“تأخر نطق الأطفال” يؤرق أمهات سوريات في تركيا.. ماذا يقول المختصون؟

تشكو أمهات سوريات مقيمات في تركيا من مشكلة “تأخر نطق” أطفالهن، وعما إذا كان ذلك مرتبطاً بالبيئة الاجتماعية المحيطة بهم، كونهم يعيشون في بلد أجنبي، أو بأسباب أخرى، قد تكون مرضية أو نفسية.

وتقول “أم جود”، التي بدأت قبل عام معالجة ابنها البالغ من العمر 4 سنوات ونصف إنها طرقت أبواب الكثير من المراكز الصحية المختصة في هذا المجال.

وتضيف: “ولأنه لا توجد مشكلة صحية مانعة، أجمع كلام الخبراء والمختصين على أن استخدام ابني الزائد للأجهزة الإلكترونية هو السبب الرئيسي”.

وتوضح المرأة السورية المقيمة في إسطنبول في حديث لموقع “السورية نت” أن حالة ابنها “ليست استثناءً”، فهي تنطبق على الكثيرين أيضاً.

وتشير إلى أن القائمين على إحدى المكتبات المختصة بالأطفال العرب بإسطنبول أخبروها أنه لا يكاد يمر يوم عليهم، إلا وتردهم حالات لأمهات “يسألن عن منتجات تعليمية للأطفال متأخري النطق”.

من جهتها ترى “حياة”، وهي سيدة سورية تعيش في مدينة غازي عنتاب أن مشكلة تأخر نطق الأطفال “باتت تؤرق الكثير من العائلات السورية”، وأنها قصدت العديد من المراكز والمختصين، ومايزال علاج ابنها (4 سنوات) في بدايته.

وتوضح السيدة السورية أنه تعتقد بأن ما حصل لابنها، كان جزءاً من “ثمن اللجوء والعيش في بلد أجنبي”.

وتضيف لـ”السورية نت” أن فكرتها نابعة من وحدة طفلها وابتعاده عن أقرانه، والذين يمكن أن يكتسب الكلام من خلالهم، ناهيك عن أزمة كورونا، وبقاء الطفل داخل المنزل في عزلة تامة”، خلال العامين الماضيين.

ماذا يقول المختصون؟

ويشرح الدكتور طارق المصري المختص بالنطق بأن للتأخر اللغوي أسباب كثيرة، أولها طبية، مثل حصول مشكلة للطفل كنقص الأكسجة أثناء الحمل أو أثناء الولادة، وكذلك بعد الولادة كإصابته باليرقان (أبو صفار) أو حصول أذية دماغية، جراء حادثة أو رضة. وكل ما سبق يؤدي للتأخر اللغوي.

ويوضح الطبيب لـ”السورية.نت” أن هذه الحالات الطبية زادت أثناء الحرب في سورية، بسبب عدم توفر العناية الطبية الكاملة، وكذلك داخل تركيا بسبب عائق اللغة الذي يقف عائقاً أحياناً في فهم الحالة الصحية للمرأة الحامل.

ووفق المصري هناك عامل آخر يرتبط بالوراثة التي تلعب دوراً كبيراً، بسبب وجود عائلات يتأخر أطفالها عادة بالنطق، ولا توجد لديهم مشاكل عضوية.

وبالنسبة للعامل البيئي للعائلات السورية في تركيا، أيد الدكتور المصري دور ذلك في تزايد حالات تأخر النطق، “لأن الأطفال يمكثون فترات طويلة داخل المنزل، أمام شاشات الجوال أو التلفزيون”.

وذلك يأتي في وقت لا يتوفر لديهم تفاعل مع أقارب أو أقران، فضلاً عن كون أغلب العائلات في تركيا صغيرة العدد أو ما يطلق عليها الـ”الأسرة الأحادية”.

“نصائح للعلاج”

في غضون ذلك قال أخصائي النطق في “مركز إرادتي”، الدكتور محمد بظ إن عدداً لا بأس به من الحالات ترد إلى مركزه الواقع في حي إسنيورت بمدينة إسطنبول، وتتعلق بتأخر النطق لدى الأطفال العرب.

وحول الأسباب، يرى الطبيب في حديث لـ”السورية.نت” بأن أهمها البيئة اللغوية المحيطة بالطفل، وقلة تواصل الأهل معه.

إضافة إلى أسباب عضوية، من بينها نقص السمع، والشفة الأرنبية، والشلل الدماغي، ومنها ما ترتبط أسبابها باضطرابات نمائية كاضطراب طيف التوحد، والتأخر الذهني، مثل متلازمة داون.

ويضيف الطبيب السوري أن ترك الطفل لساعات طويلة وهو يلعب بالهاتف، أو يشاهد التلفاز من الأسباب الرئيسة.

وتتضاعف أضرار هذه الأجهزة في المراحل العمرية الأولى، لأنها تؤدي إلى قلة التواصل اللغوي الفعل، وبالتالي عدم تطوير حصيلته اللغوية، وإدراكه العام للبيئة المحيطة، ما يؤثر بشكل كبير على تطور لغة الاستقبال والتعبير، ويتسبب في ضعف التركيز والانتباه.

وفيما يتعلق بدور اللجوء بشكل عام، وضعف تواجد البيئة الاجتماعية، أو التواصل معها بشكل مباشر، أوضح الطبيب أنها تؤثر على تطور الطفل الاجتماعي.
أما بالنسبة لتطوره اللغوي، فيؤكد بأنه لو تمت متابعته بشكل دائم والتحدث معه منذ مراحل عمره الأولى، إضافة إلى بعض الإجراءات الأخرى، فإنه يمكن تعويض الواقع الذي يعيشه الطفل العربي بعيداً عن بيئته الاجتماعية.

وقدم الطبيب محمد بظ خلال حديثه عدداً من النصائح لتلافي الوقوع بمشكلة تأخر النطق.

ومنها توجه العائلة لتسمية الأشياء أمام طفلها، والتحدث معه عن الأنشطة اليومية (نحن الآن نفعل كذا)، وإبعاده أقصى ما يمكن عن استعمال الهاتف لفترات طويلة. وهذا الكلام يتعلق بالأطفال السليمين عضوياً ونمائياً وذهنياً.

وشدد الطبيب المختص على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية اللازمة للطفل منذ ولادته، للتأكد من سلامته من أي مشكلة عضوية، و”في حال تأكد وجود أي مشكلة عضوية أو نمائية، يجب مراجعة أخصائي النطق، لكي تبدأ عملية التأهيل في أبكر وقت ممكن، لتجنب التأخر اللغوي”.

كما ذكّر بضرورة تحدث الأم بشكل دائم عن نشاطها اليومي، وتسمية الأشياء له، وتشجيعه وتحفيزه على التحدث، وطلب الأشياء بمسمياتها عندما يصل إلى المرحلة المناسبة للكلام (بعد عمر السنة).

وكان “مركز إرادتي” بدأ نشاطه في تركيا في عام 2017، بهدف خدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

ويقدم مجاناً خدمات التربية الخاصة والعلاج الفيزيائي، وعلاج تأخر النطق عند الأطفال العرب.

“حل.. لأساس المشكلة”

من زاوية أخرى وبالنسبة لمشكلة ارتباط الأطفال بالأجهزة الإلكترونية، ترى استشارية العلاقات الأسرة والمختصة في تربية الأطفال، علياء معبد أنه يجب تدريب الأطفال منذ الصغر على القيام بنشاطات واقعية لقضاء وقت الفراغ مثل الرسم، واللعب.

وتشير إلى أن الأسرة هي التي تتحكم في سلوك الطفل، وتملك القدرة على جعله لا يرتبط بالأجهزة الإلكترونية بشكل دائم.

وتطرقت معبد في مادة صحفية إلى وجوب تحديد وقت معين للأطفال يمكنهم من خلاله مشاهدة التلفزيون أو استخدام الأجهزة الإلكترونية.

وتضيف أنه يمكن تدريب الأطفال على عدم اصطحاب الموبايل أو الأجهزة الأخرى داخل الغرفة التي تجلس فيها الأسرة بشكل مستمر، لكن في الوقت نفسه يجب التزام الوالدين بذلك، كي يكونا قدوة لأبنائهما.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا