سقوط رهانات التطبيع الأردني مع نظام الأسد

دو أن المسؤولين في الأردن بدؤوا بتغيير حساباتهم ورهاناتهم حيال التطبيع مع نظام الأسد، الذي حول مناطق سيطرته، بالتنسيق مع ميليشيات نظام الملالي الإيراني، إلى أكبر مراكز تصنيع المخدرات في العالم، وخاصة حبوب الكبتاغون، وراح يهربها بكميات كبيرة عبر مختلف السبل والطرق، واتخذ حدوده مع الأردن طريقاً رئيسياً لتهريبها إليه، وإلى دول الخليج العربي والعالم.

ومع تواتر الاشتبكات ما بين وحدات من الجيش الأردني وشبكات تهريب مخدرات نظام الأسد، بدأت تخرج تصريحات مسؤولين أردنيين إلى العلن، مظهرة مدى الضيق الكبير حيال استهداف “أمن الأردن الوطني” من قبل نظام الأسد والميليشيات الإيرانية وميليشيات “حزب الله” اللبناني، بل إن الناطق باسم الجيش الأردني، مصطفى الحياري، اعتبر أن الأردن يواجه “حرب مخدرات تشن على المجتمع الأردني” من حدوده مع سوريا، تقودها ميليشيات تؤمر من طرف نظام الملالي القابع في طهران، وباتت تمثل خطراً على الأمن الأردني، لذلك أخذت أوساطاً أردنية تتحدث عن ممكنات دخول مرحلة جديدة من تعامل الأردن حيال الوضع في سوريا، وعن احتمالات وسيناريوهات التصعيد مع النظام.

وكان الساسة في الأردن من أشد المتحمسين للتطبيع مع نظام الأسد لاعتبارات داخلية وخارجية، ومن أجل ذلك ذهب ملك الأردن، عبد الله الثاني، إلى واشنطن في 19 من تموز/ يوليو 2021، كي يسوّق مبادرة، بدت شديدة الواقعة بالنسبة إليه، وكانت تنهض على معادلة تزعم بأن الأسد ما يزال في السلطة والنظام باق، والأفضل التطبيع معه، بدلاً من تركه وحده. ووفق تفضيله هذا طالب أنظمة الدول بأن تكون “ناضجة في تفكيرها”. وكان يعتقد أن الحماسة الأردنية للتطبيع مع نظام الأسد ستدفعه إلى التخفيف من محاولات تهريب المخدرات إليه. ثم حاول وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، استغلال خطوات التطبيع الإماراتية مع نظام الأسد من أجل تبرير الدور الريادي، الذي كانت تقوم به بلاده في تحريك ملف التطبيع مع نظام الأسد، وذلك عبر إرجاع ذلك الدور إلى “غياب أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري”، مع أنه لم يتستر على الأسباب الداخلية، وخاصة الاقتصادية، التي كانت تدفع النظام الأردني إلى لعب ذلك الدور، لكنه لجأ إلى لغة مواربة ومخاتلة، متذرعاً بوجود 1.3 مليون لاجئ سوري في الأردن، في حين لم يقل شيئاً عن حيثيات طلب الملك عبد الله الثاني، خلال زيارة إلى واشنطن، من الرئيس الأميركي جو بايدن، استثناء الأردن من عقوبات قيصر، من أجل تنفيذ صفقة توريد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر أراضي سوريا.

ودفعت الحسابات الخاطئة الساسة في الأردن إلى الاعتقاد بأن الروس سيتكفلون بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن مناطق الحدود مع بلادهم، لكن الوقائع على الأرض أثبتت عكس ذلك، حيث لم يتوقف التغلغل الإيراني في جميع مناطق سيطرة النظام الأسد، وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث لجأ الروس إلى تسليم كل المواقع التي ينسحبون منها في سوريا إلى ميليشيات وقوات نظام الملالي الإيراني، وبالتالي سقطت رهانات التطبيع الأردني مع نظام الأسد، وسقط معها التعويل على “الدور المحوري الذي تلعبه روسيا” للحدّ من التوغل الإيراني باتجاه الحدود الأردنية، وخصوصاً بعد تمرّغ جيشها في الوحل الأوكراني نتيجة غزوها.

ومع سقوط رهانات التطبيع الأردني مع نظام الأسد تغيرت المواقف، وذلك بعد أن تحولت عمليات التهريب المنظمة والمتواترة التي يقودها النظامان الأسدي والإيراني، إلى حرب ذات طبيعة سياسية وأمنية، ودفعت ملك الأردن إلى التعبير عن مخاوفه من تغيير قواعد الاشتباك في سوريا، والتحدث عن المخاطر والمصاعب التي تواجهها بلاده خلال زيارته الثانية إلى واشنطن بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، والتي جرت في 13 من أيار/ مايو 2022، حيث اشتكى، خلال لقاء في برنامج “باتل غراوندز” العسكري التابع لمعهد هوفر في جامعة ستانفورد الأميركية، من “ملء إيران ووكلائها الفراغ الذي تخلفه روسيا في سوريا”، ومن “الهجمات الحدودية التي تجري بشكل منتظم” ضد بلاده، والتي يعرف تماماً من يقودها، و”من يقف وراءها”، وأفضت إلى سقوط ضحايا من عناصر الجيش الأردني وضباطه.

المشكلة ليست في تركيبة نظام الأسد الإجرامي وطبيعة تحالفاته فقط، بل في الأنظمة العربية التي آثرت الدخول في مرحلة جديدة تفتح الأبواب على نظام الأسد، وإدارة الظهر نهائياً للكارثة التي ألمت بسوريا والسوريين، وذلك في إطار لعبة المصالح الدولية، التي أسهمت في ضرب الثورة السورية ووأدها، لصالح ترسيخ الاستبداد الأسدي.

وحاولت بعض الأنظمة العربية انتهاز جميع الفرص والمناسبات، وتقديم حجج واهية، كي تهرول للتطبيع مع نظام الأسد، مع أن هذا النظام لم يُغير أي شيء من طبيعته الإجرامية، التي خبرها السوريون جيداً. وهي غير غائبة عن ساسة دول العالم. كما أن نظام الأسد لا يقيم وزناً لعلاقات الجوار العربي، ولا يهتم بممكنات التطبيع معه سوى بالظهور المخادع بمظهر المنتصر على شعبه. ويعتبر هرولة الأنظمة العربية للتطبيع معه دلالة على سلامة مواقفه وسلوكياته الإجرامية، ودليلاً على ضعفها واستسلامها أمام واقع الحال الذي فرضه بالقوة حليفاه الروسي والإيراني على الشعب السوري، وبالتالي، فإن ما يهمه من التطبيع مع الأردن هو توظيف واستخدام أراضيه لتهريب مخدراته، ولا يعنيه كثيراً دخول بعض الأردنيين من أجل التبضع أو التجارة في مناطق سيطرته.

لقد تحوّل نظام الأسد، منذ زمن بعيد، إلى ما يشبه العصابة الإجرامية المنظمة، التابعة للنظامين الروسي والإيراني، وتتعاون مع ميليشيات حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية لنظام الملالي الإيراني لتنفيذ مختلف الأعمال القذرة، بدءاً من تصنيع المخدرات وتهريبها بوصفها المورد الرئيس لها، مروراً إلى قتل السوريين وخطف أبنائهم وبناتهم ومصادرة أملاكهم والتعامل معهم بوصفهم رهائن لديها، ووصولاً إلى عمليات تجنيد وشحن المرتزقة للقتال في حروب دول أخرى.

المصدر syria.tv


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا