الخوف من الصين

تتصدّر الصين، هذه الأيام، عناوين الأخبار باتجاهين متعاكسين، الأول مرتبط بانتشار فيروس كورونا القاتل، والثاني متصل بتنامي قوتها العسكرية، حسب التقرير الذي أصدره أخيرا معهد ستوكهولم لدراسات السلام (SIPRI). وعلى الرغم من تباعد مجال اهتمام الموضوعين، إلا أن كليهما يخلصان إلى نتيجةٍ مفادها بأن الصين باتت فاعلا رئيسًا (إن لم تكن الفاعل الرئيس) في الشأن العالمي.
حالة الهلع التي أثارها انتشار “كورونا” يبررها حجم الصين الديموغرافي (الأول عالميا) والاقتصادي (الثاني عالميا). وعلى الرغم من أن أكثر الدراسات تفيد بأن انتشار المرض سيبقى، على الأرجح، محصورا في حدود منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أن حجم الصين الديموغرافي يجعل من الصعب الحجر عليها، ويبقى احتمال انتقال الفيروس إلى أجزاء أخرى من العالم قائما وكبيرا. وكانت موجة الإنفلونزا التي ضربت العالم قبل قرن (1918 – 1920)، ويعتقد أن مصدرها الصين، أدت إلى مقتل نحو 60 مليون إنسان في قارات العالم الخمس (ثلاثة أضعاف قتلى الحرب العالمية الأولى). وتوضح الإحصاءات أن ربع الأميركيين أصيبوا بالمرض، و3% منهم قضوا فيه، ولم يكن المرض وقتها لم يميز بين طفل وشيخ، وكانت فئة الشباب الأكثر تأثرا، ما ترك مفاعيل مدمرة على الاقتصاد. كما انخفض متوسط الأعمار بنحو 12 عاما. ويعد المرض الذي أودى بحياة نحو 5% من سكان الأرض حينها أحد أبرز أسباب الأزمة المالية التي ضربت العالم في أواخر العشرينات من القرن الماضي، وأدّت بدورها إلى صعود النازية واندلاع الحرب العالمية الثانية.
اقتصادياً، وعلى الرغم من انخفاض معدلات النمو في الصين هذا العام (6.1%) بسبب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، إلا أن أثر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي يزداد وضوحًا. إذ انخفضت البورصات العالمية، بما فيها بورصة نيويورك، بنسب تتراوح بين 1.5% و3.5%. كما تداعت أسعار النفط (الصين أكبر مستورد للنفط في العالم) وباقي المواد الأولية، مثل الحديد والنحاس، باعتبار أن الصين التي تعد مصنع العالم مستورد رئيسي لها. أما السياحة العالمية فيتوقع أن تكون الضحية الأكبر للمرض. ووفقا لإحصاءات عديدة، فقد سافر العام الماضي 130 مليون صيني خارج بلادهم، أي تقريبا عشر السكان، نتيجة ارتفاع مستوى الدخل، وتزايد عدد الدول التي تمنح الصينيين تأشيرات دخولٍ لتشجيع السياحة. وهناك مخاوف حقيقية حاليا من تؤدي أزمة فيروس كورونا، إذا فشلت الصين في احتوائها، أو أخذت وقتا طويلا في ذلك، إلى أزمة اقتصادية ومالية عالمية كبرى.
بالتوازي مع أزمة كورونا التي أوضحت وزن الصين، وأثرها في صحة العالم واقتصاده، أصدر معهد ستوكهولم لدراسات السلام تقريرا لافتاً عن صناعة السلاح الصينية. إذ تمكن المعهد، على الرغم من التعتيم الشديد الذي تتبعه الصين، وغياب الشفافية بخصوص صناعتها العسكرية، من إثبات أنها باتت تحتل المرتبة الثانية في صناعة السلاح بعد الولايات المتحدة، وذلك بتحليل بيانات مبيعات أكبر أربع شركات سلاح صينية بين العامين 2015 و2017. وقد بيّن التقرير أن ثلاثة من هذه الشركات تعد اليوم بين أكبر عشر شركات مصنعة للسلاح في العالم، وقد باعت ما قيمته 54 مليار دولار من السلاح عام 2017. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتقدم في هذا المجال، وبهامش كبير (باعت 246 مليار عام 2018)، إلا أن الصين أزاحت روسيا عن المرتبة الثانية، وباتت تتقدم عليها بفارق كبير، بعد أن كانت تستورد السلاح منها (باعت روسيا أسلحة بقيمة 36 مليار دولار عام 2018).
يؤكّد تقرير معهد ستوكهولم أن الصين تسلك الطريق التقليدي الذي سلكته الولايات المتحدة وبريطانيا من قبل، أي امتلاك قوة عسكرية تضاهي قوتها الاقتصادية. في عام 1876 كانت أميركا قد غدت فعليا الاقتصاد الأول في العالم، متجاوزة بريطانيا، لكنها لم تصبح القوة العسكرية الأولى، إلا مع نهاية الحرب العالمية الثانية. السرعة التي تتحرّك بها الصين لتحقيق التعادل بين قوتها الاقتصادية والعسكرية تبدو أكبر كثيرا، وهذا يثير مخاوف بعض الدول، بقدر ما يخيفها فيروس كورونا.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا