المؤسسات العاملة في شمال غربي سورية وتحديات مابعد الزلزال

لا شك أن ما أصاب الشمال السوري، نتيجة الزلزال المدمر، شكّل إرهاصات في العديد من المجالات، وزاد من مسؤولية المنظمات والهيئات الإنسانية العاملة، والتي وجدت نفسها أمام تحد كبير للإستجابة بنوعيها المباشرة وطويلة الأمد، أي مابعد الكارثة والإستفاقة من الصدمة.
هذه التخديات فاقمت الإمكانيات بشكل هائل، ويفوق المعايير التي يمكن لهذه المنظمات الإستجابة لها بوضعها الحالي، بما تملكه من موارد بشرية ولوجستية وغيرها.
فقد أسفر الزلزال المدمر عن عدد مروع من الضحايا، وضرر كبير في البنى التحتية. فإحصائيات الوفيات تقارب 6000 في شمال غربي سورية، وما خلف هذا العدد من فقد للمعيل للعائلات وارتفاع حالات اليتم التي كانت ضخمة أساساً، وكذلك ارتفاع أعداد المصابين إلى مايقارب 9000 أغلبهم بحالات حرجة تعرضت للبتر أو الإعاقة ومايتبع ذلك من إنتشار حالات الفقر والعوز والبطالة.
بالإضافة لذلك هو عدد النازحين الموثقين ضمن مراكز الإيواء، والذي تجاوز 55 ألف شخص، وهذا العدد هو من أصل 189000 نازح، تشكل شريحة النساء والأطفال 65%منهم.
بالإضافة لأعداد العائدين إلى الشمال السوري من تركيا، والذي وصل لأكثر من 50 ألفاً، مما زاد حجم الحاجة للكثير من الأولويات الإنسانية على وجه السرعة.
ولعل أبرز الأولويات التي رصدناها في “المنتدى السوري” عبر مؤسساته العاملة بمختلف القطاعات ( الإيواء، الحماية، دعم القطاع الصحي، المياه والإصحاح وغيرها) منذ اللحظات الأولى للإستجابة العاجلة عبر مجموعات التنسيق والتنفيذ التي شُكلت مباشرة وكذلك عبر خططه طويلة الأمد المخطط لها في نهج الإستجابة المستقبلية مايلي:

1. الحاجة الماسة لدعم مراكز الإيواء المقامة وإحداث مراكز إيواء جديدة ضمن الإستجابة العاجلة، ودعم هذه المراكز بما يلزم من مستلزمات الإقامة التي تليق بالكرامة الإنسانية والإطعام والدفء مراعين الخصوصية والحالة النفسية للمقيمين.
فهذه الحاجة برزت بعدما وصلت أعداد المنازل المدمرة إلى 1298 منزل و11276 منزل متصدع بشكل جزئي.

وبناء عليه يجب وضع الخطط والإمكانات وإقامة حملات التبرع لدعم قطاع الإيواء بإنشاء شقق سكنية مبنية برعاية هندسية تتماشى مع أعداد النازحين والفاقدين لبيوتهم وتتماشى أيضاً مع الدروس المستفادة من الكارثة.
ونحن في “المنتدى السوري” عبر مؤسساته ومهندسيه العاملين بهذا القسم، سارعنا لإنشاء العديد من مراكز الإيواء الممتدة على مساحات الشمال السوري وكذلك عمدنا منذ الساعات الأولى لتأهيل مراكز الحماية التي تعمل ضمن برامجنا، لنقل المتضررين وتأمين مكان إقامة لائقة.

نحن نأخذ هذا الإحتياج بالحسبان، وعازمون على تعزيز جهودنا التي بدأنها قبل الكارثة، إذ على مدار ستوات كان لنا دور كبير بقطاع الإسكان، وكذلك من خلال دعم وإدارة المخيمات بالعديد من قطاعات البنى التحتية من شق للطرقات وتأمين المياه ومستلزمات الصرف الصحي والإنارة وتعبيد الطرقات وغير ذلك.
2. الحاجة للدعم الغذائي وفق برامج الإغاثة المباشرة، وهذا الدعم يجب أن يراعي الحاجات الجديدة للمتضررين، خصوصاً الأطفال والنساء وتطوير محتويات الدعم السابق ومضاعفته لما يتلاءم مع الحاجة الحالية.
فنحن إذ نتخدث عن العدد الضخم للمتضريين المحتاجين لإستمرار المساعدات الغذائية ( سلل ناشفة وسلل طوارئ ووجبات اطعام يومية )، فإن الرقم يتجاوز مليون نسمة شاملاً المجتمعات المضيفة والنازحين والمتضررين.
وقد لمست فرقنا تناقصاً كبيراً بحجم الإستجابة الغذائية، مما يجعلنا ندق ناقوس الخطر أمام هذا التحدي الحيوي.
3. تم رصد أضرار 323 منشأة تعليمية في الشمال السوري، ورافق ذلك توقف العملية التعليمة وعدم القدرة على الإستمرار بما هو مقرر.
يشكل هذا التحد محوراً هاماً بالإستجابة الممنهجة، وضرورة العمل على احداث مراكز تعليم تعويضية بالسرعة القصوى، ودعم إعمار المنشآت التعليمية وإحداث الصفوف وإحصاء حالات التسرب ومتابعتها وتنشيط عمليات الدعم النفسي والحماية المرافقة لذلك.
ودعم العملية التعليمية الذي هو أخد أهم أولويات “المنتدى السوري”، يشكل تحدياً كبيراً أمام الإمكانيات المتوفرة حالياً، فنحن نؤمن ببناء الإنسان القادر على بناء سورية المستقبل في أحلك الظروف، و”المنتدى السوري” عازم على إحداث العديد من المدارس والصفوف التعويضية وكذلك منصات التعليم عن بعد بشكل مدروس يتماشى مع الإمكانيات والإحصاءات، ولعل هذه الأولوية تحتاج للمزيد من الدعم والشراكات مستندين لخبرة الكوادر في المجال التعليمي عن احصاءات التسرب والأمية والأساليب والمناهج المناسبة التي يجب أن تتوفر لدعم ذلك.
4. قطاع المياه والاصحاح: برزت الحاجة المستمرة لتزويد الأفراد والتجمعات السكنية ومراكز الإيواء بمياه الشرب، وكذلك إلى عمليات ترحيل القمامة ومياه الصرف الصحي، وكذلك العمل على تمديد شبكات مياه عاجلة لهذه المراكز ومايرافق ذلك من توعية للنظافة الشخصية والعدوى وغيرها.

5. القطاع الطبي : تقديم الدعم العاجل بالمستهلكات الطبية واللوازم الجراحية والتعقييم ومستلزمات غسيل الكلى والاسرة والوقود اللازم لعمليات الإنعاش والإنارة لهذه المشافي وكذلك دعم القسم الدوائي الخيري بهذه المشافي التي أصبحت تعاني من نقص حاد وكبير في هذا المجال.
6. برامج الدعم النقدي والإعانة: برزت الحاجة لتقديم معونات نقدية للنازحين الجدد وكذلك مستلزمات التدفئة والألبسة الشتوية والأحذية خصوصاً للاطفال والنساء، ويحتاج هذا المجال إلى العديد من حملات التبرع والتظافر بين المنظمات لسد هذه الثغرة.

ساهم هذا البرنامج عبر السنوات الماضية في برامجنا بمساعدة الكثير من المحتاجين والنازحين والمهجرين والمهنيين المتضررين وجعلهم يعودون لصفوف الإنتاج والحياة الكريمة.
7. برامج الحماية والدعم النفسي، حيث رصدت فرقنا العاملة في مجال الحماية العديد من حالات الفقد والوحدة والإكتئاب والعصبية والإنهيار النفسي ناهيك عن حالات الوسواس والإضطراب النفسي المترافق مع استمرار الهزات الإرتدادية، وكذاك حالات الإنطواء التي تصاعدت كثيراً بعد الزلزال مما يستلزم مضاعفة جهود برامج الحماية المبنية على أسس أكاديمية مدروسة وممنهجة وكذلك القيام بما يلزم للدعم النفسي عبر العديد من الأساليب التي تتناسب وحجم الكارثة.
تشكل هذه الأولوية تحد جديد بحاجة لاستجابة مدروسة وفق هيكلية منظمة، وقد كان لفرقنا في “المنتدى السوري” أيضاً، باع طويل بانشاء مراكز الحماية والدعم النفسي وتمكين المرأة على مساحة منطقة الشمال السوري، وهذه المراكز مؤهلة ومبرمجة بشكل جيد لدعم مثل هذه الحالات ويوجد في خططنا مستقبلاً دراسة لزيادتها وإقامة مراكز أخرى تتناسب مع الحالات الجديدة.

وهذا يضعنا امام تحد آخر هو ضعف الإمكانيات والحاجة الماسة للتوريد في هذا القطاع.
8. برامج التأهيل البشري: برزت الحاجة الماسة لتدريب العاملين في المجال الإنساني، كونهم شكلوا اللبنة الأساسية في الإستجابة على العديد من المجالات التي تتعلق بالإخلاء والطوارئ والإسعاف الطبي، والإسعاف النفسي الاولي، وآليات تنظيم الاستجابة والتنسيق، وغيرها من التدريبات الضرورية لهذه الكوادر.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا