عودة داعش والسياق السياسي

تشكّل عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق خرقا أمنيا، يتّسع مداه تدريجيا، حتى صرنا نشهد عملياتٍ كبيرة، وتبقى “غزوة” سجن غويران في مدينة الحسكة، جديرة بالاهتمام منذ القضاء على التنظيم في العراق 2017 وسورية 2019، لأنها تصبّ في محاولة “داعش” استعادة المبادرة بقوة، بعد أن قام، خلال الأشهر الأخيرة، بعدة هجمات تخريبية في البادية السورية ومناطق متفرّقة من العراق. وفي سورية، تتحمّل قوات سورية الديمقراطية (قسد) مسؤولية الخلل الأمني، كونها لقيت تدريبا جيدا، ودعما من التحالف الدولي، عسكريا ولوجستيا، وإسنادا عسكريا أميركيا مباشرا، يتمركز في عدة قواعد في رميلان والشدادي وحقل العمر. ولذا بقيت مدينة الحسكة خاليةً من أي وجود للتنظيم في داخلها، وليس هناك سوى بضعة آلاف من سجناء “داعش” الأجانب، من الدرجة الثالثة الذين رفضت بلدانهم استعادتهم. وباعتبار أن السجن محروسٌ جيدا من “قسد”، فإن الروايات عن العملية التي تعرّض لها ليلة الخميس في العشرين من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، تبقى حافلةً بالغموض، وتحيل، إلى حد ما، إلى رواية سقوط الموصل بيد “داعش” في 2014، حيث تمكّن مئات من المقاتلين من السيطرة على المدينة التي كانت ترابط فيها عدة ألوية من الجيش العراقي.

ما جرى في مدينتي الحسكة السورية وديالى العراقية من هجمات لـ”داعش” في وقت متقارب ليس بلا سياق سياسي، غير بعيد عن عدم نجاح “قسد” في إدارة منطقة الجزيرة السورية سياسيا وأمنيا واجتماعيا، حتى أنها لا تحظى بتأييد تام من المكوّن الكردي، والأمر ذاته ينسحب على الحشد الشعبي في العراق الذي تأسس لمحاربة “داعش”، وأصبح بلا عمل ولا دور بعد معركة الموصل. وبعيدا عن فشل مشروع “قسد” أو نجاحه في الجزيرة السورية، فإن دورها الوظيفي لقطع طريق عودة “داعش” يبقى قائما، على الرغم من أنه محفوف بالمخاوف من أن ينتهي القتال، في حارات الأحياء العربية وشوارعها في الحسكة، إلى وصم هذا القسم من المدينة بالدعشنة. وسيواجه، في هذه الحال، مصير الموصل والرّقة من تدمير وتهجير. ثم إن توقيت هجمات “داعش” في العراق في هذا الظرف يشكل هدية ثمينة لإيران وأنصارها الذين خسروا مواقعهم عن طريق صناديق الاقتراع. ويجري اليوم توظيف عودة “داعش” لخلط الأوراق، وقطع الطريق على توجهات مقتدى الصدر الذي حاز تياره على المرتبة الأولى في مجلس النواب، وهو يحاول تشكيل حكومةٍ غير خاضعة للنفوذ الإيراني، ومن شأن التلويح ب”داعش” والاستنفار من أجل المجهود الحربي أن يهمّش مساعيه السياسية.

منذ إعلان الولايات المتحدة إنهاء “داعش” في العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2017 ، وفي سورية في مارس/ آذار 2019، لم تجر أي محاولة سياسية جادّة في البلدين. وكان في وسع أميركا بوصفها القوة الكونية الكبرى التي أخذت على عاتقها مهمة التصدّي لمشروع “داعش” الارهابي، ألا تقف عند حدود القضاء على الجسم العسكري في معركتي الموصل والرّقة، وهي التي تعرف أن فلول هذا التنظيم لا تزال موجودة في الصحارى والمرتفعات الجبلية، وتدرك أن تفريخ نسخٍ من هذا الوحش في المخابر الإيرانية والروسية، وتلك التابعة للنظام السوري، أمرٌ في منتهى السهولة، في وقتٍ لا تزال الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسبّبت ببروز التنظيم موجودة. وبالتالي، بقيت الحاجة قائمة لمقاربات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية للقضاء على الفكر المتطرّف. وعدا عن عدم معالجة الآثار السياسية التي ترتّبت على معركتي الرّقة والموصل، فإن واشنطن لم تجرف الرّكام، أو تعمّر بيتا واحدا من بين ملايين المنازل التي تهدّمت، وتركت ملايين العراقيين يعيشون بين الرّكام، وفي مخيماتٍ لا تقي من حرّ الصيف وبرد الشتاء، والأمر ذاته في محافظة الرّقة، الأمر الذي يتطلب مراجعةً جادّة بعيدا عن الأسلحة.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا