فيروس كورونا السياسي

سبق فيروس بشار الأسد ونظامه الأمني فيروس كورونا إلى تقديم نموذج مريع للفتك بالبشر. ويمكن القول، في المستوى الأخلاقي، إن الفيروس الأسدي لم يفتك بالسوريين وحدهم، بل فتك أيضا بالعالم الذي انحدر بجرائمه إلى مستوىً غير إنساني، قوّض جميع مرتكزات الإجماع البشري وأخلاقياته، وأغرقها في الهمجية التي صمت بعض المجتمع الدولي عليها، وانخرط بعضه الآخر بحماسةٍ فيها، وشارك في قتل آمنين وعزّل، باغتتهم وحشيتها، مثلما باغت فيروس كورونا البشر في كل مكان من عالم حلّت عليه “لعنة سورية”، وما بلغته الإنسانية من انحطاط، تعايش معه عتاتها الذين فتكوا بمن طلبوا حريتهم، ودمروا وجودهم وقوّضوا مجتمعهم ودولتهم وقدرتهم على العيش. ومثلما يفتك اليوم الفيروس بمواطني العالم بلا تمييز، ويغتالهم من دون رحمة، فتك فيروس الأسدية بالسوريين من دون تمييز، بعد أن أحكم قبضته على وجودهم قرابة نصف قرن، مزّقهم خلاله شر ممزّق باسم توحيدهم، واستعبدهم بذريعة منحهم الحرية، وانتزع اللقمة من أفواه أطفالهم باسم الاشتراكية. وها هو فيروس يستخدم فيروس كورونا ليُجهز على من نجا من براميله المتفجرة وصواريخه، وطائرات حلفائه الروس والإيرانيين، تنفيذا لأمر من قال في بدايات الثورة لبشار الأسد: أعدهم ستة ملايين، كما كان عددهم عندما “استلمهم” أبوك عام 1970!

فعل الكورونا الأسدي فعله تسعة أعوام من ثورة، شارك العالم خلالها في قتل السوريين بالسلاح من جهة، وبدم الفرجة البارد على موتهم من جهة مقابلة. وها هي دوله تدرك، وهي تستغيث، أن انقساماتها التي مكّنت للأسدية من الشعب السوري، ليست نقطة قوة لأي طرف منها، وأن الإنسانية تواجه الموت، لأنها لم تكن جسدا واحدا في مواجهة قتلة السوريين وموتهم الذي تغطي دلالاته الأخلاقية والسياسية الإنسانية بأسرها، وتخبر جبابرة زماننا أن أحدا لن يبقى آمنا، إن هو سمح بانتهاك حق غيره في الحياة والأمن، أو أسهم في انتهاكه، وتجاهل أن الرد على كورونا كالرد على الأسدية: ينجح بقدر ما يكون إنسانيا وشاملا، ويصدر عن بني البشر، بوصفهم جسدا مترابط الأجزاء، يضرب على أيدي القتلة بالسلاح، ليحصّنهم ضد موتهم بالأمراض، باعتبارهما معركةً واحدة هدفها حماية الإنسان من كل شر، بشريا كان أو طبيعيا، ومنع أيٍّ أحد من وضع نفسه أو سلطته ونظامه فوق أية قيم ومعايير أخلاقية وتشاركية، يرتبط مصير البشرية بها، وتكريس جهود العالم وذكائه لخير مواطنيه، وحفظ حقوقهم، وفي مقدّمها حقهم في الحياة الذي تتشارك جميع الفيروسات السياسية والمرضية في انتهاكه، وها هو كورونا يعلمنا أن استمرار البشرية يتوقف على تضامنها وما تنعم به من سلام، وأن التقدّم التقني لا يحصّنها ضد ما فيها من شرور من دون تضامن وإخاء، لو توفرا لنيويورك، عاصمة المال والتقانة، لواجهت كورونا خيرا مما تفعل!

بعد فيروسي كورونا، الأسدي والمرضي، سينهار العالم إن لم يذهب إلى نمط من التعايش التضامني، يضع حدا لمواقف من يقولون “اللهم أسألك نفسي”، و”لا شأن لي بجاري، قتل أو حرق”، ويفتح صفحةً جديدةً، لحمتها وسداها تضامن بلا حدود، فيه وحده إنقاذ بني الإنسان بأيديهم، مثلما يفعل اليوم الأطباء الصينيون والكوبيون والألبان والصوماليون الذين يواجهون الموت بأرواحهم، ليحموا حياة مواطني إيطاليا.

يذكّر كورونا جبابرة الليبرالية المتوحشة بالإخاء الإنساني الذي يدفعون ثمنا فادحا لتناسيه، ويريهم أنهم لا يسيطرون حقا على عالمٍ يغرقه الاستبداد في الدم، بينما تعاني بلدانهم من الهشاشة التي فضحها كورونا. وتتحدّى كورونا الليبرالية، وتؤكّد أنها لا تقل استهانةً بالحياة من الاستبداد الأدي. تُرى، ألم يحن الوقت لليبرالية إنسانية تنقذ شعوبها، وتنقذ البشرية من فيروس الاستبداد الذي فاق فتكه بشعب سورية فتك أي فيروس مرضي بأي شعب آخر؟

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا