تنصيب الأسد: معنى خروج العواصم من التاريخ

في دخوله إلى احتفالية تنصيبه، ظنّ رئيس النظام السوري بشار الأسد نفسه يدخل التاريخ مجدداً من أبوابه العريضة، مدجّجاً بسنوات من الركام والرماد والجثث والدماء. لا تاريخ يدخله الأسد الابن من غير هذا الباب، والذي ينفتح على تدمير سياسي وجغرافي وبشري لسوريا وعاصمتها دمشق أقدم عاصمة في التاريخ. جلّ ما نجح فيه الأسد هو إخراج سوريا من التاريخ ومن الحاضر، ومما يرمز إلى التقدم أو المعاصرة. وتلك سمة طبعت مسيرة البعث، لا سيما الحقبة الأسدية منه بالتحديد.

في تلك التجربة يستحيل التاريخ وهماً مبنياً على وهم، خارج أي إطار زمني أو علمي. يكفي للرجل أن يتباهى بالانتصار، ليتأكد المرء من أن ما ينتصر هو مرض الوهم فقط ومريضه.

لم تعد المشكلة بالشخص ولا بالنظام على الرغم من فداحتها. بل أصبحت نموذجاً متعمماً يمكن لكل سكان دول “طوق العمامة الممانعة” تلمّسه واستشعاره ومعايشته. دمشق التي كانت أقدم عاصمة في التاريخ، ها هي تلفظه، بعد سنوات من تركيز النظام على لفظها منه. وعلى قاعدة نقيضة لما قيل في السابق مثلاً حول عواصم تجاور دمشق، كالقاهرة، وبغداد وبيروت، ثمة عواصم تحفظ نفسها ومجتمعها وأخرى أصبحت في غربة بعيدة. علّمنا التاريخ مقولته الشهيرة في امتداح العواصم أن القاهرة تكتب، بيروت تطبع وبغداد تقرأ. لم يعد في بيروت حبر، ولا آلة الطباعة، وهي سلكت طريق الخروج من تاريخها ومن حاضرها أيضاً، أما بغداد فلا قراءة فيها سوى مجالس العزاء أو أدعية النحر وتبريره، فيما القاهرة نجحت في أن تصون نفسها ولو بدون الروحية السياسية والفكرية والثقافية المعهودة، لكنها لا تزال تسعى لتحفظ نفسها على طريق المعاصرة.

أخرجت بغداد وبيروت مفكرين وأنتجتا حقبات من التقدمية في مواجهة الرجعية، فغرقت قواها فيما هو أسوأ من الرجعية وما حققته. فانضمتا إلى دول الهلال، التي تعصف فيها الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وتدبّ فيها الخلافات الأهلية، أو نزاعات الجوع والفقر والعوز. في أبرز تعبير عن نموذج الانهيار المعمم في دول الطوق. إنها متلازمة المسار والمصير، من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت، تأتي الانهيارات على وقع تعرجات مفاوضات الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران. والغريب أكثر أن انسحاب هذه الدول من دورة التاريخ، تتزامن مع الانسحاب الأميركي من المنطقة والذي سيشكل عنصر إرباك لكل من يدّعي المواجهة معه.

فإعادة التموضع الأميركية، تفترض أن تشمل الاهتمام الأساسي بحلفاء الولايات المتحدة الأميركية الأساسيين أو المهمين، كإسرائيل ومصر والأردن، والخليج طبعاً يأتي في سلّم الأولويات، بالإضافة إلى العمل على تنامي خط جديد هو مصر الأردن والعراق. فالخط الأول يعتبر هو أساس الهدوء والاستقرار في الشرق الأوسط، خصوصاً أن الدولتين لهما حدود مع إسرائيل وتقيمان معاهدات سلام معها، بالإضافة إلى علاقتهما الجيدة مع الفصائل الفلسطينية، وكذلك لا يمكن إسقاط مسألة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي توقفت سنة 2013.

أما بالنسبة إلى الخط الثاني والذي يتعلق بالعراق مصر الأردن، فيرتبط بإنشاء خط استراتيجي جديد قادر على بناء منظومة تحالف عربية تعتبر من دول الطوق في محيط إيران، وقد بدأ المسار من العراق وتحديداً منذ الاتفاق على مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة العراقية، ومنع إيران من السيطرة الكاملة على العراق، فلا بد من ربطه بخط عربي مع مصر والأردن، انطلاقاً من العلاقات التاريخية بين العراق والأردن أولاً من خلال العلاقة مع الشريف حسين وثانياً ربط شبكات الكهرباء من مصر إلى الأردن فالعراق لإمداده بالطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى تعاون نفطي استراتيجي فلا يعود العراق يعتمد على مضيق هرمز للتصدير، وهذا يهدف إلى فتح خطّ العقبة أمام تصدير النفط العراقي، فلا يعود لإيران قدرة للضغط على العراق في إطار تصدير نفطه.

أما سوريا ولبنان معها في تلازم المسار والمصير، فمسألتهما مؤجلة إلى حين، وهي بلا شك مرتبطة بالتفاهم مع روسيا، خصوصاً أنه يتم الحديث في بعض الكواليس عن السعي للوصول إلى تسوية مرحلية بين واشنطن وموسكو في سوريا، تتعلق بالاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، تكون حكومة تسوية بين النظام وقوى معارضة له، ولذلك يجري الحديث عن احتمال الاتفاق بالمرحلة المقبلة على اسم أيمن أصفري لتولي هذه الحكومة. وعند الوصول إلى مثل هذا الاتفاق يعني أنه حينها من الممكن البدء باستشراف أو تلمس بعض المقومات التي قد تحيي التسوية، بذلك فقط يمكن لسوريا أن تعود إلى سكة التاريخ، وليس من ردهة مقر احتفاء الأسد بنفسه.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا