“عن بُعد وفيزيائية”.. مبادرات تعوّض تراجع التعليم العام في إدلب (صور)  

على دراجة ناريّة، يتنقّل الشاب محمود العليوي من مدينة معرة مصرين مكان إقامته في ريف محافظة إدلب باتّجاه خيام تعليمية أسسها مع مجموعة من المتطوعين لـ”تعويض غياب التعليم الرسمي في خيام النازحين”.

“لا يمكن تحمّل فكرة أن مخيماً بأطفاله لا يوجد فيه مدرسةً أو خيمةً تعليمية”، يقول محمود، وهو في السنة الرابعة من كلية التربية، قسم (معلم صف)، مضيفاً: “هذه الفكرة كانت دافعاً لافتتاح الخيام التعليمية”.

محمود العليوي، مؤسس المبادرة، بين طلاب مستفيدين من مبادرة "خيم أمل" (السورية.نت)
محمود العليوي، مؤسس المبادرة، بين طلاب مستفيدين من مبادرة “خيم أمل” (السورية.نت)

أسس محمود، مع مجموعة من المدرّسين المتطوعين، العام الدراسي الماضي، مبادرة “خيمة أمل”، الهادفة لافتتاح خيام تعليمية في مخيمات تنعدم فيها المدارس.

ومع بداية العام الدراسي الجاري، فتحت المبادرة أبوابها لـ 600 طالباً وطالبةً من سكّان مخيمات منطقة معرة مصرين شمالي إدلب، في 10 خيام تعليمية.

“انتشار الأمية مخيف”

يقول محمود، وهو مؤسس المبادرة، لـ”السورية. نت”، إنّ “انتشار معدّلات الأميّة والجهل بين صفوف الأطفال، كان مخيفاً جداً، وخاصةً في بعض مخيمات النازحين العشوائية والمهملة، ومن أجل ذلك، بدأت فكرة انطلاق الحملة”.

ويتابع: “بدأنا بمجموعة متطوعين، تزايدت أعدادهم هذا العام لـ 18 متطوعاً، لا يتقاضون أي مبالغ أو منح”.

ويشير العليوي إلى أنّ “التحديات التي اعترضتنا مع انطلاق المبادرة ما زالت قائمة، وهي غياب المنح المنظماتي عن المبادرة، إذ كان تأمين اللوجستيات من خيام ومقاعد وقرطاسية، شاقاً للغاية، واعتمدنا في ذلك على تبرّعات مغتربين من أصدقائنا ومعارفنا آمنوا بفكرة المبادرة وأهميّة التعليم”.

تعتمد المبادرة في خدماتها التعليمية على كتب مناهج “التعليم التعويضي” المعتمدة من المنظمات التعليمية الناشطة في منطقة شمالي غربي سورية.

لكن “طباعتها مكلفة جداً وتغيب الجهات التي تقدم الكتب بصورة مجّانية”، حسب العليوي.

درس تعليمي ضمن مبادرة "خيمة أمل"، مخيم "المعرة شابور"، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)
درس تعليمي ضمن مبادرة “خيمة أمل”، مخيم “المعرة شابور”، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)

“انتظار الدعم كارثة”

على وقع تراجع المنح الدولية لقطاع التعليم في منطقة شمالي غربي سورية يجد محمود أنّ “انتظار المنح هو مصيبة وكارثة على الجيل. من أجل ذلك نحن مستمرون في مبادرتنا الصغيرة رغم غياب كل أنواع الدعم”.

ويضيف: “التعليم اليوم، يحتاج عمل شعبي بامتياز، وتكثيف المبادرات الشعبية والتطوعية، لأنّ سد الثغرة التعليمية في عدد من المجتمعات أبرزها المخيمات، ليس بالأمر السهل”.

ويأمل مؤسس المبادرة في ختام حديثه لـ”السورية. نت” أنّ “يتمكن السوريون من تأسيس كيانٍ يهتم فقط في إنقاذ الملف التعليمي، وإطلاق جميع الإمكانيات لتدارك الكوارث المترتبة على غياب التعليم”.

درس تعليمي ضمن مبادرة "خيمة أمل"، مخيم "المعرة شابور"، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)
درس تعليمي ضمن مبادرة “خيمة أمل”، مخيم “المعرة شابور”، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)

“فتيان أمّيون”

تقف المدرسة سوسن سوسي، المتطوعة في مبادرة “خيمة أمل” في مخيم “المعرة شابور” غربي بلدة “زردنا” شمالي إدلب، أمام أعدادٍ متباينة الأعمار في خيمتها الصفية.

ولا يبدو هذا التباين مريحاً لدى المدرّسة سوسن، لأنه يدلل على حالة انقطاع طويلة لدى الأطفال.

وتقول حول ذلك لـ”السورية. نت”: “مع الأسف، هناك فتيان أميّون، تجاوزت أعمارهم الـ14 عاماً، وهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وكما ترى نضطر لإعادتهم إلى صفوف المرحلة الابتدائية”.

وتعاني سورية عموماً، ومنطقة شمالي غربي سورية، من التسرّب الطلابي الذي بلغت نسبته، وفقاً لإحصاءات رسمية، حوالي 66 في المئة من إجمالي الطلاب.

درس تعليمي ضمن مبادرة "خيمة أمل"، مخيم "المعرة شابور"، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)
درس تعليمي ضمن مبادرة “خيمة أمل”، مخيم “المعرة شابور”، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)

تجد سوسن وهي طالبة في السنة الرابعة من كلية التربية، اختصاص (معلم صف) أيضاً في تجربتها التطوعية “فرصة تدريبية على ممارسة مهنة التعليم والتعامل مع الأطفال، إلى جانب تقديم يد العون والتعليم للأطفال المنقطعين والصغار”.

إلا أن سوسن، تشتكي في الوقت نفسه، من مشقّة التطوع.

وتردف: “يومياً أقطع مسافات على الدراجة النارية برفقة زوجي ليوصلني إلى مخيم، حيث الخيمة التعليمية، هذه مصاريف بحد ذاتها، عدا عن تعويض مادي أعين فيه عائلتي”.

درس تعليمي ضمن مبادرة "خيمة أمل"، مخيم "المعرة شابور"، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)
درس تعليمي ضمن مبادرة “خيمة أمل”، مخيم “المعرة شابور”، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)

“مكاسب أخرى”

في غضون ذلك يعتبر مشاري بلال، متطوع إداري في “خيمة أمل” أنّ “مبادرتهم الشبابية، لم تنجح فقط في الشقّ التعليمي، إنما حصدت مكاسب أخرى من الناحية الاجتماعية”.

ويضيف لـ”السورية.نت”: “المبادرة في المخيمات المستهدفة، حدّت بشكل ملحوظ من معدّلات عمالة الأطفال، هذه الفئة التي اضطرت يوماً الاتّجاه نحو العمل لعدم توفّر المدارس، وعلى مستوى آخر حدّت من زواج القاصرات والقاصرين”.

ويؤكد بلال على أهمية المبادرة، وغيرها من المبادرات الشبيهة، “لاحتواء هذه التجاوزات الاجتماعية التي تعصف في سكان المخيمات، والمتضرر الوحيد منها هو الطفل”.

درس تعليمي ضمن مبادرة "خيمة أمل"، مخيم "المعرة شابور"، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)
درس تعليمي ضمن مبادرة “خيمة أمل”، مخيم “المعرة شابور”، بلدة زردنا شمالي إدلب، 17 سبتمبر/أيلول 2022 (السورية.نت)

“مسارات”

في مبادرة “مسارات” التي انطلقت في شهر مارس/آذار من العام 2020 تداعى مجموعة من أكاديميين ومعلّمين ومهندسين وتقنيين سوريين حول العالم وفي الشمال السوري من أجل “منح المتعلّمين تعليماً نوعياً ومزايا قلما توفّرت مجتمعة، عن بُعد”، بحسب محمود سلوم، وهو قائد مسار التعليم المدرسي في المبادرة.

يقول سلوم في حديثٍ لـ”السورية.نت”، إنّ “المبادرة وفّرت منصة تعليمية تستهدف كل من وجد نفسه خارج المنظومة التعليمية التي كان سببها النزوح والتهجير القسري دون النظر إلى الأعمار”.

وتقدم المبادرة ـ مقرها مدينة إدلب ـ عبر دروس تفاعلية ومسجّلة، خدماتها لمختلف المراحل التعليمية، وتركّز على طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية.

ويشير سلوم، إلى أنّ المبادرة في بدايتها وصلت إلى 400 طالب وطالبة، بينما اليوم يستفيد منها حوالي 8 آلاف طالب، 300 منهم من ضحايا الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة، غالبيتهم يقيم في الشمال السوري.

درس تفاعلي في مبادرة "مسارات" (السورية.نت)
درس تفاعلي في مبادرة “مسارات” (السورية.نت)

“دروس تفاعلية وكورسات”

يتحدث محمود سلوم، عن آلية عمل المبادرة، بقوله: “يشرح المدرسون المقررات المدرسية بطريقة مباشرة تفاعلية عبر منصة المبادرة، وبدوره يستخدم فريق تكنولوجيا التعليم هذه الدروس التفاعلية في صناعة كورسات تعليمية للمواد”.

ويضيف: “هذه الكورسات ترفع على منصة إدارة التعلم، مما يتيح للطلاب متابعة الدروس بشكل غير متزامن، ودون الحاجة لوجود المعلم، مما يوفر إيصال المعرفة والتعليم إلى أعداد أكبر من المتعلّمين”.

ووصلت المبادرة إلى أعداد واسعة من الطلاب المقيمين في مخيمات النزوح، ممن لا تمكنهم الظروف المعيشية من التسجيل في المعاهد والمدارس الخاصة، وكذلك سكان المناطق المهددة، التي لا يتوفر فيها مدارس بشكل مناسب.

“تيسير وصول المعرفة”

يجتمع حوالي 150 متطوعاً من داخل وخارج سورية، على رسالة “العمل على تيسير وصول المعرفة والحصول عليها من مصادر موثوقة وتقديمها بطريقة أكاديمية ومؤسساتية احترافية لكافة المراحل”، وفق سلوم.

ويضيف حول أهداف المبادرة: “نعمل على تقديم مفهوم جديد في نشر المعرفة عن بعد، بلا حدود أو قيود زمانية أو مكانية أو مادية والمعايير عالميّة”.

ويلفت في هذا السياق، إلى أنّ أبرز التحديات التي واجهت المبادرة: “عدم الإيمان بالتعليم عن بعد، حتى استطعنا من خلال ما قدّمنا تغيير هذا المفهوم لدى الكثير من فئات المجتمع”.

أما صعوبات الطلاب المتفاعلين مع المبادرة، والمستفيدين منها، يوضح سلوم أنّها تنحصر بـ”عدم توفر الطاقة الكهربائية أحياناً واعتماد الطاقة البديلة، أو ضعف شبكة الإنترنت، أو الحصول على هاتف نقّال خاص بالطالب”.

درس تفاعلي في مبادرة "مسارات" (السورية.نت)
درس تفاعلي في مبادرة “مسارات” (السورية.نت)

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا