في أقل من شهر..ثلاثة تطورات قد ترسم مشهداً جديداً في سورية

يشهد الملف السوري خلال هذه الأيام، تسارعاً مهماً في الأحداث والتطورات، فرضته الدول الإقليمية من جهة، والأطراف الفاعلة على الأرض من جهة أخرى، فضلاً عن صدامٍ ظهر للعلن، داخل بنية النظام، وتركيبته العائلية المُهدَّدةِ بالتفكك، بين رأسه بشار الأسد، وواجهة امبراطوريته الاقتصادية، رامي مخلوف.

وفيما يعتبرُ ظهور مخلوف بهذه الطريقة، حدثاً كبيراً للغاية، في نظامٍ لم تظهر خلافاتُ أقطابهِ إلى العلن، إلا نادراً جداً طيلة نصف قرن، فإن من شأن ذلك، بالتزامن مع أحداث تتسارع في تسلسلها الزمني، خلال أقل من شهر، أن يفرض مشهداً جديداً في سورية؛ خاصةً على المسار السياسي، الذي شهد سباتاً تاماً مؤخراً، على حساب العمليات العسكرية على الأرض، وانشغال العالم والدول الفاعلة بأزمة انتشار فيروس “كورونا”.

ومع دخول عام 2020، وتقلّص نسبة المساحات الجغرافية المشتعلة بالعمليات العسكرية، اتجهت الأنظار، إلى مسار “الحل السياسي”، وإمكانية المضي فيه، بعد تسع سنوات من الثورة السورية، وألمحت إلى ذلك الدول الفاعلة؛ خاصةً روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، واللتان ماتزالان تخوضان لعبة “شد حبل”، كخطوة لرسم خريطة سياسية وعسكرية جديدة للبلاد.

هجمة إعلامية روسية

التطور الأول الذي شهدته الأيام الماضية على صعيد الملف السوري، هو الهجمة الإعلامية الروسية على النظام، ورأسه بشار الأسد، والتي جاءت مفاجئة، وأعطت صورة عن حالة “تذمر” روسي من الأسد، واصفةً إياه بـ”الفاسد” اقتصادياً، وغير القادر على إدارة سورية في الوقت الحالي.

تصدّر الهجمة الروسية، وسائل إعلامية مقربة من “الكرملين”، بينها وكالات ومواقع إخبارية وصحف، ولعل أبرزها “وكالة الأنباء الفيدرالية”، إذ كانت السباقة بنشر المقالات المهاجمة لرأس النظام، وهي  مقالات غير مسبوقة بنبرتها الهجومية، وعبّرت بشكل أو بآخر عن “مرحلة طلاق” وصل إليها الحليف الروسي مع الطرف الذي يدعمه (نظام الأسد)، لتتبعها تقارير نشرتها صحيفة “برافدا” تحدثت فيها عن فساد نظام الأسد “الضعيف”، وكذبت روايته عن معارك البادية مع “تنظيم الدولة”، التي أعلن عنها أواسط أبريل/نيسان الفائت

“الأسد فاسد” بالعين الروسية..تأففٌ أم ابتزاز يسبق الاستثمار الجديد؟

ورغم عدم وضوح الأهداف الأساسية من الهجوم الإعلامي الروسي على نظام الأسد، حتى الآن، على خلفية الزخم الكبير من التحليلات، إلا أن الشيء الذي حظي بشبه إجماعٍ من المراقبين لتفاصيل الشأن السوري، هو فكرة أن الجانب الروسي أرسل من خلال هجمته عدة رسائل إلى رأس النظام، للضغط عليه وتحجيمه، بهدف تحصيل مكاسب، وخاصةً في القطاع الاقتصادي، الذي تحاول عدة شركات روسية، فرض هيمنتها الكاملة عليه، بعد سنوات من “دفع فواتير” العمليات العسكرية على الأرض.

بشار الأسد مع وزير دفاعه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين - (وكالة تاس)
بشار الأسد و وزير دفاعه مع الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم – ديسمبر/كانون الأول 2017 – (وكالة تاس)

إيران.. من اللجمِ إلى الطرد

التطور الثاني الذي شهده الملف السوري، في الأيام الماضية، هو التصريحات الإسرائيلية، المؤكِدَةِ مُجدداً، بدايةَ ما قالت تل أبيب سابقاً خلال 2020، مرحلة طرد إيران من سورية بشكل كامل، بعد الضربات المتسلسلة السابقة، الهادفة للجّمها فقط.

وفي 28  أبريل/نيسان الماضي، كان وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت قد قال لصحفيين في إذاعة “إف إم 103” رداً على سؤاله عن استمرارية الضربات الجوية في سورية: “أجعلوا آذانكم مفتوحة.. سوف تسمعون وترون بأعينكم.. سنستمر بضرب إيران وانتقلنا من مرحلة إيقاف التموضع في سوريا بشكل واضح وجذري إلى أن نخرجها بشكل كامل”.

وأضاف بينيت: “الجيش عندنا، جنباً إلى جنب مع نشاطه في مكافحة (كورونا)، لا ينام ولا يهدأ، بل ينفذ عمليات أضخم بكثير من الماضي وبوتيرة أعلى بكثير من الماضي. وهو يحقق النجاحات في ذلك”.

وجاء حديث وزير الدفاع الإسرائيلي قبل ساعات من قصف إسرائيلي استهدف مواقع لنظام الأسد في محيط منطقة السيدة زينب قرب العاصمة دمشق، وذلك كأول ضربة تستهدف هذه المنطقة.

ويعتبر تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد(الذي تحدث بمثله في فبراير/شباط الماضي) بشأن استراتيجية “محاربة إيران” في سورية، تحولاً جذرياً، بعد نحو أربعة أشهر من اغتيال قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد.

مرحلة ما بعد سليماني.. إسرائيل: بدأنا طرد إيران من سورية

وعقب تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي الأخير، استهدفت إسرائيل بعدة غارات جوية، مواقع عسكرية لنظام الأسد والميليشيات الإيرانية، أولها في محيط دمشق، ومن ثم في محافظة حمص والجنوب السوري، وصولاً إلى آخرها، اليوم الثلاثاء، في محيط مدينة حلب، وفي ريف مدينة دير الزور، بالقرب من البوكمال الحدودية.

جنود إسرائيليون في هضبة الجولان المحتلة - (رويترز)
جنود إسرائيليون في هضبة الجولان المحتلة – (رويترز)

تشقق البنية.. مخلوف “المُنهار”

إلى جانب التطورين السابقين، فرض رجل أعمال عائلة الأسد، رامي مخلوف،  مشهداً جديداً في سورية، خلال الأيام الماضية، بعد ظهوره بتسجيلين مصورين في “فيسبوك”، تحدث فيهما عن ضغوط يتعرض لها، لإبعاده عن المشهد الاقتصادي لسورية.

ومع وجود تكهناتٍ وتحليلاتٍ كثيرة حول الحدث، فإن المؤكد، أن ظهور مخلوف بهذه الطريقة، شَكلَ صفعةً إضافية لصورة و”هيبة” نظام الأسد، التي ترتجُ منذ سنوات، وتتهشمُ تباعاً؛ خاصة أنها تأتي في سياقٍ تتسارع فيه تطوراتٌ عديدة، وترشحُ فرضياتٌ؛ بينها تفككُ بنية التحالف العائلي للنظام.

إضافة لذلك، فإن مسألة مخلوف الحالية، تأتي وسط الحديث عن ترتيبات يقوم بها الجانب الروسي، للسيطرة على مفاصل الاقتصاد، وإبعاد الشخصيات المعاقبة دولياً، والتي تقف كعقبة كبيرة في سبيل التقدم خطوة للأمام.

رامي مخلوف ورأس النظام السوري بشار الأسد - (متداولة)
رامي مخلوف ورأس النظام بشار الأسد – (متداولة)

ويقول مسؤولون غربيون، إن مخلوف لعب دوراً كبيراً في تمويل الأسد خلال “الحرب”، ما اقتضى تشديد العقوبات الغربية عليه، وهو أمر أكده بنفسه في التسجيل المصور الأخير، قائلاً: “هل أحد يتوقع أن تأتي الأجهزة الأمنية على شركات رامي مخلوف.. اللي هي أكبر داعم للأجهزة الأمنية، وأكتر راعي لهم أثناء الحرب؟”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا