الحل وفق “خطوة مقابل خطوة” اعترافٌ بالعجز..أين يقف العرب من ذلك؟

القرار الدولي 2254 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر عام 2015، هو قرار الحل السياسي في سورية، وقد رسم طريق الحل الشامل، فهو نصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالية، وانتخابات شفافة بإشراف أممي تام، وهما أمران لم ينخرط نظام الأسد في مفاوضات جادة حولهما، بل على العكس من ذلك، عمل هذا النظام على إغراق المفاوضات بتفصيلات لتفريغها من جوهرها.

إن القبول بمقترح مبعوث الأمين العام، جير بيدرسون، خطوة مقابل خطوة، هو قبول بتفريغ جوهر القرار الدولي من مضمونه، والتفاف على تنفيذه بصورة كاملة وصارمة. هذا المقترح، الذي تبنته مبادرة عمّان، من خلال اجتماع بعض وزراء الخارجية العرب في الأول من أيار الماضي، هو عملياً خطوة إلى الوراء، ودفعٌ بمحاولة تعويم نظام أسد عربياً، من خلال إعادة مقعد سورية في الجامعة العربية إليه.

هذه التنازلات العربية المخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي، لن تدفع نظام الأسد إلى الانخراط الجدي في مفاوضات حقيقية مع قوى الثورة والمعارضة، المكونة لهيئة التفاوض السورية، بل ستمكنه من الاستفادة المجانية من هذه التنازلات، وتدفعه للتصلب في رفضه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي المذكور.

التنازلات العربية لنظام أسد من خلال استعادته لمقعد سورية في الجامعة العربية، تأتي في تضارب مع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على هذا النظام من خلال قانوني (قيصر والكبتاغون)، وهو أمر دفع المشرعين الأمريكيين في مجلسي الكونغرس إلى تشديد موقفهم من خلال مشروع جديد يمنع التطبيع مع نظام بشار الأسد.

هذه الحقائق المريرة وغير المفهومة، التي يسير عليها النظام الرسمي العربي، دفعت هيئة التفاوض السورية إلى الاجتماع في جنيف قبل أيام، حيث حضرت كل مكونات الهيئة هذا الاجتماع، والذي يسبق اجتماع بروكسل لمجموعة أصدقاء الشعب السوري.

نتائج اجتماعات هيئة التفاوض السورية، أعادت التأكيد على أولوية تنفيذ القرار الدولي 2254 بصورة كاملة وحازمة، وهذا يعني، أن الشعب السوري الثائر على نظام الإستبداد والإبادة، يرفض كل محاولة للقفز من فوق حقوقه، لهذا طالبت الهيئة بتنفيذ هذا القرار باعتباره يسمح بتحقيق انتقال سياسي حقيقي في سورية.

لقد رأت هيئة التفاوض أن تنفيذ القرار الدولي بصورة كاملة وحازمة، سيسمح ببناء نظام سياسي ديمقراطي تداولي، نظام يحترم حرية التعبير، ويضمن حقوق كل السوريين والسوريات، وأن عودة نظام أسد إلى شغل مقعد سورية في الجامعة العربية لن يساهم في حل الصراع السوري في جوهره، بل سيزيده تعنتاً برفض التفاوض وفق القرار الدولي المذكور.

لقد غفل العرب الداعين إلى التطبيع مع نظام أسد عن جوهر بنية هذا النظام، فهو نظام مغلق على فلسفته الخاصة به، والتي ترفع شعار “الأسد إلى الأبد”، هذا الشعار، لا يرى أن هناك شعباً سورياً منتجاً ومبدعاً وخلاقاً، بل يرى فيه قطيعاً بشرياً في مزرعته، سيما وأنه يهيمن على سلطة القرار السياسي في البلاد عبر قوته الأمنية والعسكرية، وليس عبر صندوق انتخابات شفافة وحقيقة.

لقد رأت هيئة التفاوض أن عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، يجب أن تكون عودة مضمونة من ناحيتي الطوعية والأمان.

هذه العودة، لا يمكن توفر شرطيها في ظل استمرار نظام أسد، فهو نظام أمني قهري ولا أمان له، وسينتقم من كل فئات الشعب السوري الرافضة لنظامه، لهذا لا يمكن قبول عودة السوريين من بلدان لجوئهم بغير توفير الأرضية والمناخ الطبيعيين لهذه العودة بضمانة دولية صريحة.

إن الدول العربية الشقيقة التي تريد انهاء المأساة السورية، هذه المأساة، التي تؤرق أمنها الوطني، من خلال اتباع النظام الأسدي لسياسة إغراقها بالمخدرات التي يُنتجها، لن تتمكن من وقف هذه المأساة، ومن تجنّب تهريب المخدرات إلى بلدانها، بعملية التطبيع مع هذا النظام، بل هي على العكس من ذلك، تقوّي النظام، وتسمح له بمحاولة تعويم نفسه، عبر مجانية اعترافها به، رغم ارتكابه لجرائم بشعة بحق الشعب السوري، جرائم ترقى إلى مستوى جرائم حربٍ، وجرائم تنتهك حقوق الإنسان، وهي جرائم وثقتها صور قيصر ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان.

هيئة التفاوض السورية ذهبت في مناقشاتها في جنيف إلى مطالبة الدول العربية الشقيقة بضرورة اتخاذ قرارات تخدم تطبيق الحل السياسي للصراع في سورية، وفق رؤية ومنطق قرارات مجلس الأمن الدولي، لإنه لا يمكن بناء سلام مستدام بدون عدالة، وهذا يعني ضرورة الأخذ بمبدأ العدالة الانتقالية، ومحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة والقتل والاغتصاب. أي باختصار محاسبة كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

إن هيئة التفاوض السورية التي اجتمعت بكل مكوناتها السياسية، أرادت من ذلك التأكيد على أن السوريين يتمسكون بقوة بقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار الدولي 2254.

هذه الرؤية والممارسة، ستشكل جدار صدٍ لكل محاولات الالتفاف على حقوق الشعب السوري، والذي لا يزال أكثر من نصفه بين نازحٍ ومهجّر، حيث لا يمكن إغفال حقوق هذا الشعب، ولا يمكن القبول بتعليلات تحت مسمى مصالح الدول، إذ تتغافل هذه السياسات عن حقائق ثابتة تخصّ مصالح الشعب السوري.

إن اجتماعات هيئة التفاوض في جنيف، وعلى مدى يومين، هي ضرورة لاستمرار الكفاح ضد نظام الاستبداد والإبادة، وهي ضرورة للتعبير العلني أمام العالم عن مطالب الشعب السوري التي يرفعها في مظاهراته في كل أماكن تواجده في العالم، وفي مقدمتها في المناطق السورية الخارجة عن سلطة نظام أسد.

هذه الاجتماعات، تحتاج من مؤسسات قوى الثورة والمعارضة بعمومها، أن تطوّر علاقاتها مع حاضنتيها الشعبية والثورية، هاتان الحاضنتان هما من يمنح قوة التمثيل والشرعية لهذه المؤسسات، وهما من يمنع محاولات وأد الثورة السورية وأهدافها في التحرر من نظام الاستبداد الأسدي.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا