زيارة استثنائية لمايك بومبيو إلى إسرائيل

عاجلة طارئة واستثنائية، هكذا وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى إسرائيل الأربعاء الماضي. الزيارة استمرت ساعات فقط وكسرت قواعد الحجر الصحي في زمن جائحة كورونا، وكانت الأولى لوزير الخارجية الأميركية منذ تفشي الجائحة، ولم يخضع بالطبع لقواعد الحجر الصحي المعمول فيها في إسرائيل ومناطق أخرى.

يمكن الحديث عن ثلاثة، بل أربعة عناوين للزيارة العاجلة والاستثنائية تتمثل بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وخطة إسرائيل لضمّ غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية، والملف الإيراني، بما في ذلك المشروع النووي والتموضع العسكري في سوريا، وأخيراً الملف الصيني تحديداً فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الصينية الإسرائيلية المقلقة لواشنطن والمتنامية في الفترة الأخيرة.

في الملف الأول أعتقد أن بومبيو حرص على القدوم في هذا الوقت بالذات لدعم تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي أبصرت النور بعد سنة ونصف من الفوضى السياسية، وعدم اليقين، تم خلالها الذهاب إلى الانتخابات العامة ثلاث مرات، الإدارة الأميركية أرادت القول أنها صاحبة فضل في إنهاء الفوضى وعودة الاستقرار السياسي بشكل تام، وصاحبة فضل أيضاً في بقاء اليمين المتطرف وزعيمه بنيامين نتنياهو في سدة الحكم لعامين إضافيين على الأقل، ما سيساعدها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأمريكية المقررة نهاية العام تحديداً لدى الإنجيليين الصهاينة حلفاء وأصدقاء نتنياهو والخزان الانتخابي الكبير للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

أما فيما يتعلق بخطة الضمّ الإسرائيلية لغور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية – ثلثها تقريباً – فقد بدا بومبيو حريصاً على دعم الفكرة من حيث المبدأ، لكن دون حماس ظاهر أو الالتزام التام بالتوقيت الإسرائيلي المتوقع أوائل تموز القادم في ظل تسريبات إعلامية عن رغبة أمريكية في تأجيلها لأجل غبر مسمى وشعور أنها قد تقضي على أي فرصة – ضئيلة أصلاً – لنجاح خطة ترامب للتسوية بين الإسرائليين والفلسطينيين، إضافة لانشغال الرئيس الأمريكي بملفات أخرى متعلقة بمواجهة جائحة كورونا والعلاقات المتوترة مع الصين التي يريد وضعها في صلب حملته الانتخابية طبعاً، مع تأكيد بومبيو والإدارة على أن خطة الضمّ مسألة إسرائيلية داخلية يفترض أن تحسمها الحكومة الجديدة، وتوقيت آلياتها وتفاصيلها رغم أنها ليست كذلك قطعاً لكونها تمس بل تعتبر سطواً على الحقوق والثروات الفلسطينية، وتفرض وبالقوة حلاًّ من جانب واحد، وترتد سلباً على الاستقرار في فلسطين والمنطقة أيضاً، وهي مسائل لا تملك إسرائيل الحسم فيها وحدها ولا حتى واشنطن نفسها.

في الملف الصيني؛ الذي اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية الأهم والأكثر إلحاحاً على أجندة بومبيو فقد حذّر هذا الأخير من الاستثمارات الصينية في إسرائيل، معتبراً أنها تشكل خطراً على أمن الإسرائيليين وعلى قدرة أمريكا على العمل المشترك والناجع مع الدولة العبرية، علماً أن الاستثمارات الصينية زادت بشكل ملحوظ في إسرائيل خلال الفترة الماضية، حيث فازت شركة صينية بمناقصة لإقامة محطة تحلية مياه ضخمة على ساحل البحر المتوسط بمليارات الدولارات مع حق إدارتها لـ25 سنة، علماً أنها تقع على مقربة من قاعدة عسكرية إسرائيلية توجد فيها قوات ومعدات أمريكية. كما فازت شركة صينية أخرى بحق إدارة ميناء حيفا بالقرب من قاعدة بحرية ترسو فيها عادة القطع العسكرية الأميركية عند زيارتها لإسرائيل.

في هذه الجزئية لا بد من الإشارة إلى أن العلاقات التجارية الصينية الإسرائيلية المتنامية تحمل نفسا انتهازيا من الجانبين، حيث تسعى تل أبيب إلى جلب الاستثمارات والأموال الصينية الضخمة، إضافة إلى التأثير على مواقف بكين من القضايا الإقليمية بما فيها القضيتين السورية والفلسطينية طبعاً، بينما تسعى الصين للاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية العالية، كما تفتح نافذة إضافية باتجاه أمريكا والغرب بشكل عام.

تحذير بومبيو مرتبط كما أسلفنا بتوتر العلاقات الأمريكية الصينية على خلفية جائحة كورونا واتهامات للصين بالتكتم وعدم الشفافية وإخفاء المعلومات الصحيحة والضرورية الخاصة بالجائحة عن العالم، وبناء عليه لم تكن مجرد مصادفة أن تعلن واشنطن رسمياً عن محاولات صينية لقرصنة أبحاث علمية أمريكية متعلقة بالجائحة أثناء وجود بومبيو في تل أبيب.

على صلة بالصين وكورونا، وفي محاولة لتشجيع الإسرائيليين أكثر تحدث بومبيو عن التعاون العلمي والتقني مع تل أبيب لإنتاج لقاحات للجائحة، علماً أن شركة إسرائيلية حصلت على ترخيص لذلك في أمريكا، كما غمز من قناة بكين التي لا تشرك الدول في المعلومات الخاصة بها عن الجائحة، على عكس ما يفعل الحليف الإسرائيلي حسب تعبيره.

أما فيما يخص الملف الإيراني فطرح وزير الخارجية الأمريكي بندين أساسيين المشروع النووي والتموضع العسكري في سوريا – لذلك كان بومبيو حريصا على الاجتماع مع رئيس الموساد يوسى كوهين للاستماع إلى تقديرات مهنية وليست سياسية منه – مع تأكيد أميركي على منع طهران من حيازة سلاح نووي، والسعي لتمديد الحظر الأممي على استيرادها للأسلحة. وهنا بدت تل أبيب وكأنها الحليف السياسي الأمني الأقرب لواشنطن، الأمر الذي يؤكده الطابع الطارىء الاستثنائي للزيارة، رغم الحجر الصحي وحتى حظر السفر السائد في زمن كورونا.

في السياق السوري؛ أعلن الوزير بومبيو – كان سبقه المبعوث جيمس جيفري – عن تأييد الغارات الإسرائيلية ضد قواعد وأهداف إيرانية في سوريا، مع إشارة إلى ضرورة خروج إيران عسكرياً من سوريا، مشيراً لأول مرة إلى إيصال رسالة لطهران بهذا الصدد، كما لنظام الأسد نفسه، علماً أن واشنطن كانت قد أعلنت الأسبوع الماضي أن إيران لم تعد تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، بينما كانت لافتة الإشارة إلى خروج إيران عسكرياً من سوريا في تأكيد ضمني على أن خروجها السياسي مرتبط بالعملية السياسية التي لم يحن أوانها بعد ولم تحدد واشنطن حتى الآن منظور ومحددات واضحة لها.

أعطى مايك بومبيو ضوءا أميركيا أخضر لإسرائيل وأصفر لفلسطين وأحمر للصين وإيران حسب تعبير صحيفة إسرائيل اليوم، وعموماً عبرت الزيارة العاجلة للوزير الأمريكى في الزمن الاستثنائي عن متانة العلاقات بين البلدين، تحديداً بوجود دونالد ترامب ونسخته الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” في سدة الحكم، والحديث حول جائحة بل جوائح كورونا وإيران يظل ناقصاً في ظل عدم الحسم تجاه جائحة بشار الأسد – رغم ارتفاع اللهجة الأميركية ضده في الفترة الأخيرة – قبل ذلك وبعده وفي ظل الصمت عن جائحة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بل على العكس عمل على تعميقه وتوسيعه بدعم أميركي قوي ومباشر عبر تأييد خطة الضمّ التي تتناقض مع الشرائع والمواثيق الدولية، كما قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وحتى مع مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة قبل أن يصل ترامب إلى الرئاسة بمساعدة غير خفية من إسرائيل ونتنياهو بينما يمكن اعتبارها قصة سرّ مُعلن.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا