رسالة بايدن: كونوا حذرين

يحاول الرئيس الأميركي، جو بايدن، الإمساك بالعصا من منتصفها، في بناء سياسته الخارجية عموماً، وخصوصاً في منطقتنا العربية، ولكنه أرسل مع ذلك رسالة واضحة، حين ضرب قوات موالية لإيران في سورية. جوهر الرسالة: “كونوا حذرين”. وقد ترسم هذه الرسالة حدود العلاقة بين الولايات المتحدة الجديدة مع كلّ من إيران والسعودية واليمن ومصر وسورية.

مع إيران، لا يخفي الرئيس بايدن رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه يدرك جيداً أن من المستحيل الرجوع إلى ذلك العام. وقبل أيام، أوضحت المرشّحة لمنصب نائب وزير الخارجية، ويندي شيرمان، أن ذلك مستحيل، لأن “العالم قد تغير في السنوات الست منذ توقيع الصفقة الأولى”. وفي حديثها، خلال جلسة تثبيتها في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قالت شيرمان إن إدارة بايدن – هاريس تريد العودة إلى الصفقة، “ولكن لجعلها أصلب وأكثر قابلية للبقاء ولاستخدامها منصة لإجراء مفاوضات بشأن جميع المجالات التي تسبب القلق”.

ومع المملكة السعودية، كان بايدن صارماً في قضية جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، فسمح بنشر تقرير المخابرات الأميركية، ورفض الحديث إلى وليّ العهد محمد بن سلمان. وأدرجت وزارة الخزانة أحمد محمد العسيري، النائب السابق لرئيس المخابرات العامة في السعودية، وقوات التدخل السريع السعودية، بسبب دورهم في الجريمة، استناداً إلى قانون ماغنيتسكي الدولي للمساءلة بشأن حقوق الإنسان، بينما حرم وزير الخارجية 76 مسؤولاً سعودياً آخرين متورّطين في الجريمة دخول الولايات المتحدة. بيد أن واشنطن مع ذلك لم تذهب إلى حدّ معاقبة بن سلمان نفسه، وأكّدت دعمها السعودية في الدفاع عن أراضيها. ولام ليبراليون يساريون كثيرون الرئيس بايدن لتقاعسه عن تحميل وليّ العهد السعودي مسؤولية الجريمة، من بينهم روبن رايت التي كتبت مقالة في “نيويوركر” بعنوان “بايدن يخون وعوده في الدفاع عن حقوق الإنسان وقضية خاشقجي”. على مدى أيام، تعهدت الإدارة بأن بايدن، على عكس ترامب، سيتخذ إجراءاتٍ عقابيةً ويعيد ضبط العلاقة بين البلدين على أسس جديدة. وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، جين ساكي، إن ردّ بايدن سيرمز إلى موقفه المتشدّد في قضايا حقوق الإنسان على مستوى العالم. ولعله رمز إلى ذلك بعض الشيء، ولكن ليس إلى الحدّ الذي كنا نتوقّعه.

وجنوباً، غيّر بايدن إلى حدّ كبير من سياسة سلفه، ترامب، في اليمن، فرفع أولاً تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، اعتباراً من 16 فبراير/ شباط. وقال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إن القرار يأتي “اعترافاً بالوضع الإنساني القاسي” في اليمن، مضيفاً أن إدارة بايدن أصغت إلى تحذيرات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة وأعضاء الكونغرس بشأن تأثير قرار تصنيف جماعة الحوثيين إرهابية على توريد السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود إلى اليمن. لكن الوزير شدّد على العقوبات المفروضة على كبار قياداتهم، وخصوصاً عبد الملك الحوثي وعبد الخالق بدر الدين الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم، لاتخاذهم خطوات “تهدّد سلام اليمن وأمنه واستقراره”. وفي الوقت عينه، أعلن تقديم حزمة مساعدات أميركية بقيمة 190 مليون دولار لليمن، مطالباً الجميع “بوقف هجماتهم على المدنيين في اليمن”، مؤكّداً أن الولايات المتحدة ملتزمة زيادة المساعدات الإنسانية في اليمن، وطالب الحوثيين بإيقاف هجماتهم، مشدّداً على أن “ما يُنهي الأزمة في اليمن هو إنهاء الحرب”.

وأعربت إدارة بايدن، أخيراً، عن قلقها بشأن سجل حقوق الإنسان للحكومة المصرية، وخصوصاً بعد اعتقال أفراد عائلة مواطن مصري – أميركي ناشط في حقوق الإنسان. ولكن لم تمرّ ساعات، حتى كانت وزارة الخارجية تعلن بيع ما يقرب من مائتي مليون دولار من الأسلحة للقاهرة، في أول صفقة كبيرة للأسلحة إلى الشرق الأوسط في عهد بايدن.

وكانت مصر والولايات المتحدة حليفين قديمين، منذ أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أن 99% من أوراق الحلّ في المنطقة بيدي واشنطن، قبل أن يطرد الخبراء السوفييت من مصر. وتعزّزت العلاقة بعد معاهدة كامب ديفيد واتفاقية السلام مع إسرائيل. وتتلقى مصر مساعدة عسكرية أميركية كبيرة، ولكن حكم عبد الفتاح السيسي الدكتاتوري، الذي يزيد في كلّ يوم من الإسفار عن وجهه الاستبدادي، أثار انتقادات شديدة من دعاة حقوق الإنسان الأميركيين والمصريين، الذين خرجوا مراتٍ إلى الشوارع للاحتجاج، على الرغم من القمع الوحشي الذي يمارسه السيسي للمعارضين، لا يبدو أنه يأبه كثيراً لدعوات الرئيس بايدن، فهو لم يُلقِ بالاً إلى الإدانة الدولية لحملته الأخيرة واسعة النطاق، بما في ذلك التنديد من الاتحاد الأوروبي، ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، والولايات المتحدة. وفي أول اتصال مع نظيره المصري، سامح شكري، أثار وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، المخاوف المتعلّقة بقضية حقوق الإنسان في مصر، التي ستكون، كما أكّد، “محورية في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر”، ولكن مصر، بعد أيام قليلة، اعتقلت أقارب الناشط الحقوقي المصري – الأميركي محمد سلطان، وكأنها تمدّ لسانها لإدارة الرئيس بايدن.

وجدّدت إدارة بايدن التزامها أمن إسرائيل دولة يهودية، لكن بايدن كان واضحاً وصارماً في المطالبة بدولة فلسطينية تكون إلى جوارها، ولا يبدو أنه متحمّس لقرارات سلفه المحابية لنتنياهو واليمين الإسرائيلي عموماً.

وتبقى سورية. الخوف الأكبر أن يعيد الرئيس بايدن ربط سياسته في سورية بسياسته مع إيران. وكما قدّم الرئيس أوباما كلاً من العراق وسورية على طبقٍ من فضة إلى ملالي إيران، ثمّة خوف بين السوريين من أن يذهب بايدن في استرضاء إيران إلى حدّ التضحية بكلّ آمال السوريين في بلد حرّ، مستقلّ، موحّد، وديمقراطي. ومع ذلك، فوجئ الجميع بالرسالة القوية التي وجّهها بايدن إلى إيران والمليشيات المدعومة منها في العراق وسورية، حين اختار أن يوجّه ضربة عسكرية قوية إلى مليشيات حزب الله العراقية المدعومة من إيران والموجودة في سورية. بينما لا يحبّذ بايدن أي دور عسكري أميركي في سورية، فإنه لن يكون على الأرجح طريّ العود، كما يشتهي بعضهم. ورسالته التي أعلنها، بعد الضربة في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي (فبراير/ شباط) واضحة، حين خاطب إيران بقوله: “لا يمكنكم أن تتصرّفوا هكذا وتفلتوا من العقاب. كونوا على حذر!”

ومع ذلك، إمساك العصا من المنتصف ليس دائماً الحلّ المثالي لمشكلات العالم العالقة، فلا بدّ من الوضوح في الرؤية، حين تصل الأمور إلى مفاصل محدّدة. لقد وعد الرئيس قبل انتخابه، وتعهد بعيد انتخابه، بإعادة الديمقراطية إلى جدول الأعمال بعد أربع سنوات من “تدليل” الرئيس ترامب السافر، وغير المبرّر، الديكتاتوريين. ووعد بايدن باستضافة تجمع لديمقراطيات العالم لإظهار التزامه القيم الديمقراطية في كل من الخارج والداخل. ويبقى السؤال: إلى أي حدّ سيمضي الرجل في تحقيق هذا الوعد وذاك التعهّد؟ هل سيتجاوز الخطاب والإيماءات إلى صنع سياسة ملموسة؟

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا