روسيا تحل عقدة “M4” من الشرق.. الأبعاد والمكاسب

بعد انقطاع دام لأكثر من سبعة أشهر، أعادت روسيا تفعيل الطريق الدولي “m4” أمام حركة المدنيين والقوافل التجارية، في خطوة جاء الإعلان عنها بشكل مفاجئ، ولاسيما أن الطريق كان قد تحول منذ أشهر، إلى عقدة أحكمت الشمال السوري من شرقه إلى غربه، والذي تتصدره محافظة إدلب.

ولم تتضح تبعات التحرك المفاجئ من قبل موسكو لفتح الطريق الدولي، ودارت التحليلات في الساعات الماضية ما بين تحرك استباقي قبل تطبيق قانون “قيصر” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى أن الأمر يندرج ضمن اتفاق سيتم تنفيذه على مراحل.

وتنحصر المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي دار الحديث عنه، بفتح الطريق (m4) من الشرق، على أن يتبعها تحرك لفتحه من غربي حلب، أي في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في إدلب.

التوجه لفتح الطرق الدولية كان قد تصدر الجو العام الذي تريد موسكو فرضه في سورية، وهو أمر لوحت به على العلن، وخاصةً خلال محادثاتها مع تركيا، والتي تشاركها في الاتفاقيات التي أبرمت على مدار العامين الماضين، وانحصرت باتفاق “سوتشي” الأول، في أيلول 2018، واتفاق “سوتشي” الثاني، العام الماضي.

حضور روسي يومي

ويوم أمس الاثنين كان الأول لتسيير رحلات المدنيين عبر “m4″، ما بين مدينة تل تمر ومدينة عين عيسى في الريف الشمالي لمدينة الرقة، على أن يتم تسيير الرحلات بشكل يومي، وبمرافقة من “الشرطة الروسية”.

ورغم أن الجانب التركي لم يعلق حتى الآن على ما أقدمت عليه موسكو، يوم أمس، إلا أن الأمر يرتبط بشكل أو بآخر بالاتفاق الأخير الذي تم إبرامه بين الطرفين (موسكو، أنقرة)، إذ رسم الطرفان مناطق النفوذ في محيط الطريق الدولي، في شماله وجنوبه.

ومن المقرر أن يتم تسيير 4 قوافل مدنية يومياً على الطريق الدولي، وتكون بشكل منتظم بحيث تسير قافلة من عين عيسى في الساعة الثامنة توازيها قافلة من تل تمر بنفس الساعة، بينما تنطلق بعدها قافلتان في الساعة 11 ظهراً من نفس المكانين بحيث تصبح أربع رحلات يومياً.

وكان الطريق الدولي قد انقطعت حركة المرور عليه، منذ إطلاق الجيش التركي عملية “نبع السلام” في مناطق شرق الفرات، والتي سيطر بموجبها على مساحة واسعة من مدينة رأس العين إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة.

وعلى مدار الأشهر الماضية شهد الطريق الدولي (m4) المار من شرق سورية تسيير دوريات من جانب روسيا، والتي دخلت إلى المنطقة، بموجب اتفاق “مفاجئ”، تلا سيطرة الجيش التركي على رأس العين وتل أبيض.

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بدر ملا رشيد قال لـ”السورية.نت” إن تفعيل الحركة التجارية على طريق “M4” جاء بعد محادثات جرت بين تركيا وروسيا لفتح الطريق، وهو ما صرحت به شخصية روسية عسكرية من مطار القامشلي قبل عدة أيام.

وأضاف الباحث: “ترافق تصريح الشخصية الروسية مع إعلان رئيس مجلس بلدة تل تمر الواقعة تحت سيطرة قوات قسد بإن الطريق سيتم تفعيله من جديد بتاريخ يوم أمس، أمام المدنيين والسيارات الخاصة، بمرافقة دوريات روسية”.

ويعتبر طريق “M4” أحد أهم شرايين الحياة التجارية والمواصلات في سورية، ويصل عموم مناطق شمال شرق وغرب سورية بمدن ومحافظات الساحل.

وبعد العملية التركية في شرق سورية (نبع السلام) انقطع الطريق بشكل كامل، ما اضطر المدنيين لقطع مسافة زائدة في طرقات فرعية تصل لأكثر من 700 كيلومتراً، عوضاً عن 250، وهو ما كان يؤثر على الحياة التجارية والاقتصادية والمعيشية في المنطقة، بحسب الباحث.

الأسباب والأبعاد

وكان شهر كانون الأول من عام 2019 قد شهد مفاوضات بين روسيا وتركيا أدت لاتفاق قضى بإعادة انتشار جزئي للقوات التركية و”الجيش الوطني السوري” من جهة، والقوات الروسية وقوات الأسد و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من جهة ثانية، على جانبي الطريق الدولي، مع سيطرة تركية على ما يقارب 80 كيلومتراً من جهته الشمالية.

وأوضح الباحث بدر ملا رشيد أن عملية إعادة تفعيل الطريق تأتي لأسباب عدة بالأخص من جهة موسكو.

ومن بين الأسباب، بحسب الباحث هي “سعي موسكو لجعل الطريق الدولي سالكاً بمعظمه، سواءً كان شرق الفرات أو غرب مدينة حلب، وما يمثله الأمر من بسط سيطرتها وسيطرة النظام بشكلٍ آخر على شبكة الطرق السورية الدولية”.

وأضاف: “يكمن السبب الآخر في توجه روسيا لبسط نفوذها في المنطقة بشكلٍ أكبر، بعد حدوث محاولات للولايات المتحدة للقيام بإعادة إنتشار جديدة فيها، كما تقوم موسكو عبر القيام بدور الضامن سواءً كان في فترة الحرب أو فترة المهادنة بزيادة اعتماد الإدارة الذاتية وقوات قسد عليها في عموم مناطق شرق الفرات، وبالأخص مناطق شرق القامشلي حيث يخف التواجد الأمريكي”.

بعد اقتصادي

وإلى جانب ما سبق لم يستبعد الباحث وجود دوافع اقتصادية تقف وراء فتح الطريق الدولي.

ولا يمكن فصل فتح الطريق عن المناخ المفروض حالياً في سورية، إذ يأتي ما تعمل عليه موسكو مع قرب تطبيق “قانون قيصر” من قبل أمريكا على نظام الأسد.

وكانت “الإدارة الذاتية” شمال شرق سورية، قد دعت أمريكا، في الأيام الماضية، لاستثنائها من التبعات التي قد يفرضها القانون، بعد تطبيقه.

وأوضح الباحث بدر ملا رشيد أن “للاقتصاد دوافعه وراء هذا التطور، فطريق M4 استراتيجي في المرحلة الحالية، وفي مرحلة فرض العقوبات الأمريكية نتيجة قانون قيصر”.

وأضاف: “تزداد أهمية فتح الطريق مع تصريح السفير الأمريكي وليام روباك بإن الإدارة الذاتية ستكون معفاة من تطبيق قانون قيصر”.

ومع ما سبق أشار الباحث “لا نمتلك للآن ماهية هذا الإعفاء، وكيفية تطبيقه (…) هل سيكون عبر بياناتٍ وقراراتٍ رسمية؟.. أم عبر السماح للإدارة الذاتية بالاستمرار في عملياتها التجارية مع النظام؟.. خصوصاً إن مناطق شرق الفرات تمثل للنظام السوري مورداً للنفط، والحبوب، والعملة الأجنبية وهي أهم ما يفتقده النظام في الوقت الحالي”.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قدر ردت، منذ يومين، على طلب سابق من “الإدارة الذاتية” يدعوها لتستثني مناطق شمال شرقي سورية من إجراءات تطبيق قانون “قيصر” الذي فرضته واشنطن على نظام الأسد.

وقال مستشار التحالف الدولي، السفير الأمريكي وليام روباك، إن عقوبات “قيصر الاقتصادية على سورية لن تستهدف مناطق شمال شرقي سورية أو الشعب السوري بل ستستهدف النظام السوري فقط”، وفق ما قاله لموقع “نورث برس” المحلي.

وأوضح روباك أن واشنطن ستمول مناطق “الإدارة الذاتية” لاجتياز أزمة فيروس “كورونا”، عقب اجتماع مع ممثلي من “الإدارة الذاتية” في مدينتي عين العرب ومنبج، عبر دائرة اتصال إنترنت.

وحافظت “الإدارة الذاتية” على علاقات اقتصادية مع نظام الأسد، عبر تجارة المواد بين الطرفين، أهمها المواد الأساسية والغذائيات.

ومن المقرر أن تدخل عقوبات “قيصر” حيز التنفيذ، في حزيران المقبل، وفق ما أعلن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، مطلع أيار الحالي.

جندي روسي على طريق m4 في شرق سورية – (فرانس برس)
المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا