روسيا وإيران تتصارعان في درعا والسويداء

الأرض، كما الشعب السوري، كما النظام والقوى المناهضة له، أصبحت رهينة الإحتلالات الخارجية؛ هذه قاعدة أولى في نقاش أيّ شأنٍ سوريٍّ. تجدّد الصراع في الأيام الأخيرة بين الفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة في درعا، وفصائل محلية والدفاع الوطني وحركة الكرامة ومواطنيين مدنيين من السويداء. السبب المباشر للمعارك فشل المفاوضات التي استمرت من مارس/ آذار الماضي بين وفود من درعا والسويداء، وكان القصد منها إخراج الفيلق الخامس من أراضٍ تابعة لقرى في محافظة السويداء، وهي أرض زراعية، ووضع نهاية لمشكلات متعدّدة بين المحافظتين، والمفاوضات تمّت بإشرافٍ روسيّ! الفشل ذاك، ورغبة الروس في تلقين السويداء دروسا إضافية عبر القتل ولإخضاع المدينة، والرغبة الإيرانية بتعزيز وجودها في السويداء، بعد طردها تقريباً من درعا، هو السبب الحقيقي للصراع الجديد. هذا الصراع، كما يبدو، سيستمر، ولا سيما مع ظهور حيثيات جديدة، تؤكد أن مفاوضات جديدة ستحصل بين النظام السوري وإسرائيل في إطار صفقات التطبيع التي تقودها إسرائيل. إذاً هناك مسائل تتجاوز الفيلق الخامس وفصائل السويداء، وتتطلب إخضاع السويداء بالكامل، وهو ما فشل فيه الروس حتى لحظته. أيضاً، وكي تكون الصورة جليّة، الفيلق يتحرّك بأوامرٍ روسية مباشرة، وهو محميٌّ من روسيا، ولولا ذاك لسحقه النظام السوري وإيران، والحماية تلك تجري بالتوافق النسبي مع النظام، ولكن لروسيا السيطرة الكاملة عليه. ورفض أحمد العودة إعادة الأراضي يعني أن هناك حجة دائمة لإثارة الصراع مجدّداً.

أيضاً، لم تعد هناك فائدة لتقوية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ودفعه نحو محافظة السويداء، كما تمّ من قبل، حيث تتكبّد روسيا والنظام وإيران خسائر يومية من هذا التنظيم، ويحاول الثلاثة تنظيف المناطق التي يسيطرون عليها، نسبيا، من أجل تعزيز نفوذها، وربما من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة من التفاوض مع الدول المحتلة لسورية، أو تحقيق الإستقرار. الصراع العبثي هذا بين المناطق المتجاورة، نجد أمثلة عنه في كل سورية، وهذا يوضح التعقيد الكبير الذي أصبح عليه هذا البلد، والأسوأ أنه يوضح غياب أي أفقٍ قريبٍ للإنتقال السياسي. وتؤكد القراءات السياسية ضرورة الإنتقال إلى السياسة، سيما بعد خفوت الحروب، ولكن قراءات أخرى تؤكد أن الوضع السوري صار تحت السيطرة الخارجية، وهو يتعقد أكثر بعد فتح معارك ناغورنو كراباخ، ودعم كل من روسيا وتركيا وإيران طرفيه. وهناك الصراع في ليبيا، وبالتالي أصبحت القضية السورية كما الليبية كما ناغورنو كراباخ، قضايا للتفاوض بين هذه الدول وغيرها؛ هنا المشكلة. طبعاً ليس هناك من أطرافٍ سورية، منشغلة بالمسألة الوطنية، نظاماً ومعارضات، ولهذا نهمشها في إطار قراءة أي حدث سوري جديد، وما يحدث في الجنوب السوري، ضمن هذا السياق، ودور النظام فيه هامشي.

القتل الذي يحدث في المنطقة الجنوبية، وبين فرقاء مختلفين طائفياً، يؤسّس لمشكلات مستدامة بين المحافظتين. هي مشكلاتٌ تتطلب مفاوضاتٍ مستقبلية دقيقة، لطيّها، وهذا ليس بسيطا، حيث هناك القتل والاختطاف والاستيلاء على الأراضي وأوجه أخرى. وإذا كان الفيلق الخامس يقاتل بمفرده، وبدون دعمٍ شعبي، حيث أصبح مكشوفاً، كفصيلٍ “روسيٍّ”، فإن فصائل السويداء تقاتل هي و”شعب” المحافظة. ولهذا وجدنا الداعمين “الفزعة” للمعارك في السويداء من كل الأطياف، موالين ومعارضين، مسلحين ومدنيين؛ على الرغم من الاختلاف هذا بين المحافظتين، فإن التأسيس لإشكاليات التطييف حدث ويحدث، وهو بكل حال ليس جديداً.

تدخلت روسيا مجدّداً لضبط الصراع، وستتفق مع النظام وإيران على ذلك، ولكن المفاوضات المستقبلية بين النظام وإسرائيل، وبرعاية روسية وأميركية، تفترض سيطرة روسية كاملة على الجنوب السوري، وهذا ما ترفضه إيران والنظام معاً. الأخيرات تريد إنهاء الفيلق الخامس، والذي “يمثل السنة” ويهاجم المدينة “الدرزية”. نعم سيتمُّ تصوير الأمر كذلك، وستَدعم تفكيرا كهذا القوى الطائفية من الجهتين، وكذلك كل من روسيا وإيران. مجدّداً، الإشكال الذي لا يجد له حلاً، أن روسيا ليست مستعدّة لفتح معركة كاملة مع إيران وزيادة الضغط على النظام، وإيران ليست مستعدّة للتخلّي عن أي منطقة في سورية، حيث ستتهمش بالتأكيد، وهو مطلب دولي، ولهذا نراها ترفض الخروج الكامل من درعا، وتحاول التمركز في السويداء، وهذا وجه من أوجه المعركة الأخيرة، وهي تدفع كذلك إلى حربٍ جديدة في إدلب وشرق سورية، وأيضاً نراها تنتقم من بلدات سورية “سنية” بقصد الانتقام وإثارة المشكلات الطائفية، وهي بضاعتها الأساسية للمنطقة. وذلك فيما الصراع “سنيّاً درزيّاً”، و”ليس بين درعا والسويداء”، وإنما هو، في عمقه، يتمّ بأدواتٍ من المحافظتين، وبقصديّة روسيّة وإيرانيّة، وبغرض تغيير المعطيات على الأرض، والتقدّم نحو الشرط الأميركي والتطبيع مع إسرائيل، وتنظيف الجنوب السوري بأكمله من الوجود الإيراني.

على الرغم من الدم، هناك الأعيان والوطنيون، وهم، كما فعلوا من قبل، يحاولون التفاوض بين المحافظتين، وبما يضمن سلامة المجتمع المحلي، وتعايش السهل والجبل، والحفاظ على مصالح الناس، وتهميش النزعات الطائفية. لهذا الاتجاه أنصار كثر في درعا والسويداء، ولكن هناك اتجاها مضادّا له، ومدعوما من روسيا وإيران، وهما من تجدّد ذلك الصراع، كل بعض الوقت. الآن، هناك قضية معقدة، أن تسليح الفيلق الخامس أفضل من السلاح في السويداء، فهل ستعمل إيران والنظام على تعزيز نوعية السلاح في هذه المدينة، وإشعال حربٍ أكثر خطورة مما كان في السنوات السابقة!

ليس هذا ضرباً في الخيال، فهو يتمّ حالياً، سيما أن روسيا وإيران ليستا مهتمتين أبداً بالشعب السوري وبالمحافظتين من أصله، حيث يتركّز اهتمامهما على تعزيز مناطق النفوذ لهما، وبالتالي هناك خطورة حقيقية من تطوّر الصراع مستقبلاً بين المحافظتين، ولو خفت حالياً، وستكون حصيلته حينها: قتلى أكثر ودمارا للمنازل وللمحاصيل وتطييفا ممأسسا.

الوطنيون من المحافظتين، وفي كل سورية، هم من يرفض التسليح، ويرفضون التطييف، ويسعون من أجل السلم الأهلي، ولكنهم الجهة المرفوضة بامتياز، من النظام والمعارضة، وكذلك الدول المحتلة لسورية. وبالتالي ما حصل في السويداء قد يتكرّر، وهذا أسوأ من استنتاج، فهو الواقع.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا