سوريا إذ تشهد ختام حقبة “داعش” العراقية

هي من علامات التعجب، وحُسن الحظ في آن، أن يبدو مقتل زعيم تنظيم داعش على يد الاميركيين في بقعة سورية حدودية نائية، وكأنه حدثٌ يقع خارج أي سياق سوري، ويختتم جولة عنيفة من صراع قديم بين أمميتين، واحدة أميركية وأخرى إسلامية، وضعتهما الأقدار في سوريا، من دون علم او رضى مواطنيها، الموالين او المعارضين، أو حتى الاسلاميين الذين يشبهون داعش او يطمحون الى التشبه به.

إختيار بلدة أطمة السورية لإسدال الستار على الفصل الختامي من ذلك الصراع، كان بمثابة صدفة، أملتها ظروف هجرة داعش والاميركيين من العراق، بعد معارك طاحنة بين الجانبين بدأت عقب الغزو الاميركي للاراضي العراقية، وشهدت طرد التنظيم من الحواضر العراقية تباعاً، ثم من مقر خلافته المعلنة في الموصل في العام 2014، وإنتقاله الى سوريا، حيث أعاد إنتشاره في شرقها، في ما بدا يومها وكأنها عملية إبعاد أميركية للدواعش من الميدان العراقي الى الميدان السوري، على أمل أن يصوب “جهاده”، نحو الروس والايرانيين.

ولولا العمليات المتقطعة التي نفذها داعش ضد قوات النظام السوري وحلفائه الروس والايرانيين، لا سيما في منطقة البادية السورية، وبالتحديد بلدة تدمر، لكان بحكم المؤكد أن الدواعش والاميركيين كانوا يستكملون مواجهات عراقية، بقيادات وأدوات وأسلحة عراقية، وبأولويات ظلت طوال السنوات الثماني الماضية عراقية أيضا.. لا صلة مباشرة لها بأي جدول أعمال سوري، حتى تردد أكثر من مرة أن قيادة داعش التي ظلت على الدوام عراقية الهوية، منذ ما بعد مرحلة المؤسس أبو مصعب الزرقاوي، إنما يستخدمون الميدان السوري لتعبئة وتدريب وتحضير المقاتلين للعودة يوما ما الى بغداد وبقية المدن العراقية التي أخرجوا منها تباعاً. ولم تكن الحواضر السورية على جدول أهدافهم، ولا كانت المواجهة بين النظام السوري ومعارضيه تعنيهم، أو حتى تستميلهم، إلا من زاوية ما توفره لهم من مساحة فراغ في الجغرافيا السورية، تسمح لهم على الاقل بالاستراحة في بعض مخابئها، التي ثبت لكل من أبي بكر البغدادي في العام 2019، وخليفته أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، بالامس، أنها ليست آمنة، بل لعلها خائنة.

بلا أي مخاطرة يمكن الجزم في أن اصداء تصفية الهاشمي فجر الخميس في منطقة أطمة السورية الحدودية، ترددت في بغداد والمدن العراقية، أكثر بكثير مما سمعت في دمشق أو في إدلب.. اللتين تقاسمتا فرحاً مشتركاً، نادراً، بخروج قائد داعش من المشهد، ولو إختلفت الاسباب والدوافع لمثل هذا الشعور المتبادل، العابر لخطوط الجبهات بينهما..حتى ولو تبين أن ثمة تنظيماً إسلامياً سورياً تواطأ مع الاميركيين في عمليتهم الدقيقة.. التي يمكن ان تنسب في جانب منها أيضا، الى تداعيات الخروج الاميركي من أفغانستان لمصلحة حركة طالبان التي تعتبر “داعش”، أحد أكبر التهديدات لحكمها الحديث العهد في كابول.

وهذا لا ينفي حقيقة أن القرار الاميركي الخاطف بتصفية الهاشمي بسرعة، يعزى مباشرة الى غزوة داعش الأخيرة على سجن غويران في مدينة الحسكة السورية، والتي كانت واحدة من أكبر وأخطر وأطول غزوات التنظيم في تجربته السورية القصيرة نسبيا.. وإن كانت نتيجتها بائسة تماماً، بالنظر الى مئات القتلى الذين سقطوا خلالها، من الدواعش او من المقاتلين الاكراد، أو من قادة التنظيم الذي بات اليوم أمام تحدي البحث عن قيادة جديدة تخلف الهاشمي وتلم الأشتات الداعشية في سوريا والعراق، وتعدّها لفصول مقبلة من الصراع مع الأممية الاميركية.

الصراع مفتوح على علامات إستفهام حول ما إذا كانت الجولة الاخيرة من المواجهة بين الدواعش والاميركيين ستبرر تسريع الإنسحاب الأميركي من المشرق العربي، أم أنها ستؤجله الى حين..والاهم من ذلك: أي “داعش” جديد، سيخرج من رحم ذاك التنظيم الذي توالد طوال نصف قرن مضى، بشكل يخالف الطبيعة الانسانية.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا