الليرة السورية تترنح على عتبة “نصيب”

سريعاً، استشعرت سوق العملة السورية، مخاطر إغلاق، أو تضييق، شريان حياة رئيسي لنظام الأسد، يمدّه بالعملة الصعبة، بعد أن قطع مسلحون مناوئون للنظام أوتستراد دمشق – عمان، المتجه إلى معبر نصيب – جابر الحدودي، بين سوريا والأردن.

قبل أسبوع، وصفت مجلة الإيكونوميست البريطانية، تجارة المخدرات، بأنها مصدر دخل رئيسي لـ “دولة الأسد”، ومصدر أساسي للعملة الصعبة، بالنسبة له. وأشارت إلى أن الطريق الجنوبي عبر الأردن إلى المملكة العربية السعودية، بات أكثر الطرق ازدحاماً، في خريطة تهريب المخدرات المنطلقة من سوريا. ومن هنا يمكن فهم سبب الهزة التي طرأت على سعر صرف الليرة السورية، خلال تعاملات يوم الخميس 29 تموز/يوليو الجاري، بعد استقرار نسبي دام أكثر من شهر.

إذ سجلت الليرة نسبة تراجع قدرها 1.5%، بقيمة 50 ليرة سورية مقابل الدولار، ليُغلق “دولار دمشق”، مساء الخميس، عند 3300 ليرة سورية لمبيع الدولار الواحد. وهذه أعلى نسبة تراجع لليرة السورية منذ 5 حزيران/يونيو الفائت. كما أن مبيع الليرة السورية مقابل الدولار، مساء الخميس، كان أدنى سعر إغلاق لها، منذ 12 نيسان/أبريل الفائت، أي منذ أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر.

وقد طرأت هذه الهزة على سعر صرف الليرة السورية، على وقع الأنباء عن قطع الطريق الدولي المؤدي إلى المعبر الحدودي الرسمي الوحيد مع الأردن. الأمر الذي أدى إلى توقف شبه كامل لحركة الركاب والبضائع عبر المعبر.

وبعيداً عما يُشاع عن أهمية التبادل التجاري بين سوريا والأردن، عبر معبر نصيب، تقدم الأرقام قراءة مختلفة تماماً. وإذا تجاهلنا مؤشرات العام 2020، التي تأثرت بالإجراءات المرتبطة بالوقاية من تفشي فيروس كورونا، تشير مؤشرات العام 2019، إلى أن إيرادات معبر نصيب، على الجانب السوري، لم تتجاوز 10 مليار ليرة سورية، بسعر صرف 500 ليرة سورية مقابل الدولار، نهاية ذلك العام، وفق رصد لموقع “عنب بلدي” السوري.

وإذا اعتمدنا هذه الأرقام، فهذا يعني أن الإيرادات السورية جراء التصدير عبر معبر نصيب، خلال العام 2019، لم تتجاوز 20 مليون دولار أمريكي. فيما بلغت صادرات سوريا من المخدرات، خلال العام 2020، 3.4 مليار دولار أمريكي، وفق تقرير مجلة “إيكونوميست” المشار إليه. جزء كبير من تلك الصادرات عَبَر الحدود السورية – الأردنية إلى السعودية، وفق المجلة نفسها.

ويبقى السؤال عن سر التوقيت في تطورات درعا، لغزاً مُحيّراً. إذ تفاقمت تلك التطورات مباشرةً بعد اتفاق أردني – سوري، على فتح معبر نصيب – جابر الحدودي، بشكل كامل اعتباراً من الأحد 1 آب/أغسطس. وجاء الاتفاق بعيد اتصال هاتفي لافت، بين وزيري داخلية الأردن، ونظام الأسد. وكان أبرز ما تضمنه الاتفاق، بالنسبة لتجارة الترانزيت السورية تحديداً، هو إنهاء ما يُعرف بنظام المبادلة، بمعنى أن الشاحنات والبرادات المُحمّلة بالبضائع السورية، ستدخل إلى الأردن، وتنقل بضائعها مباشرةً إلى دول الخليج، من دون أن تضطر لتنزيل تلك البضائع وتحميلها بسيارات أردنية، وفق ما كان يجري سابقاً.

وجاء هذا الاتفاق تتويجاً لاتصالات متواصلة بين نظام الأسد والأردن، خلال الشهرين الأخيرين، بهدف حل معضلات الترانزيت بين البلدين، والتي وصلت ذروتها في ما عُرف بأزمة برادات الشحن السورية، نهاية حزيران/يونيو الفائت، حيث علقت نحو 700 شاحنة سورية محمّلة بالخضار والفواكه، في معبر جابر الأردني، جراء تشدد السلطات الأردنية في تفتيش تلك الشاحنات، حيث كانت تعمد إلى تفريغ أكثر من نصف حمولة البراد، بحثاً عن المخدرات، وذلك رغم أن تلك الشاحنات كانت تعبر الأردن، ترانزيت، إلى الخليج.

وبطبيعة الحال، من الصعب معرفة التفاصيل غير المعلنة من الاتفاق الذي جرى عقده، هاتفياً، بين وزير داخلية الأردن، ونظيره في نظام الأسد. لكن قراءة أولية تفيد بأن هدف الأردن من الاتفاق، إغلاق منافذ التهريب عبر الحدود، والتي أرهقت السلطات الأردنية في الأشهر الأخيرة، إذ كانت الأجهزة المختصة تضبط بصورة شبه يومية، شحنة مخدرات مهرّبة آتية من سوريا. نشاط التهريب هذا والذي تكثّف عبر المنافذ غير الشرعية، قد يكون الدافع الرئيس لاتجاه السلطات الأردنية نحو تفاهم مع نظيرتها في نظام الأسد، بغية ضبط الحدود، وتقليل حركة التهريب، قدر المستطاع. وهو تحليل ذهب إليه مركز جسور للدراسات، والذي خلص في قراءته، إلى أن النظام السوري سيفشل في تنفيذ هذا الاتفاق، نظراً لكونه عاجزاً عن ضبط الميليشيات المحسوبة على إيران وحزب الله، في الجنوب السوري، والتي تُعتبر أبرز الناشطين في تهريب المخدرات إلى الأردن ودول الخليج.

وتعقيباً على هذه القراءة، مع الأخذ بالاعتبار، الجانب المعلن من الاتفاق الأردني – السوري، الذي نص على السماح بمرور الشاحنات السورية عبر معبر نصيب من دون تحميل البضائع في شاحنات أردنية بديلة، يبدو أن السلطات الأردنية كانت تريد حصر عمليات التهريب، بكل أشكالها، بما فيها المخدرات، لتكون عبر المعبر، بوصفها الوسيلة الأمثل للحد من نشاط التهريب، وعشوائيته التي تفاقمت عبر نقاط مختلفة غير شرعية، من الحدود. وبذلك يكون الأردن قد ألقى بكاهل الكشف عن شحن المخدرات المخبأة في الشاحنات السورية، لتكون في معظمها على كاهل السلطات السعودية، بصورة خاصة. لكن ذلك يبقى وقفاً على مدى قدرة النظام على تنفيذ جانبه من الاتفاق، وضبط الحدود. وهو أمر، يبدو مستبعداً، نظراً للمؤشرات التي تؤكد فلتان الحدود مع الجانب اللبناني، وخضوعها لصالح الميليشيات المقرّبة من إيران وحزب الله، والناشطة في مجال تهريب المخدرات أيضاً. فما ينطبق على الحدود اللبنانية – السورية، ينسحب بدوره على الحدود السورية – الأردنية.

الحيثية الأخيرة، تحيلنا إلى تفسير يتعلق باندفاع الميليشيات والفصائل المقربة من إيران، لإحكام السيطرة على درعا، بما في ذلك، الفرقة الرابعة التي يقودها، ماهر الأسد، والتي تشكل رأس حربة إيراني، داخل تشكيلات “الجيش السوري”. فمن يسيطر على جنوب سوريا، يمتلك مفاتيح تجارة تدر ملايين الدولارات، إن لم نقل، المليارات.

هذه التجارة المُغرية، تتعرض الآن لتداعيات مكاسرة بين الفرقاء المتصارعين في جنوب سوريا. فالإيراني وحلفاؤه داخل النظام، يريدون بوابة سوريا الجنوبية، لهم. فيما يصارع أهالي المنطقة، بمن فيهم، أولئك المتحالفون مع الروس، لتغيير هذه المعادلة. وفي هذه الأثناء، من المرجح أن تتعرض تجارة المخدرات عبر الجنوب السوري لنكسة، لا نعرف إلى متى ستستمر، فذلك يبقى وقفاً على تطورات الميدان. لكنها نكسة سرعان ما استشعرتها سوق العملة السورية، التي كانت مؤشراتها دوماً أصدق مقياس لمدى خطورة موقفٍ ما. فمجرد ظهور احتمال إغلاق صنبور العملة الصعبة القادم من أحد المنافذ، كان كفيلاً باضطراب تلك السوق، وبترنح سعر صرف الليرة السورية.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا