السكر الإيراني في أكواب الشاي السورية؟

قد يذهب سوء الظن بالمراقب للشأن الاقتصادي السوري، بعيداً، حينما يربط بشكل متحيّز، بين تمهيد حكومة النظام لرفع أسعار السكر والرز المدعوم، وبين تكرار تصريحات مسؤولين سوريين وإيرانيين، خلال الأشهر الفائتة، بخصوص إمكانية استيراد سوريا للسكر والرز من إيران.

لكن سوء الظن هذا سرعان ما يتبخر، حينما يكشف لنا البحث أن إيران ذاتها، تعاني من معضلة في تلبية حاجتها المحلية من هاتين المادتين. وهنا نصبح أمام خلاصة مفادها أن تصريحات المسؤولين الاقتصاديين، في سوريا وإيران، من نفس طينة تصريحات مسؤوليهم السياسيين والعسكريين، حينما يتحدثون عن ممانعة الكيان الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية. فالتصريح شيء، والفعل شيء آخر تماماً. الأمر الذي يحيلنا، بدوره، إلى بحثٍ يخلص إلى نتائج مثيرة تتعلق بأسباب الفشل الاقتصادي لإيران في سوريا، رغم نفوذها السياسي والأمني الكبير على النخبة الحاكمة فيها.

وقد يكون من المفيد، بدايةً، أن نوضح حجم المفارقة بين كلفة التدخل الإيراني بسوريا، وبين المكاسب الاقتصادية للنفوذ الإيراني، حتى الآن. فإيران أنفقت على الأقل، ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، لمنع سقوط نظام الأسد، خلال السنوات العشر الفائتة، وفق تصريح حشمت الله فلاحت بيشه، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية في إيران، في أيار/مايو 2020. في المقابل، ورغم ميل كفة الميزان التجاري بين البلدين، لصالح إيران، وبصورة كبيرة جداً، إلا أن التبادل التجاري بين دمشق وطهران، انخفض من 550 مليون دولار عام 2010، ليتراوح ما بين 100 مليون إلى 200 مليون دولار، في أقصى الحدود، في الأعوام الثلاثة الفائتة، أي بعد هدوء معظم جبهات القتال وزوال الخطر على حكم الأسد بدمشق. وفي العام 2020، تحديداً، ومن أصل 40 مليار دولار من الصادرات الإيرانية غير النفطية، كان نصيب السوق السورية، بقيمة لا تتجاوز 100 مليون دولار.

ومن الأرقام التي من المتوقع أن تثير حنق العامة من الإيرانيين، وفق مصادر اقتصادية ناطقة بالفارسية، أن حصة إيران من الصادرات إلى السوق السورية، لم تتجاوز 3% فقط، مقارنة بحصة قد تصل إلى 8 أضعاف هذه النسبة لصالح صادرات كل من الصين وتركيا. وتشكل البضائع التركية بالتحديد، المنافس الأكثر حدة لأية مطامح إيرانية باحتلال حصة أفضل في السوق السورية، وذلك رغم القطيعة الرسمية بين نظام الحكم بدمشق، وبين الجار التركي.

وإن كنا نقرّ بأن قياس المكاسب الاقتصادية لإيران بسوريا، لا يجوز أن ينحصر بحجم الصادرات، إلا أنه معيار لافت، خاصة إذا وضعناه إلى جانب خيبات أمل إيران الكثيرة على صعيد ترجمة اتفاقياتها العديدة مع حكومة الأسد، إلى حقائق على الأرض. من أمثلة ذلك، ميناء اللاذقية، الذي خسرته لصالح شركة فرنسية، أو مناجم الفوسفات التي خسرت الجزء الأكبر منها لصالح الروس، أو الغاز والنفط الذي خسرت معظمه أيضاً، لصالح الروس، ناهيك عن مصير المستثمر الثالث للخليوي بسوريا، الذي لا تزال الشكوك تحوم حول حقيقة الدور الإيراني فيه.

وقد كان الشارع الإيراني واعياً لتلك الحقيقة، التي تُرجمت في هتافات المتظاهرين في احتجاجات العام 2018، حينما أدانوا التدخل المُكلّف لبلادهم في سوريا، بموازاة التدهور المعيشي للإيرانيين. الأمر الذي انعكس أيضاً، في تصريحات مسؤولين إيرانيين، تحدثوا صراحةً عن فشل اقتصادي إيراني في سوريا، وعن مخاوف جدّية من خسارة كاملة للسوق السورية لصالح منافسين، من بينهم الروس والصينيون والأتراك.

أما لماذا فشلت إيران في ترجمة نفوذها العسكري والسياسي في سوريا إلى مكاسب اقتصادية؟ يمكن أن نجد تكثيفاً للأجوبة في مادة بحثية معمّقة، نشرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، للمختص بالشأن الإيراني، ضياء قدور، في آذار/مارس الفائت، حيث يشير إلى جملة أسباب، من بينها، فشل تجارة المقايضة التي تم الترويج لها بكثافة من جانب مسؤولي البلدين، بسبب حاجة الطرفين للقطع الأجنبي من جهة، وعدم تمتعهما بفائض من السلع التي يمكن مقايضتها، من جهة أخرى، ناهيك عن عدم جاذبية السوق السورية بالنسبة للقطاع الخاص الإيراني، جراء المخاطر السياسية والأمنية التي ما تزال قائمة في سوريا، بصورة جعلت تجاراً إيرانيين ينشطون في صفقات ربحية مؤقتة، وببضائع ذات جودة منخفضة أساءت لسمعة المنتجات الإيرانية في سوريا.

لكن قد تكون أبرز أسباب فشل مساعي تطوير التبادل التجاري بين البلدين، هي طرق النقل المُكلفة، والبضائع التركية المنافسة في السوق السورية. وعلى صعيد طرق النقل، تشير المادة المشار إليها، إلى أن الشركات الإيرانية تضطر إلى دفع ما يصل إلى نحو 4000 دولار بدلاً من 1500 دولار، لإيصال حاوية بضائع مصدّرة إلى سوريا. ويرتبط ذلك أساساً، بعدم تأمين الطريق البرّي بين إيران – العراق – سوريا، نظراً لنشاط خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”، في بعض مفاصله. يُضاف إلى كل ما سبق، تأثير العقوبات الأمريكية على الطرفين.

النظام الذي مهّد لرفع أسعار السكر والرز المدعوم، لن يستطيع أن يفي بوعوده التي أطلقها للإيرانيين مرتين في أقل من عام، في كانون الأول/ديسمبر 2020، وقبل أسابيع قليلة، حينما وعد نظراءه الإيرانيين باستيراد سلعٍ، أبرزها السكر والرز، من بلدهم. والسبب، ببساطة، أن إيران لا تملك فائضاً من هاتين السلعتين، بل وتعاني من معضلة في شراء ثلث حاجتها المحلية من الهند. وهنا، نرجع إلى تصريحات مسؤولي الطرفين، حول رفع أرقام التبادل التجاري –المائل لمصلحة إيران- إلى مليار دولار، كهدفٍ وُضع نهاية العام الفائت، فانتهى إلى خُمس هذا الرقم..هل هذه التصريحات للاستهلاك المحلي، الإيراني تحديداً، للقول بأن طهران تستعيد جانباً من خسائرها المادية في سوريا؟ قد يكون هذا أفضل تفسير متاح بين يدينا الآن، لحالة التناقض بين عجز إيران عن تصدير سلعة ما، وبين حديث مسؤوليها عن نيتهم القيام بذلك. من دون أن ننفي، السعي الإيراني الحثيث لتجنب خسارة أي جدوى اقتصادية ممكنة للتدخل في سوريا. وقد يكون أحد مقاييس النجاح في ذلك، أن يصل السكر الإيراني، إلى أكواب الشاي في سوريا. لكن ذلك يبقى وقفاً على أن يكتفي منه الإيرانيون، أولاً!

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا