حزب الله..وضريبة الدم

الضربة الموجعة التي تعرض لها حزب الله في شمال سوريا قبل يومين، لا تعيد النقاش الى أصله، ولا تستدعي السؤال المكرر عما يفعله الحزب في بلدة سراقب مثلا، او على بقية جبهات إدلب وحلب وحماة. ثمة استنتاج وحيد هو ان التنظيم اللبناني الاقوى، يتحول الى هامش بسيط ، الى تفصيل ثانوي، الى كبش فداء في لعبة الكبار، الى قربان يقدمه حلفاؤه على مذبح سوريا، بعدما كان يفترض أنه أصبح قوة إقليمية كبرى، تشارك في صياغة المعادلات الرئيسية للمنطقة كلها،على ما جاء في خطاب أخير لأمينه العام السيد حسن نصرالله.

وقائع الضربة التي أدت الى سقوط أكثر 30 مقاتلا بين قتيل وجريح، لا تثبت حتى الآن أن تركيا تعمدت إستهداف الحزب بالتحديد، بل هي وزعت غاراتها الانتقامية على مختلف مواقع النظام السوري والمليشيات المقاتلة معه من دون تمييز، فقتلت أربعة من كبار الضباط  السوريين والعشرات من الجنود والمقاتلين من شتى الأجناس، عدا الروس طبعا، الذين لا يقيمون مراكز ثابتة في مناطق العمليات المباحة أصلا لغاراتهم الجوية.

لكن إنتشار الحزب على تلك الخطوط الأمامية البعيدة جدا، في اقصى الشمال السوري، لا يعزى فقط الى كونها جبهة مواجهة ملتهبة، بل ينسب فقط الى حاجة تلك الجبهة لأكبر عدد ممكن من المقاتلين، الى جانب وحدات الجيش السوري الذي تتناقص أعداد جنوده، وتقدر حاليا بما دون المئة ألف جندي، بمن فيهم وحدات الحرس الجموري التي زج بها في المعارك الاخيرة في الشمال السوري..التي كانت سهلة في البداية، قبل ان تنقلب في الايام القليلة الماضية لمصلحة المعارضة السورية، بدعم وغطاء تركي كامل.

بالطبع، ليست المرة الاولى التي يوضع فيها الحزب على الخط الأمامي، فقد كان هذا دأبه في مختلف مراحل الحرب السورية، منذ معركة حمص وحصار حي باب عمر المشين وحتى اليوم. لكنه لم يكن يصطدم بفصائل وقوى سورية معارضة مدربة ومنظمة وممولة كما هو حال التشكيلات التي تقاتل اليوم على جبهات إدلب، وابرزها الجيش الوطني الحر. لذا كانت الانتصارات ممكنة، وقد زادت وتيرتها بعدما توافر الغطاء الجوي الروسي الحاسم في خريف العام 2015.

المعركة التي راح ضحيتها مقاتلو حزب الله ال30، هي واحدة من أكبر وأخطر المعارك التي تشهدها الحرب السورية على مدى الاعوام التسعة الماضية. القول أنها جزء من صراع إيراني تركي خفي على سوريا يدفع الحزب ثمنه المرتفع، لا ينسجم مع وضع إيران المحاصر في الداخل، والمتضائل في الخارج، لا سيما في سوريا، بما لا يسمح لها بإضافة عدو جديد مثل تركيا، التي تشكل أحد أهم مجالات خرق الحصار المشدد. صحيح أن إقتراح الرئيس الايراني حسن روحاني الاخير بعقد قمة ثلاثية تركية إيرانية سورية، مهين لأنقرة، لكنه على الارجح لن يخرجها عن طورها الآن..بانتظار رد الفعل الروسي على مثل هذا الاقتراح، الذي لن تتلقاه موسكو بطيبة خاطر طبعا!

بدل ان تدعي طهران وتعمل على فرضية أنها وسيط بين شريكيها في مسار أستانة السابق روسيا وتركيا، وتقدم نفسها كراعية للتسوية في شمال سوريا، دعت الجانب التركي الى الانفتاح على نظام الاسد والجلوس معه حول طاولة مفاوضات تستبعد الروس، ولوحت لأنقرة بأنها قواتها ومليشياتها المنتشرة على جبهات إدلب وحلب كانت قادرة على إستهداف الوحدات التركية المحتشدة في المنطقة، لكنها لم تفعل، وأمرت تلك القوات والمليشيات بالتزام ضبط النفس!

هو دليل على أن طهران لم تدرك حتى الآن حجم الصراع وطبيعته بين تركيا وروسيا، ولم تدقق في سلوك الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يخوض حربا فعلية مع الدور الروسي في سوريا كانت متوقعة في خريف العام 2015، غير آبه بإحتمال ان تؤدي الى مواجهة مباشرة بين الجيشين التركي والروسي وبكلفة تلك الحرب التي لم ينتظر لشنها الحصول على دعم أميركا أو حلف شمال الاطلسي. وهي حرب باتت قضية حياة أو موت بالنسبة الى أردوغان وحكمه وحزبه ومصالح دولته التي لا تقتصر فقط على تفادي مئات آلاف النازحين السوريين الجدد الذين دفعهم الروس والنظام في إتجاه الاراضي التركية في الاسابيع الماضية.

ضريبة الدم التي قدمها حزب الله، تبدو في هذا السياق، بخسة، لن ينتبه لها الروس ولا الاتراك، ولن ينؤ بها أحد لا في دمشق ولا في طهران ولا في بيروت طبعا أو أي عاصمة أخرى.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا