في معوقات تحقيق “الحلم الصيني” للأسد

من المستبعد جداً، أن يهنأ رأس النظام السوري، بشار الأسد، قريباً، بانضمامه إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وقد يكون من المبالغة الرهان على نجاح الأسد في موازنة دور “الدب الروسي” في بلاده، بدورٍ لـ “التنين الصيني”. كما أنه من المرجح أن يفشل في استغلال ما وُصف بـ “دخول صيني” إلى سوريا، في تخفيف عبء تحالفه مع إيران، الذي يُكلّفه خسارة فرص إعادة الإعمار بأموالٍ خليجية، ويحرمه إمكانية الولوج إلى مصالحة نهائية مع الغرب، و”جاره” الإسرائيلي. ناهيك عن أنه لن يستطيع جذب استثمارات صينية نوعية إلى مناطق سيطرته، وتحويلها إلى استثمارات محققة على الأرض.

فتحوّل الانضمام “الأسدي” إلى “طريق الحرير” الصيني، من حالة نظرية موجودة على الورق، ومجرد نوايا صادقة من الطرفين، إلى انضمام فعلّيٍ يتمثّل بربط الطرق البرية والموانئ البحرية، والانخراط الحقيقي في عالم الاستثمار الصيني.. هذا التحول، تعوزه مقومات، وتنال منه تحديات، قد يكون أبرزها، ما يحدث منذ أكثر من سنة ونصف في البادية السورية.

إذ أن مراجعة الأخبار خلال أسبوع منصرم، فقط، توضح لنا أن تلك البقعة الشاسعة من الجغرافيا الجرداء، تحولت إلى ثقب أسود يبتلع المقاتلين الموالين للنظام، وأولئك الموالين لإيران أيضاً. في حين تذهب مئات الغارات الجوية الروسية، هباءً.

وفيما تستمر المناكفات بين أطراف التحالف الأسدي – الإيراني – الروسي، على تراب البادية السورية، بين اتهامات لميليشيات الدفاع الوطني بالانشغال في تجارة الدخان والحشيش والحبوب المخدرة، وبين خلافات ورفض للمؤازرة من جانب مقاتلي حزب الله والميليشيات الإيرانية، وصلت إلى حد اشتباكات مع الفرقة الرابعة، دون أن ننسى التمرد الثاني من نوعه خلال أقل من سنة، للواء الثامن، بقيادة أحمد العودة، ضد الراعي الروسي، ورفض الانخراط في معارك البادية.. في حين يستمر كل ما سبق، تزداد ضربات تنظيم “الدولة” تواتراً ونوعيةً. ويبدو وكأنها “باقية وتتمدد”.

فمنذ آذار/مارس 2019، تاريخ وضع الخاتمة لـ “دولة الخلافة” المزعومة، في الباغوز، وحتى اليوم، سقط قرابة 2000 قتيل من النظام والإيرانيين والمحسوبين عليهم، في هجمات متفرقة للتنظيم، الذي يعتمد حرب عصابات مُكلفة، تستنزف النظام وحلفاءه بصورة تبدو وكأنها مستديمة.

ففي مطلع العام الجاري، أطلقت موسكو حملة جديدة، تمثلت بضربات جوية غطت من خلالها مقاتلي النظام في بوادي الرقة ودير الزور، أثناء ملاحقتهم لخلايا التنظيم. وقد يكون من غير المجدي، تعداد المرات التي أعلنت فيها موسكو عن حملة جديدة ضد التنظيم. فمنذ أواخر آب/أغسطس 2020، وموسكو تطلق حملات جديدة، بشكل متكرر، تبدأ باندفاعة ملحوظة ومعنويات مرتفعة، قبل أن تنتكس مجدداً.

ورغم أن النظرية التي تقول إن روسيا تستخدم في حربها على التنظيم في البادية السورية، غطاءً للحد من تمدد إيران، التي هي الأخرى، تستخدم ذات الذريعة للتمدد في تلك البقعة الحيوية، اقتصادياً واستراتيجياً.. تلك النظرية، تحمل جوانب من الدقة، لكنها في الوقت نفسه، تغفل حقيقة أن الأطراف الثلاثة، النظام والروس والإيرانيين، يتعرضون للاستنزاف، في البادية.

فالتنظيم يستفيد بذكاء من تناقضات النظام وحلفائه، وصراعاتهم البينية. ويستفيد أيضاً من صراعات الإيرانيين والروس والأميركيين، وصولاً إلى العراق. ولا يبدو أن اتهامات النظام للأميركيين، بدعم التنظيم في سوريا، وفق نظرية مفادها أن مجموعاته تنطلق من منطقة التنف التي تحظى بغطاء أميركي.. لا تبدو اتهامات تحمل درجة مقبولة من الجدّية. إذ يمكن الاستشهاد بآراء خبراء عراقيين، مفادها، أن التنظيم حصل على جرعة منشطة جراء تقليص النشاط العسكري الأميركي في العراق وسوريا، خلال العام 2021. تحديداً، مع تحول مهام الجنود الأميركيين في العراق من قتالية إلى استشارية فقط.

ما سبق، يطرح تساؤلاً حول مدى إمكانية تطبيق مشروع “الحزام والطريق” الصيني، في سوريا. فمن أين ستمر الطرق البرية والسكك الحديدية التي ستحمل بضائع الصين إلى أوروبا، عبر سوريا؟! من الجزيرة السورية؟ هناك نجد التحدي الأميركي، ونظيره الروسي، ما يزالان ماثلين أمام أي تمدد صيني محتمل. أم من البادية السورية؟! هناك نجد تحدي التنظيم الذي يجعل من أية مشاريع استراتيجية مضيعة للوقت. هذا إن اكتفينا بمعضلة البادية السورية، ولم نتناول معضلة الموقف الإيراني والروسي من التمدد الصيني في سوريا. فالطرق التي يجب أن تمرّ عبر سوريا، يجب أن تمرّ أولاً من إيران والعراق، مما يعني أن إيران يجب أن تعطي الضوء الأخضر لذلك. أما ربط الموانئ، فيتطلب استقلالية للأسد في إدارتها. ونحن نعرف بأن أبرز ميناءين، “طرطوس – اللاذقية”، ليسا في قبضة الأسد فعلياً. فميناء طرطوس محسوم للروس. فيما ميناء اللاذقية ما يزال موضع تجاذب روسي – إيراني. ويبدو أن موسكو حققت تقدماً ملحوظاً في مساعيها للاستحواذ على ميناء اللاذقية مؤخراً، بعد الضربة الإسرائيلية الثانية له، إذ بات هناك وجود عسكري روسي مباشر، فيه، بذريعة حمايته من الضربات الإسرائيلية. وهذا يعني، خسارة مبدئية، لموطئ القدم الإيرانية على ساحل المتوسط. مما يعيد الأسد إلى الحلبة الروسية، التي يريد الخروج منها، أو موازنتها بالثقل الصيني، على أقل تقدير.

وهكذا، وبناء على ما سبق، يمكن الرهان على أن التهليل الإعلامي المكثّف بـ “الدخول الصيني” إلى سوريا، مجرد مبالغات، ينقصها الكثير من التدقيق في الوقائع على الأرض. فالصين، التي كان أعلى اتصال دبلوماسي من جانبها، مع الأسد، على مستوى وزير الخارجية، في زيارة هلل لها النظام كثيراً، في تموز/يوليو الفائت، يمكن لها أن تعقد الصفقات النظرية، بانتظار نضوج الظروف الموضوعية لتنفيذها. لكن في حال عدم نضوج تلك الظروف، فهي تملك البدائل، إذ يمكن لـ “طريق حريرها” أن يمر عبر تركيا، مثلاً، بدلاً من سوريا. فما دام المشهد السوري غير مستقر أمنياً وسياسياً، سيبقى غير جذّابٍ لأي استثمارات كبيرة، وحقيقية، على الأرض. وستبقى كل تلك الصفقات، في معظمها، حبراً على ورق.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا