك. وكل خطابات الجولاني المتكررة، ومنها الأخير الذي استعرض فيه عضلاته العسكرية تأتي لتغطي على واقع مأساوي يعيشه السوريون، ويدفعون ثمنه بسبب هذا التنظيم الذي يسيطر على محافظة إدلب، ويقيم فيها سلطة بكامل الصلاحيات، ولا يختلف في سلوكه وتصرفاته عن النظام السوري، همه الوحيد بقاء النظام فقط، في حين أنه يشكل ذريعة بيد روسيا وإيران لمواصلة حرب التهجير المتواصلة ضد الشعب السوري، و يستمر على هذا النهج منذ معركة حلب في صيف عام 2016، والتي انتهت إلى تهجير أهالي شرقي حلب وبعض أريافها ليدخلها النظام والإيرانيون، وينسحب الجولاني إلى إدلب التي يحكمها ولا يدافع عنها.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا