عن الحرب التركية الروسية

لم تصمد مقولة روسيا الوسيط في الحرب المشتعلة في إدلب بين النظام السوري وحلفائه من جهة وأنقرة من جهة أخرى ، ولم يعد يرددها سوى بعض أبواق إعلام الكرملين ، الذين تستضيفهم بعض المواقع الإعلامية العربية من أمثال ماتوزوف وسابونينا وسواهما. ولم تتخلَ روسيا طوعاً عن مقولتها هذه ، بل يمكن القول ، بأن أردوغان قد أجبرها على التخلي عن محاولتها الممجوجة استغباء الجميع بمقولتها هذه ، إضافة  طبعاً ، إلى ما يقوله قصف طيرانها للسوريين عن دورها “الوسيط” هذا. وأخذ الإعلام الروسي يتساءل ما إذا “أصبح التحالف الهش مع إردوغان يكلف روسيا غالياً” ، أو يقول بأن “كل شيئ يشير إلى أن أنقرة مستعدة للصدام العسكري المباشر مع العسكريين الروس في شمال غرب سوريا” . بل وذهب البعض من هذا الإعلام إلى التأكيد بان “الحرب السورية تتخذ بشكل متزايد سمات الحرب العالمية المصغرة” ، وتساءل البعض الآخر  عن مدى قرب وقوع “حرب روسية تركية جديدة” ، وطالب عتاة القوميين الروس الفاشيين بإعلان الحرب على “المحتلين الأتراك والأميركيين والإسرائيليين”، وإلا ستنقلب الحملة السورية وكل السياسة الروسية في السنوات الأخيرة إلى “عار وهزيمة” .

رئيس تحرير الملحق الأسبوعي العسكري في صحيفة “NG” الروسية ألكسندر شاركوفسكي، الذي أكد بأن الحرب السورية تتخذ سمات الحرب العالمية المصغرة ، يعدد الدول ،  التي تشارك ، أو بوسعها أن تشارك في الحرب السورية . يقول الرجل ، بأن الوضع الناشئ حول سوريا في الوقت الراهن ، يذكر بشدة بأحداث “حرب القرم” بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية العثمانية بين العامين 1853 و1856 ، وتحالفت كل بلدان أوروبا الغربية حينذاك مع العثمانيين ضد روسيا ، وأطلق عليها بعض المؤرخين “الحرب العالمية الصفر”.

وبعد أن يؤكد شاركوفسكي ، بأن الولايات المتحدة وتركيا تلجآن إلى القوة ضد العسكريين والمرتزقة الروس في الحسكة ، يقول بان هذا يجري على خلفية استمرار الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع سورية في محيط دمشق ، وتجمع للسفن الحربية الفرنسية قرب السواحل السورية ، بما يمكن طيران حاملة الطائرات “شارل ديغول” من قصف اهداف سورية حين ترى ضرورة لذلك . ويمكن أن تنضم بسرعة إلى السفن الفرنسية ، برأيه ، سفن الأسطول السادس الأميركي والسفن الحربية التركية واليونانية والإيطالية والإسبانية . ويذكر بالقاعدة الجوية البريطانية في قبرص ، ويقول بأنه ، يمكن أن تنضم السفن البريطانية والألمانية إلى هذه التشكيلات ، مع بعض التأخير ، ويذكر بالأسطول الخامس الأميركي وقوات وطيران القيادة المركزية الأميركية ، التي يمكن أن تنشط ضد جيش النظام السوري والقوات الروسية في سوريا.

ويخلص الرجل إلى القول بأن موسكو كانت مرتاحة لاختلال العلاقات بين واشنطن وأنقرة ، لكن ثمة خطورة الآن من أن يتذكر هذان اللاعبان أنهما حليفان في حلف الناتو ، ويعودان مع الشركاء الآخرين في التحالف ضد “الدولة الإسلامية” ، إلى العمل معاً ضد دمشق وموسكو .

وفي سياق التخوف الروسي عينه من تضافر قوى حلف الناتو في حرب ضد روسيا في سوريا ، نشرت صحيفة الكرملين “VZ” الثلاثاء مقالة بعنوان ” لماذا تورط تركيا حلف الناتو في الحرب في سوريا” . تقول الصحيفة ، أن أنقرة تنتظر المساعدة من الناتو بسبب الوضع الناشئ في سوريا ، إثر الهجوم ، الذي تشنه القوات الرسمية السورية في إدلب ، وجاء الطلب التركي على لسان الممثل الرسمي للحزب الحاكم في تركيا  عمر سيليك . لكن الصحيفة تقول أن الحلف لم يقدم سوى المساعدة الكلامية حتى الآن ، حيث عبر أمين عام الحلف عن القلق من هجوم الجيش السوري في إدلب ، ودعا نظام الأسد وروسيا ، التي تدعم الأسد ، إلى التوقف عن الهجوم . لكن وكالة تاس نقلت عن الأمين العام نفسه قوله ، بأن مسألة إدلب سوف تناقش في اجتماع وزراء دفاع الحلف الأربعاء في 12 من الجاري.

وبعد أن تذكر الصحيفة بفشل المحادثات التركية الروسية الإثنين المنصرم في التوصل إلى أي اتفاق، تقول بأن الكرملين قد أعلن الثلاثاء ، أنه لا يجري حتى الآن الإعداد للقاء بين الرئيسين الروسي والتركي بشأن سوريا . وتنقل الصحيفة عن زعيم الحزب القومي التركي المعارض دولت بهجلي ، دعوته القيادة التركية إلى إعادة النظر بالعلاقات مع روسيا ، لأنها مسؤولة مع سلطات دمشق عن مقتل العسكريين الأتراك في سوريا . وتنقل عن زعيم الحزب التركي هذا قوله ، بأن على أنقرة أن تخطط منذ اللحظة لهجوم على دمشق ، إذا ما برزت الحاجة إلى ذلك” ، وقال “إحرقوا سوريا ، دمروا إدلب ، ضعوا نهاية للأسد” .

وتنقل الصحيفة عن مدير مركز دراسة الشرق الأوسط وآىسيا الوسطى سيمون باغداساروف قوله ، بأن دعوة إردوغان الأطلسيين للإنخراط في عمليات الأتراك في إدلب ، على أراضي دولة أخرى ذات سيادة ، تشير إلى أن أنقرة تعتبر شمال سوريا جزءاً من أراضيها . ويقول  باغداساروف أن من الواضح أن إردوغان يريد احتلال حلب ، “وينبغي إعطاءه حقه”” ، فهو سياسي ذكي ذو طموحات إمبراطورية ، فمدينة حلب كانت المدينة الثانية بعد اسطنبول في الإمبراطورية العثمانية ، ولا يزال الأتراك حتى الآن يعتبرونها مدينة تركية ، يريد إردوغان بشدة احتلالها .

الموقع الإخباري “rosbalt” المعارض والمتهم بميوله اليسارية ، دعا إلى طاولة مستديرة الخميس  في 13 من الشهر الجاري بعنوان “هل الحرب الروسية التركية ممكنة” ، يشارك فيها عدد من الإختصاصيين المعروفين بشؤون الشرق الأوسط ، ومن غير “كتبة القصر” . ونشر الموقع مقالة لأحد كتابه السياسيين تحت عنوان شبيه بعنوان الطاولة المستديرة “إلى أي مدى قريبة الحرب الروسية التركية؟” ، يقول فيها ، أن أردوغان، بدأ هجومه على جيش الأسد ، ويمتنع عن تقديم أية تنازلات للكرملين ، بل هو غير قادر على ذلك. ويقول الكاتب ، بأن الأنباء الواردة من سوريا ، تجعل المرء يفكر أن حرباً روسية تركية سوف تندلع في هذا البلد بين يوم وآخر. ويقول بأن الرئيس السوري بشار الأسد ، لم يكن ليجرؤ على الإقدام على ما أقدم عليه “بكل هذا الغرور” تجاه تركيا “الأقوى منه بما لا يقارن” ، لو لم يكن يلمس تأييد موسكو الكلي له.

يقول الكاتب ، أن أنقرة ليس بوسعها الإنسحاب من سوريا لمجموعتين من الأسباب : ظاهرة للعيان وأخرى عميقة مبدئية . وينسب إلى المجموعة الأولى السبب في عدم قدرة إردوغان على الإنسحاب ، لأن الأسد يواصل الهجوم على إدلب ، على الرغم من تحذيرات أردوغان المصحوبة بقصف المدافع والطائرات وإيقاع المئات من القتلى من عسكريي الأسد . كما أن إردوغان دخل بقواته إلى سوريا لضمان الأمن التركي والقضاء على فصائل حزب العمال الكردستاني ، إضافة إلى الحؤول دون موجة تهجير جديدة ، تضاف إلى الهجرات السابقة من ملايين السوريين .

أما المجموعة الأخرى من الأسباب العميقة المبدئية ، فيقول الكاتب أن إردوغان انخرط بالحرب السورية، لأنه يعتبر سوريا خاصرته الرخوة ، ويعيش في مناطقها الشمالية السوريون التركمان . وإردوغان بحاجة إلى انتصارات خارجية على خلفية الإنكماش الإقتصادي في تركيا ، وشعار الدفاع عن السوريين التركمان لا بد وأن يحرك عواطف الناخبين الأتراك ، برأيه.

لا يستعرض الكاتب بالتفصيل أهداف روسيا المعروفة في سوريا ، ويقول بأن أهداف الطرفين متناقضة ، وينفي إمكانية التوصل إلى حلول وسط بينهما .  ويقول بأن سيناريوهات الصراع الروسي التركي العسكري المحتمل ليس بالضرورة أن يكون مباشرة بين الطرفين ، بل يمكن الإفتراض بأنه سيكون بواسطة اطراف أخرى ، كما كانت الحرب الكورية أو الفيتنامية ، حيث كان الإتحاد السوفياتي وأميركا يتحاشيان الصدام المباشر . فكما كان الطيار الروسي يجلس وراء مقود طائرة الميغ في فيتنام ، ليس من الصعب تصوره يجلس خلف مقود الميغ في سوريا الآن ، لكن هذا لن يغير في الأمر شيئاً .

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا