تزايد حالات “الانتحار” بإدلب..مبادرات توعوية ومختصون يشرحون الأسباب والتوصيات

"كلمات قليلة تصنع الفرق"

دق عاملون في الشأن الإغاثي-الإنساني، ومختصون اجتماعيون، ناقوس الخطر في شمال غرب سورية،  بعد تسجيل حالات متكررة أقدم فيها أشخاصٌ على قتل أنفسهم بطرق عدة، وبعد ارتفاع وتيرة هذه الظاهرة خلال العامين الماضيين، تزامناً مع هبوط إضافي في مؤشرات الإقتصاد وزيادة الأزمات المعيشية “غير مسبوقة”، التي فاقمت معاناة الملايين من السوريين في المنطقة، مع استمرار عمليات النظام العسكرية وتفشي جائحة “كورونا”.

ورغم أن الأرقام لا تشير إلى أن الانتحار أصبح ظاهرة متفشية في مجتمعات إدلب وريف حلب، في شمال غرب سورية، إلا أنها تنذر بمخاطر تدفع لضرورة التعامل معها ومواجهتها بالتوعية وتقديم الخدمات النفسية للمحتاجين.

إحصائيات دفعت للتحرك

وثق فريق “منسقو استجابة سوريا” 11 حالة انتحار في شمال غربي سورية، في الفترة الممتدة بين يناير/ كانون الأول، ويوليو/ تموز 2021.

و تشير أرقام صادرة عن منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية، إلى أن أكثر من 246 حالة انتحار حدثت في شمال غربي سورية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020، إلى جانب 1748 محاولة انتحار في الفترة ذاتها، موضحة أن واحدة من كل خمس محاولات انتحار ووفيات تعود لأطفال.

وفي وقت يصعب فيه توثيق جميع حالات الانتحار في المنطقة، بسبب إخفائها من قبل الأسرة لتجنب النظرة المجتمعية، تسود توقعات بأن الأعداد الحقيقية تفوق ما تم توثيقه سابقاً، ما دفع بعض المنظمات الإنسانية للتحرك، وإطلاق حملات توعوية.

وبهذا الصدد، أطلقت منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” أحد برامج “المنتدى السوري”، مبادرة توعوية، بالتعاون مع منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية، تضمنت ندوات وورشات عمل في مدينة سلقين بريف إدلب.

 

غلاف كتيب توعوي أصدرته “إحسان للإغاثة والتنمية” ضمن مبادرتها للدعم النفسي

المبادرة التي رفعت شعار “كلمات قليلة تصنع فرقاً.. لنعمل معاً على الحد من الانتحار”، ألقت الضوء على موضوع الانتحار وسعت إلى تقديم أساليب للوقاية منه، حسب ما قال مسؤول البرامج لمشاريع حماية الطفل في  “إحسان للإغاثة والتنمية”، خالد فتال.

وأوضح فتال في حديثه لـ”السورية نت”، أن هدف المبادرة، تعريف المجتمع بالأسباب والاضطرابات التي تسهم في تفشي هذه المشكلة، وحث جميع فئات المجتمع، خاصة الشخصيات العامة المؤثرة، على التنبيه والتوعية حول ظاهرة الإنتحار وأساليب مكافحة انتشارها.

وأضاف “أردنا إيصال رسالة مفادها أن المجتمع قادر على التأثير ومد يد المساعدة لهؤلاء الأشخاص، ولو بكلمات قليلة”.

وتضمت المبادرة التوعوية، التي شارك بها أطباء وأستاذة وقضاة وبعض المختصين والعاملين في الشأن الإغاثي-الإنساني،  تقديم “خدمات نفسية” لجميع المحتاجين لها، حيث عبّر المشاركون عن ضرورة وجود أشخاص داعمين في المجتمع يسهمون بالحد من هذه المشكلة.

كما شددت المبادرة حسب فتال، على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية، باعتبارها لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وقدمت نصائح ومبادئ توجيهية للإسعافات الأولية للانتحار قبل وقوعه.

الواقع السوري كفيل بكشف الأسباب

الباحثة الاجتماعية، سلام طاهر، رحبت بوجود مبادرات من هذا النوع في الشمال السوري، خاصة إذا كانت مدروسة بشكل صحيح، حسب تعبيرها.

وقالت طاهر لـ”السورية نت”، إن جميع المبادرات وحملات التوعية الخاصة بالانتحار يجب ألا تُعطي أملاً كاذباً للمستفيدين منها، بقولها: “خيبات الأمل ممكن أن تأتي بنتائج عكسية في موضوع الانتحار”.

وكشفت الباحثة الاجتماعية عن أبرز أسباب انتشار الانتحار في الشمال السوري، مشيرة إلى أن العامل الرئيسي هو عدم قدرة الفرد على الاندماج بمجتمعه وتمثيل قيمه، وتندرج تحت ذلك ثلاثة أسباب.

أولها انتشار الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والفصام والشخصية الحدية وما إلى ذلك نتيجة الظروف المحيطة من حروب ونزوح، وما ينجم عنها من أزمات.

والثانية المرور بتجربة قاسية ومؤلمة مثل فقدان شخص عزيز أو التعرض لحادث أدى إلى عاهة مستديمة، كفقد أحد الاطراف.

والثالثة الأوضاع الاقتصادية السيئة، مع فقدان الأمل في القدرة على تأمين مستلزمات الحياة.

واعتبرت الباحثة الاجتماعية، أن جميع الأسباب السابقة موجودة بكثرة في مجتمعنا السوري، الذي أصبح “نفقاً مظلماً لا نهاية له، ليكون إنهاء الحياة هو الحل، خاصة عند الشباب ذوي الطاقات العالية الذين يشعرون بالعجز والخوف من المستقبل”.

ويرى الباحث في وحدة الأبحاث الاجتماعية بمركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، طلال مصطفى، أن الانتحار ظاهرة عالمية وليست خاصة بالشمال السوري، لكنها ظهرت للعلن بسبب الاهتمام الإعلامي والإنساني بها.

وقال مصطفى المحاضر سابقاً في قسم “علم الاجتماع” بجامعة دمشق لـ”السورية نت”، إن أسباب عدة تدفع للانتحار من منظور “علم الاجتماع”، أبرزها ناجم عن الفقر أو الإدمان أو حالات نفسية مثل الاكتئاب، أو الإصابة بأمراض لا علاج لها.

أما على الصعيد السوري، فقد نوه مصطفى إلى أن العامل الاقتصادي هو الأبرز، خاصة أن الكثير من السوريين في الداخل باتوا يفقدون الأمل بإمكانية العيش كمواطنين ضمن الحدود الدنيا، مع عجزهم عن تأمين أساسيات الحياة.

وأضاف: “في دراسة لمؤسس علم الاجتماع الحديث، اميل دوركايم، تبين أن أعلى نسبة انتحار تعود لأشخاص غير متدينين وعاطلين عن العمل وغير متزوجين”، معتبراً أنها مؤشرات حقيقية تنطبق على الواقع السوري.

يأس شبابي..والدور على القيم الدينية والأخلاقية

ترى الباحثة الاجتماعية سلام طاهر أن حل مشكلة الانتحار يحتاج أولاً للتعامل مع الأسباب، ثم المساعدة على التخطيط للمستقبل ضمن الإمكانيات المتاحة، إلى جانب تعزيز العامل الديني والأخلاقي لدى الفرد.

ولفتت طاهر إلى أن الانتحار في الشمال السوري يعود في الغالب لفئة المراهقين والشباب، الذين يرسمون أحلاماً وتصورات للمستقبل اصطدمت بالواقع الأليم، ما دفعهم للإحساس بالعجز وبالتالي إنهاء حياتهم.

وكذلك يرى الباحث الاجتماعي، طلال مصطفى، أن الانتحار ينم عن حالة عجز وضعف، تنتشر بصورة أكبر بين فئة الشباب والمراهقين، على اعتبار أنهم في الغالب يفقتدون النضج الكافي لمواجهة الواقع وفهمه.

وشدد الباحثان على ضرورة تثبيت القيم الدينية والأخلاقية لدى فئة المراهقين والشباب، باعتبارها الرادع الأساسي مهما بلغت مرارة الواقع.

من جانبه، قال مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، في حديث سابق لـ”السورية نت”، إن “حالات الانتحار تركزت غالبيتها في مخيمات النازحين في الشمال بسبب ضيق الحال المعيشي لدى العائلات المهجرة، وعدم قدرة كثير من أرباب الأسر على تأمين المعيشة لأسرهم وأطفالهم، ما يولد لديهم ردة فعل سلبية قد تودي بهم إلى الانتحار”.

ويرجع حلاج أسباب الانتحار بالدرجة الأولى لـ: “قلة الوعي المنتشر بين الفئات التي تقدم على الانتحار، وتراجع مستوى التعليم بين الأطفال، ما يؤدي إلى غياب الرادع”.

ويعيش حوالي 1.4 مليون مهجر في مخيمات الشمال السوري، وسط ظروف معيشية متدهورة في ظل تراجع المساعدات الإنسانية وانتشار الفقر والبطالة بين السكان.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا