النظام السوري يُغرق لبنان بالمخدرات

حسناً فعلت القوى الأمنية في تحرير الطفل المخطوف من منطقة جبيل خلال يوم واحد فحسب. ذاك أن عمليات الخطف كفيلة في حال نجاحها، للتهيئة لفلتان أمني أوسع نطاقاً، يترافق مع فقدان الثقة في قدرة الدولة على ضبط الوضع. لكن اللافت أيضاً في بيان للجيش عن اعتقال أحد المتورطين في عملية الخطف، ورود كلام عن ضبط آلات لصنع المخدرات كانت في حوزتهم، بما يشي بأن الأصل في الجريمة اليوم بات واحداً (عصابات المخدرات ومصدرها الأساسي النظام السوري ومناطق سيطرته)، وبقية الحوادث تقع غالباً على هوامشه.

في رواية البيان، دهمت القوة العسكرية “منازل المتورطين في خطف الطفل (ر. ك) في حي الشراونة – بعلبك” حيث تبادلت إطلاق النار معهم، وأوقفت “السوري (م.أ)”، وضبطت “ماكينات لتصنيع المخدرات بالإضافة إلى أسلحة حربية وذخائر عائدة لها، وكمية كبيرة من حشيشة الكيف وأنواعاً مختلفةً من المخدرات بالإضافة إلى سيارة نوع جيب وكاميرات مراقبة وهواتف خلوية وخزنة أموال”.

اللافت هنا أن عملية الخطف لم تكن أصل الجريمة، بل عارضاً لعالم المخدرات التي تنتشر بشكل واسع في كل المناطق، ترويجاً وتعاطياً، وبالتعاون مع الجناح السوري. ذاك أن الاشتباكات وعمليات القتل والخطف والسرقات الكبرى غالباً تقع على هامش تجارة المخدرات، ومتفرعة عن العمل فيها، وهي من ظواهر الاعتماد المتزايد على هذا القطاع للعيش واستقدام العملات الصعبة في بلد بات الاعتماد فيه على الرواتب بالعملة المحلية للاستمرار، مهمة خارقة.

والحقيقة أن عالم المخدرات في لبنان أيضاً على ارتباط بما يحصل في الجانب السوري حيث تطورت صناعتها وتجارتها بشكل واسع على مدى سنوات الحرب، وتحديداً الشق الأخير منها. هذا المجال متداخل بشكل كبير مع السلطة في السورية، برموزها وأجهزة الأمن فيها. وبما أن هذا المجال أكثر تطوراً وأقدم (الكبتاغون تحديداً وليس الحشيش) في سوريا، ومتشابك مع النظام فيها، بالإمكان طرح أسئلة عن نوعية العلاقة بين عصابات المخدرات على جانبي الحدود، وتحديداً مدى سيطرة الشبكة السورية على اللبنانية، سيما أن الأولى تملك نفوذاً سياسياً واسعاً من رأس هرم النظام نزولاً (الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد متورطة وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز).

وما يحصل على الحدود الأردنية من اشتباكات مع عصابات المخدرات، يدفع للتساؤل عن عدم حدوث مثلها على الجانب اللبناني، بما يشي بسلاسة في الانتقال بين لبنان وسوريا، وربما يُؤشر كذلك الى مدى تغلغل هذه المادة على الأراضي اللبنانية. الشهر الماضي وحده، شهدت الحدود الأردنية حادثي اشتباكات، راح ضحية الأولى منها (يوم 16) ضابط أردني من حرس الحدود وثلاثة جرحى، في حين قُتل في الثانية 27 مهرباً حاولوا التسلل تحت غطاء كثيف من الثلوج. وسبب هذه المخاطرة أن الإنتاج السوري من المخدرات تضاعف مرات نتيجة حاجة النظام للعملات الصعبة، وبات صرفه ضرورياً من خلال التهريب للخارج عبر لبنان واليه أيضاً.

لبنان ضحية لهذه الجريمة، ليس لجهة استخدامه معبراً للتهريب فحسب، بل أيضاً لناحية الاستهلاك. رغم غياب أي إحصاء رسمي، يُظهر التدقيق في بيانات الداخلية والجيش أن الترويج للمخدرات على المستوى المحلي (في البلدات والقرى) يتصاعد (اعتقالات عدة هذا الأسبوع بينها لمروجين في شكا). غياب التعليم الرسمي وارتفاع منسوب الأزمات العائلية على وقع الوضع المعيشي، كلها عوامل تتقاطع مع انتشار الحبوب المخدرة في مناطق عديدة. هذه مشكلة تتفشى في ضواحي المدن وفي المخيمات والبلدات، والاستثناءات قليلة.

بالكاد تمر بضعة أيام دون اعتقالات على ارتباط بالمخدرات، إما تصنيعاً أو ترويجاً. وهذه الاعتقالات في ظل وهن القوى الأمنية وعدم قدراتها اللوجستية، تدل ليس على بطولة بقدر كونها مؤشراً الى انتشار واسع لهذه الآفة وعصاباتها وشبكاتها الترويجية. ولهذا السبب تحديداً ستتكاثر الجرائم، خطفاً وقتلاً وسرقة، ليس لأنها حالات فردية في ظل وضع اقتصادي مريع، بل غالباً لأن النظام السوري وعصاباته يُغرقون لبنان تدريجياً بالمخدرات، بتواطؤ محلي وصمت رسمي.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا