حول مقتل الفتى علي العساني برصاص الشرطة في تركيا

أطلقت دورية شرطة، في مدينة أضنة جنوب تركيا، النار على شاب سوري، في السابعة عشرة من عمره يدعى علي العساني، يوم الثلاثاء 28 نيسان/ابريل الحالي، فأردته قتيلاً. العساني الذي كان يعمل في ورشة صناعات نسيجية لإعالة أسرته، أوقفته دورية الشرطة بدعوى خرقه لحظر التجول المطبق على من هم دون العشرين عاماً من أعمارهم بقرار حكومي، فر هارباً خشية ترحيله إلى سوريا كما حدث لعشرات السوريين في الصيف الماضي، في إسطنبول ومدن تركية أخرى، فما كان من الدورية إلا أن أطلقت عليه النار فأصابته في مقتل بدعوى أنه لم يستجب لإيعازها له بالتوقف.
هذا هو موجز الخبر الذي تداولته بعض صفحات التواصل الاجتماعي، كما نقلته وسائل الإعلام التركية، سواء كانت موالية أو معارضة أو مستقلة. إنها من المرات القليلة التي لا ينقسم فيها الرأي العام التركي حول موضوع على صلة باللاجئين السوريين. أما ما إذا كان من شأن هذا الإجماع أن يؤدي إلى محاسبة الفاعل قضائياً بالعقوبة التي يستحقها أم لا، فهذا ما لا يمكن التكهن به منذ الآن. ذلك أن التضامن الداخلي في جهاز الشرطة غالباً ما يؤدي إلى إفلات عناصر الشرطة من العقاب في الحالات المشابهة، عن طريق التلاعب بالأدلة أو تقديم إفادات شهود ملفقة أو بانحياز المحكمة نفسها. ينبغي التنويه أيضاً بأن الشرطي الذي أطلق النار لم يكن يعرف، على الأرجح، أن ضحيته سوري، فلا يتعلق الأمر بتمييز عنصري بقدر ما يتعلق بتنمر عناصر الشرطة على المدنيين بصورة عامة.
هذه المرة تعالت أصوات منظمات حقوقية ونقابات محامين ومنظمات عمالية محلية في أضنة دفاعاً عن الضحية ومطالبة بمحاسبة الشرطي الذي ألقي القبض عليه وأصبح في عهدة القضاء. واتضح من تقرير الطب الشرعي أن الرصاصة أطلقت من مسافة ثلاثة أمتار، وأصابت الضحية في قلبه، الأمر الذي يدحض ادعاء الشرطي بأن الرصاصة انطلقت بصورة عشوائية أي بلا قصد منه.

في السوابق حوادث كثيرة تجاوزت فيها الشرطة صلاحياتها في التعامل مع المواطنين، وفي بعض الحالات كانت النتيجة مقتل مواطنين بلا وجه حق، وتبرئة قضائية لعناصر الشرطة. الحادثة الحالية أعادت إلى الواجهة تلك السوابق، ويأمل الرأي العام في أن تكون هذه مناسبة لتغيير هذا الوضع الشاذ واستعادة سلطة القانون على الجميع بصورة متساوية، أي ربط العقوبة بنوع الجريمة وليس بهوية الفاعل أو الضحية. الملفت، في حادثة مقتل العساني، هو أن انتماءه السوري لم يلعب دوراً سلبياً في خفوت الاهتمام بمأساته أو خضوعه لتصنيف طبقي للضحايا. بدا لي هذا غريباً بالقياس إلى موجة العداء ضد اللاجئين السوريين التي كانت في حالة صعود مطرد بلغت ذروتها صيف العام الماضي حين انتقلت من صفحات التواصل الاجتماعي إلى الصحف وقنوات التلفزيون، وصولاً إلى إجراءات حكومية متشددة تمثلت في حملة صيد للسوريين في شوارع إسطنبول حيث كانت الشرطة تمسك بهم وترحلهم إلى الولايات الجنوبية، وقسم منهم إلى ما وراء الحدود، مع إساءة معاملتهم في أثناء رحلة الاحتجاز والترحيل.
ربما هذا ما خطر في بال الفتى علي العساني حين رأى دورية الشرطة تتفقد هويات المارة، فانعطف في زقاق جانبي لتجنب المرور بالحاجز، إضافة إلى خوفه من الغرامة المالية الباهظة التي تجبى من مخالفي التدابير الوقائية المعلنة ضد انتشار الوباء، وتبلغ أكثر من أربعة آلاف ليرة تركية قد لا تكفي لتغطيتها مجموع أجوره لأكثر من ستة أسابيع لقاء عمل اثنتي عشرة ساعة في اليوم.
لمأساة العساني وجوه عدة، منها ما هو عام يجمعه مع أقرانه من الزملاء الأتراك، أي عمل الأحداث تحت 18 سنة الممنوع قانوناً، واضطرار هؤلاء إلى مواصلة العمل في ظروف انتشار وباء فتاك من المفترض أن تتوقف ورشاتهم عن العمل أصلاً، لأنهم لا يملكون دخلاً بديلاً، ولا تقدم لهم الدولة معونات بطالة لأنهم تحت سن العمل، أي أنهم لا يعتبرون عاطلين عن العمل. ويأتي الظلم المضاعف من أنهم ممنوعون من الالتحاق بعملهم بسبب التدابير الاستثنائية التي تمنع خروجهم من البيت.
ومنها ما يخص السوريين الذين لا يتمتعون بصفة اللاجئين، بل هم تحت نظام الحماية المؤقتة الذي يحرمهم من حق العمل أصلاً، ويمنع تنقلهم بين المدن بحثاً عن عمل أسود اتقاء الجوع. أضف إلى ذلك خشية السوريين الدائمة من الترحيل إلى سوريا المحطمة التي لم تنته فيها الحرب ولا تنحى نظامها المجرم الذي فروا منه.
يبقى أن أشير إلى ردات فعل بعض السوريين على صفحات فيسبوك. صحيح أن التعبير عن الصدمة والألم كان هو السائد بين تعبيراتهم، لكن الأمر لم يخل من أصوات اعتادت تبرير كل ما يصدر من السلطات التركية. جاء في تعليق أحدهم على منشور يتفجع على ما حدث لعلي العساني، على سبيل المثال: «الله يرحمو. لكن صاحب المنشور قصدو الفتنة فقط»! وإذ رد عليه صاحب المنشور بغضب: «يا أخي فتنة شو؟ لإيمتى رح تبقوا هيك تخافوا وتمسحوا جوخ. يلعن أبو العبودية»، عاد الأول إلى التعليق رداً عليه: «شو بدك يعني يطلعوا السوريين يعملوا ثورة في تركيا؟ أنت واحد فتنجي»
في منطق صاحب فكرة «الفتنة» هذا أن على السوريين في تركيا أن يموتوا بصمت، فإذا صرخ المتفجع كان يدعو للفتنة أو الثورة. ذلك أن الصراخ يجوز في مكان ولا يجوز في آخر.

المصدر القدس العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا