بايدن في الشرق الأوسط.. استراتيجية جديدة أم لعبٌ بأوراق قديمة؟

يزور الرئيس الأمريكي جو بايدن منطقة الشرق الأوسط، وتشمل زيارته إسرائيل والسلطة الفلسطينية ثم السعودية. حيث أعلن عبر مقال له نشرته “واشنطن بوست” إنه سيسافر “إلى الشرق الأوسط الأسبوع القادم، لبدء فصل جديد وواعدٍ للدور الأمريكي في المنطقة”.

مؤكداً أن “اجتماع قادة المنطقة في مدينة جدّة السعودية سيكون مؤشراً لإمكانية وجود شرق أوسط أكثر استقراراً”.

دوافع زيارة بايدن للمنطقة ظاهرها حشد التأييد للموقف الأمريكي والغربي الرافض للعدوان الروسي على أوكرانيا، هذا الموقف، يمكن التعبير عنه بسلسلة عقوبات على روسيا، ووقف التعامل الاقتصادي معها، وفي مقدمة ذلك، الامتناع عن استجرار غازها عبر ستريم1 وستريم2 إلى بلدان أوربا الغربية، لذلك، تبدو زيارة بايدن على هذه الصورة، وكأنها محاولة استعادة نفوذ أمريكي متآكل، نتيجة سياسات الولايات المتحدة المريبة مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم مصر والسعودية.

أما دوافع الزيارة وحضور قمة جدة في 15 و16 تموز / يوليو فهناك أبعاد غير معلنة لهذه الزيارة، تتعلق على ما يبدو بمسائل ذات طابع استراتيجي أمريكي وغربي، تشمل تكييف وإدارة الصراع الاقتصادي مع الصين الزاحفة نحو بقاع العالم عبر سلعها الرخيصة، ذات الكلف المتدنية، وتشمل منع نشوء تحالفات دولية كبرى تواجه الحلف الغربي على الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

في الحالة الظاهرية لزيارة بايدن لمنطقة الشرق الأوسط، يمكن أن نقول، أنها ستخضع لتقديم تنازلات متبادلة بين السعودية وحلفها الخليجي من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، التي جنحت سياساتها في عهد أوباما نحو أفضلية علاقات مع إيران، على حساب تقليص تعاون تاريخي واستراتيجي مع دول الخليج، مما وضع هذه الدول في مرمى نار التدخلات الإيرانية بشؤونها الداخلية، من منطلق الدفاع عن المكونات الشيعية الوطنية في هذه البلدان، بحجة واهية أنها تتعرض للتهميش، في وقت تريد إيران تحويلها إلى أذرع لسياستها التوسعية بغرض الهيمنة على دول الجوار العربية لإقامة امبراطوريتها الفارسية الجديدة.

التنازلات الأمريكية التي ينوي بايدن تقديمها، تتعلق باستعادة ثقة الطرفين ببعضهما، وتقديم ضمانات أمريكية ملموسة وغير قابلة للتذويب، تتعلق بالمساعدة على وقف الحرب في اليمن، والاقلاع عن سياسة الاتهامات ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتقديم ضمانات دفاعية حقيقية ضد السياسة الإيرانية العدوانية نحو بلدان الخليج.

التنازلات التي يريدها بايدن تتعلق بمسألتين، الأولى زيادة ضخ النفط والغاز بمستويات تمنع حصول مشاكل في خطط وبرامج التنمية، في البلدان التي كانت تستورد الغاز والنفط الروسي، والتي ستمتنع عن استيراده، بعد عدوان بوتين على أوكرانيا. هذا الضخ، لا يمكن أن يتم خليجياً بدون تقديم مقابل ملموس له، وليس مجرد وعود، وهذا يفترض تبادل منافع ملموسة وتثبيت سياسات استراتيجية، بغض النظر عن التدخل الأمريكي بملفات داخلية في هذه البلدان، مثل مسائل حقوق الانسان عموماً.

بايدن يأتي إلى الشرق الأوسط لإيجاد كوة ضيقة يتسرب منها نور أمل بإمكانية تلمس حل، أو طريق حلٍ لقيام دولتين في فلسطين، واحدة إسرائيلية والثانية فلسطينية، لا تزال إسرائيل تمتنع عن قبول قيامها.

ويأتي بايدن إلى الشرق الأوسط لعله يستطيع بناء تحالف عسكري وسياسي جديد تحت مسمى “ناتو شرق أوسطي” في وقت لا توجد حوامل حقيقية لهذا المشروع لدى شعوب المنطقة، بينما يجد هوى لدى بعض حكامها ممن يخافون على عروشهم من البطش الإيراني أو ثورات شعوبهم. بايدن تلقى رداً مصرياً مسبقاً من وزير خارجية مصر سامح شكري، والذي صرّح من البحرين إثر زيارة قام بها في الأول من تموز / يوليو الجاري: “إن انشاء تحالف وتنظيم عسكري جديد يتطلب مشاورات مكثفة، وهذه المسألة ليست قيد البحث في الوقت الراهن، وأن مصر تسعى لتفعيل الآليات الأمنية العربية المشتركة”.

إن بايدن سيواجه في زيارته للمنطقة أموراً تحتاج إلى مواقف أمريكية ثابتة وصريحة وشفافة، في مقدمة هذه الأمور، الاعتراف بدور ولي عهد السعودية في إدارة ملفات التعاون الاقتصادي والدفاعي والسياسي، فليس بايدن بقادر على فرض أي سياسات غير مرغوب بها سعودياً، لقد لمس ذلك من خلال إصرار ولي العهد السعودي على استبدال النفوذ الأمريكي بآخر صيني ولو بنسبة اقل من خمسين بالمئة.

لقد دعا بن سلمان الرئيس الصيني لزيارة الرياض وتوقيع اتفاقيات اقتصادية وغير اقتصادية، قائلاً بصوت واصح أن السعودية مستعدة لبيع الصين جزءً من النفط الذي تورده السعودية لها بالعملة الصينية المحلية.

بايدن صار على قناعة أن الخليجيين لم يعودوا رهن تقلبات سياسات واشنطن المريبة، والتي لا تحسب حساب حلفائها، لذلك سيجد أمامه دوراً شاقاً في اقناع الخليجيين والشرق أوسطيين العرب في الموافقة على سياساته، بغير تنازلات أمريكية جادة وملموسة، وتحديداً بما يتعلق بطريقة أمريكا في إدارة التفاوض على الملف النووي الإيراني، والتي يريد العرب ضمانات ألا يحل هذا الملف على حساب وجودهم وأمنهم في بلدانهم.

وفق ما تقدم، يمكننا القول إن ناتو شرق أوسطي لا يزال تشكيله أمراً يتعلق بتطورات سياسية واقتصادية لم تنضج بعد عربياً، وأن بايدن مدعو لتصحيح عميق لسياسة بلاده حيال قضايا الشرق الأوسط والتي صارت متعددة وبحاجة لدور أمريكي فاعل وجدي إيجابي.

هذه القضايا تتعلق بحل القضية الفلسطينية على أساس قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وحل القضية السورية عبر دعم تنفيذ القرار الدولي 2254، ووقف التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، وتحديداً وقف حرب اليمن التي تؤجج نيرانها إيران خدمة لمشروعها في الهيمنة على الدول العربية.

هل ستنجح زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط؟ سؤال ستجيب عنه جدية السياسة الأمريكية حيال هذه المنطقة، فيما إذا كانت سياسة جديدة تلحظ مصالح حلفائها العرب، أم أنها لا تزال سياسة الأوراق القديمة، التي اهترأت لكثرة تقليب الحكومات الأمريكية المتعاقبة على تقليبها.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا