حلب: العملات الأجنبية تُزيحُ الليرة السورية..وزير وخبراء يتحدثون عن التداعيات

بات اعتماد العملات الأجنبية، يطغى على المشهد التجاري في المناطق المعروفة بـ”درع الفرات”، بريف حلب الشمالي الشرقي، عبر تسعير المنتجات الأساسية بتلك العملات على حساب الليرة السورية، والتي تشهد تدهوراً قياسياً في الأزمة الاقتصادية التاريخية التي تعيشها سورية حالياً.

الخطوة بدأت بتسعير الذهب في الأشهر الماضية، ليتبعها تسعير الخبز من قبل المجالس المحلية التابعة لـ”الحكومة المؤقتة”، في محاولة للجوء لعملة أكثر استقراراً، والحفاظ على القيمة الشرائية، في المنطقة الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.

وتشهد الليرة السورية انخفاضاً تاريخياً، في سعر صرفها أمام الدولار، وبلغ سعر الصرف  1045 للشراء 1025 للمبيع بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بسعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، وسط محاولات غير مُجدية من حكومة الأسد، للتعامل مع الأزمة المالية غير المسبوقة.

الحفاظ على قيمة الانتاج

وكانت حددت المجالس المحلية بريف حلب (اعزاز ومارع وصوران وأخترين والراعي) عبر معرفاتها الرسمية، سعر ربطة الخبز بالليرة التركية بدلًا من الليرة السورية، وذلك في 19 يناير/ كانون الثاني الحالي.

و عتبر وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة” عبد الحكيم المصري، أن الخطوة جاءت للحفاظ على استقرار سعر الخبز في المنطقة، خاصة وأن الأفران تشتري الطحين والمحروقات بالعملات الأجنبية “الليرة التركية والدولار”.

ويضيف المصري في تصريحات لـ “السورية نت”، “هذه الخطوة جاءت بسبب تدهور الليرة السورية في مناطق النظام، وهذا يجعلها غير مستقرة، لأن من خصائص العملة هو الثبات، ونرى أن الليرة السورية فقدت خصائصها، وخطوة التعامل بالليرة التركية جاءت حتى لا يتم تبديل الاسعار بشكل متكرر”.

كما أن رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، الدكتور أسامة قاضي، يؤكد تلك الأسباب خلال تصريحات لـ “السورية نت”، بقوله إن تسعير الخبز بالليرة التركية في المنطقة هو “ردة فعل” على انخفاض الليرة السورية، واللجوء إلى عملة أكثر استقرارًا للتداول مثل الليرة التركية.

ويضيف قاضي أن “الحكومة السورية المؤقتة تجد اللجوء إلى عملة أكثر استقرارً، هو أفضل للمواطن في تلك المنطقة”، مشيراً إلى أن الحكومة شجعت في وقت سابق على قبول العملات السورية والتركية، وتسعير كل البضائع بما فيها الخضار والفواكه والخبز وغيرها بالليرة التركية والسورية، بحيث كل من يملك أي من تلك العملتين يقدر على الشراء.

انقاذ الاقتصاد المحلي

تهدف الإجراءات الأخيرة من قبل المجالس المحلية بريف حلب، إلى الحد من التعامل بالليرة السورية، وفتح الباب أمام العملات الأجنبية بشكل أوسع، من أجل الحفاظ على القيمة الشرائية لمدخرات السكان الشحيحة، وغير الموجدة أحياناً، والحفاظ بشكل أو بآخر على الاقتصاد المحلي، بعد التذبذبات الأخيرة التي سجلتها أسعار الصرف في الليرة السورية.

يقول الوزير السوري، إن الاقتصاد المحلي في مناطق المعارضة بريف حلب “سيحافظ على القيمة الشرائية للأجور والموظفين في المنطقة، وهذا يعود لاستقرار العملة التركية والدولار”، مضيفاً أن تلك الخطوة تعتمد غالباً في الدول التي تشهد خللاً اقتصادياً، مثل دولة لبنان وغيرها، و”لذلك يلجأ الاقتصاديون في تلك الدول إلى إجراءات مؤقتة لإنقاذ الاقتصاد المحلي”.

استبدال الليرة السورية بعملات أجنبية، ليس مشروعاً حديث الولادة في مناطق المعارضة، وإنما نشأت المبادرة في عام 2015، بدراسة من “الحكومة المؤقتة” لكنها لم تُطبق في ذلك الوقت، ليعود تنفيذ الخطة بشكل تدريجي كإجراء مؤقت بالتعامل  بالليرة التركية والدولار وبعض فئات الليرة السورية، للحفاظ على القيمة الشرائية في المنطقة، بحسب وزير الاقتصاد.

غير أن تذبذب قيمة الليرة السورية، وانعكاس ذلك على الأسعار في ريف حلب، سيقلل من القدرة الشرائية للمواطنين، ويزيد من الأعباء المعيشية، الأمر الذي دفع بالمعنيين لتحديد بعض الأسعار الأساسية بالليرة التركية، تفاداً لتلك التذبذبات والانعكاسات السلبية على الانتاج، وفق محللين.

خطوات سابقة باتجاه العملات الأجنبية

بدأت خطوات التسعير بالليرة التركية في بعض أرياف حلب، مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، بإقرار نقابة الصاغة بمدينة اعزاز، تسعير الذهب بالليرة التركية، وذلك على خلفية عدم استقرار العملة السورية، وارتفاع سعرها إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية.

إذ يعتمد سوق الذهب بريف حلب، على الذهب المصاغ في تركيا، عبر جمعه وإرساله من سورية، إلى ورشات في الجانب التركي من أجل صياغته، في خطوة للحفاظ على قيمته والحد من المخالفات والغش.

اللجوء إلى صياغة الذهب في تركيا، جاء لأسباب عديدة؛ أهمها الاستفادة من جودة الذهب ودقة العيارات والثقة بالختم، إضافة لانخفاض التكاليف على السوريين باعتبار أن تكلفة صياغة الذهب بين تركيا ومناطق النظام تختلف بشكل كبير.

إلى جانب ذلك، فإن موظفين في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية والتابعة لـ”المؤقتة” بريف حلب، يتقاضون رواتبهم بالدولار والليرة التركية، ما يشكل فارقاً واضحاً بتعاملات الليرة السورية، التي تتعرض لانهيار ملموس في مستوياتها الحالية، الأمر الذي يجبر المؤسسات والمجالس على تشريع التعامل بالعملات الأجنبية، بحسب وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، عبد الحكيم المصري.

ويقول المصري في حوارٍ مع “السورية نت”، “كان هناك خطوات لاستبدال الليرة السورية بالليرة التركية والدولار في ريف حلب، ولدينا عدد كبير من عشرات آلاف الموظفين يتقاضون رواتبهم بالدولار أو الليرة التركية، وهذا مؤشر إلى أن الخطوة المدروسة لا تقتصر على التعامل بالليرة التركية فقط وإنما من الممكن التعامل بالدولار”.

وسبق أن منعت المجالس المحلية بريف حلب في الأشهر الماضية، تداول فئة الـ 2000 ليرة من العملة السورية في الأسواق والتعامل التجارية، وحددت مهلة للتخلص منها أو استبدالها، وذلك بسبب مخاوف من عدم وجود رصيد لتلك العملة التي أصدرها البنك المركزي، التابع لحكومة النظام في العام الماضي، بالتزامن مع التدهور الاقتصادي والعقوبات الدولية المتزايدة عليه.

وبرر المجلس المحلي في مدينة اعزاز، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خطوة منع تداول تلك الفئة من العملات، بأنها حفاظاً على المصلحة العامة، ولعدم استقرار سعر صرف الليرة السورية، مشيراً إلى أن نظام الأسد، يضخ تلك الفئة من العملة “من دون رصيد” في الأسواق، بهدف استنزاف مخزون المنطقة من العملات الأجنبية، بحسب تعبيره.

كما أن قطاعات الكهرباء والانترنت، والعديد من الشركات الأساسية التابعة للمجالس المحلية في المنطقة، تتعامل بالدولار والليرة التركية، إضافة إلى تحصيل الضرائب والرسوم بتلك العملات، خاصة وأن المنطقة تستورد خدماتها الأساسية من الكهرباء والانترنت والخدمات الأخرى من شركات تركية خاصة.

تداعيات المرحلة المقبلة

تتمحور التداعيات المتوقعة من التداول الكبير للعملات الأجنبية، على حساب الليرة السورية، في مناطق “درع الفرات” بريف حلب، حول قدرة “الحكومة المؤقتة”، الاستغناء الكامل عن الليرة السورية في المنطقة، وتأثيرات تلك السياسة على اقتصاد نظام الأسد.

وتشير التحليلات، إلى أن فكرة استبدال العملة السورية بالعملة التركية أو الدولار بشكل كامل في المنطقة، هو أمر مبكر ومستبعد، ويحتاج وقتاً طويلاً لتحقيقه، ومتوقف على توفير شروط السلطة والتمكين والدعم الدولي لـ”الحكومة المؤقتة”، المسؤولة عن المنطقة بريفي حلب، بحسب رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، الدكتور أسامة قاضي.

ويوضح قاضي لـ”السورية نت”، “لو أرادات الحكومة المؤقتة أن تكون الليرة التركية هي الرائجة والمعتمدة في المنطقة، فعليها ضخ أضعاف المبالغ وبناء مشاريع، وفرص عمل، وفتح مصارف تركية في المنطقة، وضبط مسألة الصرافة، وهذا لا يتم إلا بتمكين كامل للحكومة المؤقتة حتى تستطيع التعامل مع الشارع وتفرض إرادتها على الصرافين”.

لكن المحلل الاقتصادي مناف قومان، يعتبر أن اعتماد الليرة التركية بشكل كامل في مناطق المعارضة بريفي حلب، مرتبط بالدخل والرواتب التي تمنح بالليرة التركية بشكل حصري للموظفين والعاملين في المنطقة.

أما التداعيات الأخرى، فتتمثل بتأثير التداول الواسع للعملات الأجنبية في المنطقة على اقتصاد النظام، والعملة السورية، وهو أمر مرتبط بمنع ضخ عملات نقدية سورية كبيرة في المنطقة من جهة، إضافة لعدم استفادة النظام من العملات الأجنبية في تلك المناطق من جهة أخرى.

يقول قاضي إن “النظام يعتمد على مناطق المعارضة بالقطع الأجنبي، وبالتالي لن يستطيع حينها ضخ عملاته الكبيرة في تلك المناطق”، مشيراً إلى أن الاقتصاد المحلي في مناطق المعارضة، سيحافظ على القيمة الشرائية للأجور والموظفين في المنطقة، وهذا يعود لاستقرار العملة التركية والدولار، بحسب تعبيره.

ويتوافق كلام الوزير، مع أسامة قاضي، برؤيته أن نظام الأسد، لن يستطيع ضخ عملاته الكبيرة في مناطق المعارضة، في ظل اعتماد العملات الأجنبية في التسعير والتداول التجاري، لكن ذلك سيترك تأثيراً طفيفاً على اقتصاد النظام والليرة السورية.

لكن المحلل الاقتصادي مناف قومان، يعتبر أن تلك الخطوات لن تؤثر على الليرة السورية لأن “المنطقة لا تحتوي على وزن اقتصادي كبير ممكن أن يؤثر على اقتصاد النظام من ناحية الانتاج الصناعي والزراعي والخدماتي أو المنتجات الهيدروكربونية”.

وضرب قومان خلال حديثه لـ”السورية.نت”، مثالاً على ذلك بقوله:”سلعة القمح التي يصنع منها الطحين ومن ثم الخبز، يتم استيرادها من الخارج، ويتم شرائها بالعملة الأجنبية، والليرة السورية فقدت قيمتها ولن يؤثر استبدال آلية التسعير عليها”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا