عن تهافت نظرية “تغيير سلوك الأسد”

تبدو مضحكة، جداً حكاية تغيير سلوك نظام بشار الأسد في سورية مقابل تخفيف العقوبات عنه، ولا يجب أن يقع بها دبلوماسي مبتدئ، إلا إذا كان الهدف منها ذرّ الرماد في العيون، بمعنى إسكات المعترضين، إلى حين أن تصبح العلاقات مع نظام الأسد واقعا لا يستطيع أحد الرجوع عنه. ولعل جامعة الدول العربية وأعضاءها ما زالوا يتذكّرون كيف استهزأ نظام الأسد بمبادرتهم وطلباتهم.

حدث كبير، بما تضمّنه من عمليات إبادة ممنهجة، لدفن أشواق الحرية لدى السوريين، يصار إلى اختزاله بـ”تغيير سلوك النظام”. وكانت هذه الفكرة قد ولدت من تصريح أميركي لأحد أركان إدارة الرئيس بايدن، التي كانت في بداية طريقها في الحكم تحاول عدم توريط نفسها في تفرّعات الصراعات في العالم، في وقت كانت تصوّب عينيها باتجاه الصين. لكن بلا شك، لم تأت هذه العبارة شططاً، بل واضحٌ أنها كانت ردّاً على ضغوطٍ مارستها جهاتٌ محدّدة على الإدارة الأميركية تطالبها بتغيير سياساتها تجاه نظام الأسد، وليس خافياً أن هذه الجهات أطراف عربية.

حسناً، تقولون تغيير سلوك الأسد، أيها الأميركيون، ولم يعد لكم مشكلة أخرى معه… دعونا نغيّر لكم سلوكه. المسألة بسيطة، ولا تحتاج لا لعقوبات ولا زعل، أصلاً أنتم لديكم إشكالية في هذا المجال، لا تفهمون في هذه المسألة، والدليل فشلكم في تحقيق أي تقدّم في هذا الاتجاه. نحن من يعرف كيف نغيّر السلوك والاتجاهات والقناعات، وتذكّروا أنكم قلتم تغيير سلوك ليس أكثر من ذلك (وقعتم في الفخ).

ليس سوى المحامين في القضايا القذرة من يستطيعون الوصول إلى هذه التخريجة، أولئك الذين يبحثون عن ثغرات القوانين، وينطلقون منها لإنقاذ موكّليهم من جرائم ارتكبوها. وسيلتهم بذلك استغلال تلك الثغرات التي لم ينتبه إليها المشرّعون وواضعو القوانين، لكن المذهل أن الدبلوماسية العربية التي فشلت في كل القضايا المحقّة، من فلسطين إلى سد النهضة الأثيوبي، تحقّق انتصارا هائلاً، لكن هذه المرّة ضد شعب عربي أثخنته روسيا قتلاً وتدميراً، وأنهكته إيران تهجيراً وتغييراً في هويته، وكانت عصابة الأسد هي من يدلّ طائراتهم على أهدافها، ويعمل مرشداً لمليشيات إيران في حارات دمشق وحلب وحمص.

لكن ليسمحوا لنا، نحن من خسر البلد والولد، ويراعوا عقولنا، ويشرحوا لنا كيف ستجري هذه العملية أو اللعبة، أو أي تسميةٍ أردوا لها، ما هي منهجيتها. هذه عملية تغيير السلوك، ما هي أدواتها ووسائلها، وكيف سيتمّ تقييم نتائجها، وهل يستلزم وجود ناظر لها يتابع ويسجّل ما إذا كان هناك التزام بمندرجات العملية يستحق المكافأة، أو عدم التزامٍ يستوجب العقاب، ومن هو الطرف الذي سيكافئ ويعاقب؟ إلا إذا كانت المسألة دقّا على الصدور، والتعهد بأنّ “الزلمة” عندي، وهي تبدو كذلك، فلا داعي إذاً لإعطاء العملية أسماء أكبر من حجمها وحقيقتها، ثم ما المقصود بتغيير سلوك النظام؟ هل إقناعه بقتل أعدادٍ أقلّ أو التخفيف من عدد الذين يقوم بتغييبهم، إذ معلومٌ أن عملية تغيير السلوك تحتاج وقتا حتى يتم الوصول إلى نتائج جيدة بخصوصها، لكن المؤكد أنها تحتاج ورشة من مرشدين نفسيين واجتماعيين ونظار، وإلا كيف سيتم تغيير سلوك سفاح، امتهن هذا السلوك سنوات مديدة؟

لا ينقص العرب، وهم في طريقهم إلى تغيير سلوك الأسد، سوى القول إن السوريين “حاسين بالدفا وعايشين ع الوفا” تحت حكم الأسد، وإن المشكلة ليست سوى بعض الإشكالات البسيطة هنا وهناك التي سنعمل على حلها. ويبدو من خلال التسرّع بإجراءات احتضان العرب للأسد، أنهم إما واثقون من قدرتهم على حل هذه الإشكالات البسيطة، أو أنهم توصلوا فعلاً إلى حلولها وانتهى الأمر.

واللافت أن أغلب الأنظمة التي تدعو إلى عودة العلاقة مع نظام الأسد تبرّر هذا الأمر أمام شعوبها، بالمكاسب الاقتصادية التي ستحقّقها هذه العودة، ما يدفع إلى التساؤل عن أي مكاسب يتم الحديث، عن مقاسمة السوريين الذين يلقفون أنفاسهم، طعامهم، بعدما صار إنتاجه نادراً في سورية؟ عن الملابس الرخيصة التي ستُنتجها مصانع سورية التي أغلق أكثر من ثلاثة أرباعها أبوابه نتيجة هرب رؤوس الأموال والحرفيين من طغيان الأسد وجوْره، ولم يعد السوريون يجدون سوى الملابس المستعملة لستر أنفسهم؟ عن أي إعادة إعمار يتحدّث العرب، وهم يعلمون أنها لن تكون، إن حصلت، سوى رشوة لروسيا وإيران، لأن السوريين الذين تم تدمير مناطقهم غير مسموح لهم العودة إلى سورية، ما دام الأسد يجلس على كرسي الحكم! دعونا نحسّن النيات، من منطلق أنه يستحيل أن الدبلوماسية العربية التي تفتقت قريحتها على فكرة تغيير سلوك الأسد، لا تعرف ماذا فعل الأسد بالسوريين، وكيف يفكّر تجاههم، وأنه على استعداد لضربهم بالسلاح النووي، لو توفر له ذلك. وانطلاقاً من ذلك، هي تهدف من احتضان الأسد، والدخول معه بلعبة تغيير السلوك، إلى إلهائه وإشغاله، حتى يتسنّى إنقاذ الجنس السوري من الزوال بفعل سياسات الأسد وحلفائه القائمة على الإبادة والاجتثاث. ومن هنا يأتي مبرّر شعار الواقعية، حيث لم تعد أمام العرب خياراتٌ أخرى لإنقاذ السوريين من الزوال سوى ملاعبة الأسد، بعدما رفعت أميركا يدها وتركت السوريين لأقدارهم السيئة. غير ذلك، المصالحة مع نظام الأسد، أياً يكن العنوان الذي تتم تحته، لا تعني سوى تبييض صفحته وتبرئته من جرائمه وإعطائه فرصة لتكرار ما فعله.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا