صندوق باندورا اللبناني: أين بقية الاسماء؟

الحسد شرٌ لا مفر منه، إزاء ما خرج من صندوق باندورا، الذي أعاد الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، فتحه أخيراً. أما الحرج الذي شعر به اثرياء وردت أسماؤهم فهو ليس بذي شأن، إذا ما قورن بالشرور واللعنات التي تنذر الاسطورة الاغريقية بإنطلاقها من الصندوق فور رفع الغطاء عنه.

بالتعريف، أولا، الجِنان (أو بتعبير أدق) الملاذات الضريبية، التي لجأ اليها الأثرياء من مختلف أنحاء العالم، ليست دولاً مستقلة ذات سيادة وشرعية دولية. هي محميّات خاصة، لا تُرى بالعين المجردة على خريطة العالم، لكنها تخضع لرعاية او نفوذ دولة كبرى ما. الولايات المتحدة هي الراعي الاول لمثل هذه الملاذات، تليها بريطانيا وفرنسا وغيرهما.. واللائحة تطول لتشمل محميات وهمية ليس لها وجود جغرافي أصلاً، لكنها تضم بنوكاً وشركات إستثمارات وإستشارات عالمية.

بين هذه المحميات حروب طاحنة، على كسب المتهربين من الضرائب في بلدانهم، مثل الحروب الضارية بين الدول الكبرى الراعية لهذه المحميات على جذب هؤلاء المتهربين، وتحويلهم الى مستثمرين شرعيين. وهي حروب تؤدي في بعض الحالات الى إنقلابات عسكرية، وتغييرات لأنظمة الحكم، وإغتيالات سياسية، وإنهيارات مالية، وعقوبات إقتصادية، لكنها كلها تُخاض في الغرف المغلقة للنظام العالمي السري، ولا تظهر الى العلن إلا نادراً، وبعد مرور زمن على حدوثها.

ولكي لا يقفز أحد الى الاستنتاج بأن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، شريك في هذه الحروب، أو متواطىء مع بعض الأطراف المتحاربة، فإن الادلة والبراهين القاطعة تؤكد أنه مجرد مستفيد، من تلك الحروب العالمية الخفية، التي أشعلتها في الفترة الاخيرة، شبكات الاتصال والتواصل الحديثة، الهائلة القدرات، التي لا تعترف بالحدود الدولية، ولا تبقي سراً لأحد من بني البشر، لا سيما من ذوي الثروات.

صندوق باندورا الذي فتحه الاتحاد، قبل أيام، كان حافلاً بالاسماء المشهورة، مثلما كان غافلاً عن كثيرين سواهم. فَقَد الكشف الجديد عنصر المفاجأة الاول، وتحول الامر الى تقليد عالمي يتكرر بين الحين والآخر، معركة دولية تحتدم لسبب أو لآخر، يتمكن خلالها الاتحاد وصحافيوه الاستقصائيون القديرون، من الوصول الى المزيد من الاسرار والفضائح المالية، فيعمدون الى نشرها، وهو دليل جرأة لا شك فيها، لا سيما إذا ما إستكمل بتحقيقات ومقابلات مباشرة مع المتهمين بالتهرب الضريبي، تؤدي في بعض الحالات الى دعاوى قضائية.

في الحصة العربية من الكشف الاخير، ضعفٌ ظاهرٌ بالمقارنة مع الاسماء التي ظهرت في وثائق بنما قبل ثلاث سنوات على سبيل المثال، وهزالٌ فاضحٌ في حجم الاموال التي هُرّبت الى الملاذات الضريبية، أو التي إنفقت عبر تلك المحميات من غير وجه حق، ومن قبل زعماء ورؤساء لدول فقيرة، ومسؤولين كبار في دول متواضعة بلغت أرقام بعضهم مئات آلاف الدولارات. “فضيحة” ملك الاردن عبد الله الثاني، من هذه الامثلة.

الحصة اللبنانية، الرائدة في عمليات التهرب والتهريب، بالمقارنة مع بقية دول العالم، كانت هي الاخرى “مسيئة” الى سمعة لبنان وأثريائه الكبار، وهي لا تتناسب مع الارقام المعروفة عن عمليات التهرب والتهريب التي تمت في الاعوام الثلاثة الماضية. وهي أيضاً، قاصرة عن شمول الكثير من الاسماء “اللامعة” التي يرددها ويلعنها اللبنانيون كل ساعة. وكذا الامر بالنسبة الى ممولي حزب الله، الذين بدا أنهم إنضموا حديثاً الى نادي الأغنياء، وشرعوا في تأدية المهمة التقليدية الأولى التي يقوم بها أي ثري كل صباح، أي التهرب الضريبي. ويبدو أن فضح إسمائهم لم يكن مجرداً.

إحتل لبنان المرتبة الاولى في العالم على لائحة المهربين والمتهربين التي كشفها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، لكنه أثبت، في الوقت نفسه، أنه كان وسيظل أكبر من أي صندوق مليء بالفضائح المالية والضريبية. والتراجيديا الاغريقية التي يعيشها شعبه اليوم، خارج الصندوق، خيرُ دليل.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا