الرهاب الروسي من الربيع العربي

تمر هذه الأيام السنوية العاشرة للربيع العربي ، المستوحاة تسميته من تعبير “ربيع الشعوب” ، الذي أُطلق على ثورات العامين 1848 ــــــ 1849، التي عمت معظم أنحاء أوروبا ، وبلغت الأطراف الغربية للإمبراطورية الروسية . وحقيقة ، أن إحدى شرارتها الأولى اندلعت في فرنسا ثورة 1789 العظمى ، تشير إلى أن الثورات ، وإن قُمعت بسرعة ، كما الثورات المذكورة ، إلا أنها تتواصل عبر تأثيرها العميق على العمليات السياسية اللاحقة في البلد المعني . فمن يقول الآن ، أن بلدان شمال إفريقيا وشرق المتوسط ، التي شملها الربيع العربي ، بقيت أوضاعها على ما كانت عليه قبل إنتفاضات وثورات هذا الربيع ، أو حتى تراجعت ، تتولى الرد عليه أحداث تونس هذه الأيام ، وإرهاصات السودان ولبنان الثورية ، واستمرار الثورة السورية بصعوباتها ومآسيها.

النظام الروسي الراهن توجس شراً من الربيع العربي ، منذ إندلاعه مع حدث الشاب التونسي بوعزيزي آخر العام 2010 ، وخشي من تردداته على الوضع في روسيا ، سيما وأنه كان قد اصطدم بما يسميه الثورات الملونة في محيطه الأقرب ، في جورجيا وقرغيزيا ، ثم الإنتفاضة الكبرى في أوكرانيا ضد الأنظمة السوفياتية المترسبة الموالية له . ولم يفارق ذكر الربيع العربي المواقع الإعلامية الروسية طيلة هذه الفترة تقريباً ، وبقي مقتل القذافي وما تلاه من حرب أهلية في ليبيا المثال الأبرز على هذا الربيع بالنسبة لها.

موقع “المجلة اليومية” الروسي المعارض قال في وقت سابق ، بأن الرهاب الرئيسي للكرملين  يتمثل في الخوف من ما يسمى “الثورات الملونة” . ويعتبر القادة الروس ، أن أي محاولة من قبل الشعب للتخلص من حكامه المتسلطين ، هي مؤامرة من الأجهزة الغربية . وينقل الموقع عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله في مؤتمر دولي سابق لوزارات الدفاع ، بأن “الثورات الملونة” تكتسب ، أكثر فأكثر، شكل الصراع المسلح ، ويتم التخطيط لها وفق قواعد الفن العسكري ، وتستخدم فيها جميع الأدوات المتوفرة.

ويؤكد الموقع ، أن إعتبار الإنتفاضات الشعبية شكلاً جديداً من الأعمال العسكرية ، تتضمنه النسخة الأخيرة من المذهب العسكري الروسي ، التي وقعها الرئيس الروسي في العام 2014 . وتذكر هذه النسخة في فصل ” المخاطر العسكرية الداخلية الأساسية” ، أن العمل على التأثير الإعلامي على سكان البلاد ، وعلى المواطنين الشباب بالدرجة الأولى ، يهدف إلى تقويض التقاليد الروحية والوطنية التاريخية في حقل الدفاع عن الوطن . أي أن الإنتفاضات الشعبية ترتقي ، في عرف المذهب العسكري الروسي ، إلى مصاف المخاطر العسكرية على أمن البلاد.

موقع “راديو سبوتنيك” الرسمي الروسي تطرق إلى الحديث عن السنوية العاشرة للربيع العربي ، واستضاف خبير النادي الدولي “فالداي” التابع للكرملين البوليتولوغ فرحات إبراهيموف . وتحت عنوان “ثمار الربيع العربي : ما الذي تغير بعد مرور عشر سنوات” يقدم الموقع لحديث إبراهيموف بالقول ، أن الربيع العربي أصبح ، بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، شبيهاً بالحرب العالمية الأولى ، دون أن يذكر وجه الشبه مع هذه الحرب بالذات ، وليس العالمية الثانية مثلاً . وبعد أن يسرد الموقع كيف بدأ الربيع العربي من تونس ، يقول ، بأن الخبير تحدث عن أهمية الربيع العربي ، وعن الوضع ، الذي تسبب بالحراك الثوري , وعن دور الغرب ونتائج هذا الدور ، وعما إذا كان الوضع في البلدان ، التي شملتها أحداث هذا الربيع ، قد أصبح أفضل مما كان عليه قبل ذلك.

لكن الخبير كان مقتضباً في حديثه ، الذي جاء على شكل رسائل نصية قصيرة . فقال ، بأن تونس كانت الحجر الأول في لعبة الدومينو ، التي شملت كل المنطقة ، وأن الحياة فيها لم تصبح أفضل مما كانت عليه ، وأن الشعب كان ينتظر شيئاً ما مختلفاً كلياً ، وأن الثورة لم تقدم شيئاً . وقال ، بأن القذافي لم يحالفه الحظ ، إذ إضافة إلى الربيع العربي ، اجتمعت عليه الدول الغربية ، وقررت الإطاحة به بأيدي الليبيين أنفسهم . كما قال ، بأن السيناريو عينه كان مهيئاً لسوريا ، ولو لم تتدخل روسيا “لكان السيد الأسد يبلغ الآن التحية للقذافي”.

موقع “Regnum” الإخباري الروسي ، وتحت عنوان “ما هي تركة الربيع العربي بعد مرور عشر سنوات” ، قال بأنه ، مع إطلالة العام 2021 سوف يستمر المشهد الجيوبوليتكي للعالم العربي بالتغير ، وتتوقف حصيلة هذه التغيرات على سلسلة من العوامل . يستعرض الموقع سردية هذا الربيع ، ويوجز قصة كل بلد من بلدانه ، ويقول ، بأن الرئيس بشار الأسد في سوريا تمكن من الحفاظ على السلطة ، لكن ثمن ذلك كان سقوط البلد في هاوية حرب أهلية دموية أسفرت عن نصف مليون قتيل وملايين المهجرين والنازحين الداخليين . وبسبب هذا الصراع ، لم تعد سوريا إلى حضن روسيا فحسب ، بل تحولت أيضاً إلى حقل صراع إيراني إسرائيلي.

ويقول الموقع ، بأن الربيع العربي قد عرى الهشاشة المتأصلة في العديد من البلدان ، التي شملها . وعلى الرغم من أن بعض الزعماء تمكن من البقاء في السلطة بفضل أجهزة القمع ، إلا أن الشرعية الضعيفة المستندة غالباً إلى تزوير الإنتخابات ، تجعلهم ضعفاء أمام التيارات الإسلامية والنزعات القبلية . وليس من قبيل الصدف ، أن تكون الأنظمة الملكية في المغرب والأردن والسعودية ، التي تستمد شرعيتها من المصادر الدينية ، قد بدت في وضع أفضل بكثير من الجمهوريات شبه الرئاسية.

أما الدول الإقليمية غير العربية  ـــــ إيران ، تركيا وإسرائيل ـــــــ فقد سارعت إلى إستغلال مصائب الدول العربية . فبينما كانت الولايات المتحدة منشغلة بمحاربة الدولة الإسلامية ، ساعدت إيران في إنقاذ النظام السوري ، الذي كان على حافة السقوط ، ونشرت قواتها على طول الحدود مع إسرائيل ، وأصبح نشاط طهران يمتد من سوريا والعراق إلى لبنان على ساحل المتوسط.

وكالة تاس الرسمية نشرت نصاً في يوم السنوية بالذات ــــــ 17 من الشهر الجاري ــــــــــ بعنوان “حقاً ، لم ينجح الأمر ؟ عشر سنوات على الربيع العربي في الشرق الأوسط”” ، قالت فيه ، بأن الحدث الرئيسي في العام 2010 خيب أمل الجميع ممن اشترك به : من الليبراليين ، إلى الإسلاميين والمحافظين العلمانيين.

وبعد أن يدخل كاتب مقالة تاس في تفاصيل إنعكاس الربيع العربي على كل من البلدان المنضوية تحت لوائه ، ويؤكد بأنه ، على العكس من الشائع ، لم يأت الربيع لصالح الغرب ، بل تسبب له بعدد من الإحراجات في كل من مصر وليبيا وسوريا , ويختتم الكاتب بالقول ، أنه على المستوى الأعمق ، تبقى بدون حل مسألة قابلية التوحد في ظروف الشرق الأوسط بين الإيديولوجية الإسلامية ، أي مشروع بناء المجتمع حول مبادئ الدين ، وبين بناء المجتمع على أسس ديموقراطية مستوحاة من الغرب . التوحيد التلقائي بين البدايتين قد فشل ، ولا تتوفر حتى الآن  للمشاركين في الأحداث التاريخية ظروف إنتصار أحدهما :  إما السلطة الشعبية الليبرالية ، وإما الإسلام السياسي.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا