قضايا المنطقة عشية زيارة بايدن.. سورية غائبة والطاقة أولاً

تعدّدت أسباب زيارة الرئيس الأميركين جو بايدن إلى المنطقة، من دعم إسرائيل، إلى إعادة النظر في الاستراتيجية الأميركية للمنطقة، وضرورة إنجاز تعهدات أميركية بالدفاع عن أمن المنطقة وكاتفاقات رسمية، إلى زيادة واردات الطاقة إلى السوق العالمية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع الأسعار في المواد الأساسية في الأسواق، ولا سيما الطاقة والغذاء، وارتفاع التضخم والركود.

موارد الطاقة في الخليج

الدافع الأساسي للزيارة نتائج الحرب الروسية وما أحدثته من تغيرات عالمية، أبرزها تجديد قيادة الولايات المتحدة العالم وضبط السياسات الأوروبية والعالمية في المواجهة الحاصلة في أوكرانيا وفي الموقف من الصين. وجديد التطورات أخيرا ما أعلنته قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدريد أن روسيا أصبحت التهديد المباشر للحلف، ولم تعد الشريك المحتمل، كما كان الأمر في اجتماع “الناتو” 2010، وضرورة إيجاد البديل للطاقة الروسية؛ وهذا هو السبب المباشر للزيارة.

ضرورة زيادة كميات موارد الطاقة هي الأساس، حيث استخدمت روسيا الطاقة وسيلةً للضغط على أوروبا للاعتراف باحتلالها قسما كبيرا من أوكرانيا، ولفضّ التحالف القوي بين أميركا وأوروبا، ولرفع العقوبات عنها. وبالتالي، قَلّصت من تصديرها الغاز والنفط. صحيحٌ أن إيران تحوز احتياطيا كبيرا من موارد الطاقة، ولكن تعقيدات الاتفاق النووي، وعدم الوصول إلى حلٍّ نهائي بشأن المفاوضات المتعثرة، وحتى في اجتماعات الدوحة. وبالتالي، لا يمكن أن تكون إيران بديلاً عن السعودية وكل دول الخليج بخصوص الطاقة. فقط توقيع الاتفاق النووي من جديد قد يحقّق مصلحة الغرب وإيران في قضايا كثيرة، وحينها ستستغل طهران، بالتأكيد، اللحظة المناسبة هذه، وتضخّ كميات كبيرة من موارد الطاقة، وتملأ خزينتها الفارغة من العملة الصعبة، وهذا متعذّر حالياً. إذاً، ليس هناك بالمعنى الفعلي إلا موارد الخليج، ولا سيما أن البنية التحتية لموارد الطاقة جاهزة لزيادة الإنتاج مباشرة. ولكن هل دول الخليج مستعدة لتلبية رغبات الرئيس بايدن، وقد خذلها في حرب اليمن، وترك إيران تتمدّد في المنطقة، عدا أن تلك الزيادة تتناقض مع اتفاقيات “أوبك” والعلاقة مع روسيا، ولنقل أي زيادة كبيرة تستدعي الاتفاق مع الروس، وهذا يعني أن أميركا تريد إبعاد دول الخليج عن روسيا وإيجاد أسباب قوية للخلاف.

غياب الاستراتيجية الأميركية المتكاملة

من المهم هنا أن نتذكّر أن الأردن رفضت حلف بغداد في الخمسينيات، رغم علاقتها الوثيقة ببريطانيا حينها، فهل تفعل الشيء ذاته دول الخليج. هذا يعني أن تصوير العلاقات بين الإدارة الأميركية ودول الخليج علاقة تابع بمتبوع غير صحيحة بالكامل، والأدق أن هناك علاقات متعدّدة المستويات، ومن مصلحة الطرفين تعزيزها، وأن تحفظ الولايات المتحدة أمن الخليج، فتحفظ بذلك موارد الطاقة وتلبية السوق الدولية وإسرائيل ودول الخليج. أخلّت أميركا بذلك منذ حربها على العراق 2003، وتبنّت سياسة محاربة الإرهاب “الإسلامي”، ومنذ حينه، شعرت دول الخليج بضرورة قيام علاقات أكثر تنوعاً مع الدول العظمى، ونتجت عن ذلك علاقاتٌ قويّة مع روسيا والصين والهند وسواها. رغم ذلك، ظلّت العلاقة الخليجية الأميركية الأقوى؛ المشكلة تكمن في غياب استراتيجية ثابتة ومتكاملة “اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وسيبرانياً” في تلك العلاقة من جهة أميركا، ورغبة الإدارة الأميركية في فرض إسرائيل أقوى دولة في المنطقة وعليها، وضرورة الاعتراف بها، بغض النظر عن “حل الدولتين”، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وهذا فحوى اتفاقيات أبراهام والتنسيق العسكري والأمني الواسع جداً بين أميركا وإسرائيل والإمارات والبحرين، وهذا ما لم تقبله كل من مصر والأردن، وهي تقيم اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. وهذا بالضبط ما ساعد إيران في توظيفها الورقة الفلسطينية في إطار سياساتها عن المقاومة والممانعة، واشتدّ استخدامها هذه الورقة بعد 2011؛ عام الثورات الشعبية في المنطقة العربية.

دبلوماسية نشطة

انعكست آثار الحرب الروسية على منطقتنا إذاً، وبدأت الاستراتيجيات العالمية بالتغيّر، ويتأثر بها العالم بأكمله. استبقت زيارة بايدن زيارات كثيرة في المنطقة، بقصد إيجاد صيغ للتنسيق. وهناك حراك دبلوماسي كبير في المنطقة، ولكن وفي حالة كانت إيران تستعد لرفض تعزيز العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وتتخوف من العلاقة التركية الإسرائيلية، كانت زيارات الآخرين بقصد إيجاد مواقف أكثر عقلانية في السياسة الأميركية، ودفعها إلى عدم تجاهل مصالح دول المنطقة في السياسات الأميركية؛ ونضيف، ففي الوقت الذي اتجهت السعودية إلى تشكيل رؤية قوية لبعض دول المنطقة، تكون حصيلتها تعزيز العلاقة مع الإدارة الأميركية أو مواجهة السياسات الخاطئة لتلك الإدارة، وأن ذلك يتطلب دعمها في إيجاد حلٍّ لموضوع اليمن، وفي تحجيم الحضور الإيراني في المنطقة، وفي التخفيف من الانتقادات الأميركية لأوضاع حقوق الانسان في السعودية، وإغلاق ملف جمال خاشقجي، اتجهت الدبلوماسية القطرية نحو سياسة أكثر عملية تجاه القضايا المتأزمة في دول كثيرة، واستضافت حوارات عميقة بين المتصارعين في دول كثيرة، واجتهدت في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران بخصوص الموضوع النووي. واتجه العراق إلى تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، واتجهت الأخيرة إلى التقريب بين نظامي دمشق وأنقرة، ولا سيما تجاه أكراد سورية، والاعتراف بالنظام، وهو ما تفعله روسيا بشكل مستمر، وهذه شائكة للغاية؛ وهناك إسرائيل الأكثر حزماً ضد إيران، مع تعزيز التنسيق الأمني بين دول المنطقة، ورفض الاتفاق النووي وضرورة عزل نظام طهران. وتستفيد تركيا من الحركة الدبلوماسية النشطة في المنطقة، من أجل تشكيل رؤية سياسية متقاربة و”حيادية” إزاء سياسات موسكو أو واشنطن، وبما يعزّز دورها، ولا سيما أنها اتجهت نحو علاقاتٍ قوية مع إسرائيل والسعودية والإمارات، وتحاول إعادة العلاقات مع مصر، ولديها علاقات قوية مع قطر، وليست متأزمة مع إيران.

سياسات جديدة للمنطقة

يأتي بايدن والمنطقة بحاجة إلى سياسات جديدة، ولديها أولوياتٌ كبيرةٌ وموضوع زيادة تصدير الطاقة ليس قضيتها الأساسية، بل ليست تلك الزيادة في مصلحتها، حيث ستنخفض الأسعار، وستتضرّر علاقاتها بصورة كبيرة مع روسيا أولاً والصين ثانياً. وبالطبع، ستستفيد إيران من ذلك، وستقوّي صلاتها مع الصين وروسيا. بالتأكيد، ليس خافياً هذا على الإدارة الأميركية، ولكنها تنظر إلى السياسة في المنطقة انطلاقاً من استراتيجيتها الخاصة بها، والتي كانت تتركّز قبل حرب روسيا على الصين، والتخفيف من الحضور في منطقتنا لصالح “توريث” المنطقة لإسرائيل وإيران وتركيا لتتقاتل في ما بينها وتهشّم بعضها، حيث من الصعب إيجاد توافق بين الدول الثلاث؛ تتفق هذه الدول، وإن بشكل غير مباشر وليس عبر تحالفٍ يجمعها، على إضعاف الدول العربية وشطب حقوق القوميات في إيجاد دولها القومية، وفي مقدمتها الكرد. المقصد هنا أن هناك سياسات مختلفة لدول المنطقة ولأميركا، فهل يمكن التوصل إلى سياسات جديدة تعزّز من دور دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج، وحل مشكلات اليمن وليبيا وسورية، وبما يعيد التوازن لعلاقات إيران وتركيا وإسرائيل في المنطقة العربية.

تقلص من فرص إعادة التوازن الانقسامات بين الدول العربية، التي وإن خفّت حدتها إلّا أنّها لم تنته، ولم تتبنَ سياسات تحالفية بما يقوي موقعها في المنطقة إزاء سياسات الدول العظمى، وبالتحديد الولايات المتحدة. الأسوأ من هذه الانقسامات خضوع كل من العراق وسورية ولبنان لإيران، واليمن بحدود معينة، ووجود شراكة تسيطر فيها إسرائيل على كل من الإمارات والبحرين، وغياب دور مصري جاد، والأخير لم يستطع تبنّي موقف صلب تجاه سد النهضة في إثيوبيا، حيث تتحكّم الأخيرة في مياه النيل من دون مشاورات حقيقية مع مصر والسودان. ويشهد المغرب العربي انقسامات حادّة، بين المغرب والجزائر، وتونس مبتلاة بقيس سعيّد وحلمه في أن يصبح ديكتاتورياً رغم شدة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وليبيا خارج أي تأثير، كما سورية. الأردن ونظاما رام الله وغزة غير قادرين على فرض معادلة جديدة ضد إسرائيل، أو التخفيف من أخطار اتفاقيات أبراهام، وكذلك غير قادرين على التحالف في ما بينهما.

الضعف العربي الشديد، وغياب دور مركزي عربي، والذي كان يشار إليه بالتقارب بين بغداد والقاهرة ودمشق ويمكن إضافة الرياض، يعني أن مجال الرفض الجاد للسياسة الأميركية ليس كبيراً، وستحاول الإدارة الأميركية فرض شروطها على السعودية والإمارات خصوصا؛ ولكن دول الخليج يمكن أن تستمر في سياسة “الممانعة” كما فعلت منذ بداية الحرب على روسيا. تستطيع السعودية والإمارات رفض مطالب واشنطن، وأن تُفشِلا جولة بايدن، وبما يدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في سياساتها بصورة أفضل، وهذا يتناسب مع اتجاهاتٍ سياسيةٍ في الإدارة الأميركية ليست متوافقة مع بايدن، وتأتي ضرورة إعادة النظر، واستقطاب دول الخليج، بسبب أن روسيا والصين تتجهان نحو تشكيل معسكر عالمي، كما تفعل أميركا وأوروبا، وبدء الحرب على أوكرانيا، عبر حلف “أوكوس”.

بدائل الخليج لدى الإدارة الأميركية هي الطاقة لدى إيران بصفة خاصة، وهذا يقتضي أن تقدّم الإدارة أيضاً سياساتٍ للتوافق مع طهران، وليس أقلّها حذف اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، والإفراج عن المليارات المحتجزة، وعقد الاتفاق النووي، وربما الصمت عن تمدّدها الإقليمي في المنطقة، وعلى حساب دولها، ومنها إسرائيل، ولجم الأخيرة بصورة تعسّفية، حيث تحاول، بكل السبل، إفشال الاتفاق النووي وإحكام الخناق على نظام طهران؛ وهناك تحليلاتٌ تؤكد أن الحرب بين إسرائيل وإيران حاصلة في الأشهر المقبلة. ليس الأمر سهلاً على الإدارة الأميركية في إعادة التوازن إلى المنطقة وإعادة دورها كذلك، ولكن هذا هو الخيار الصحيح لمواجهة روسيا والصين والتأزم في العلاقات الدولية واستقطاب الخليج ودول المنطقة من جديد.

المشكلة الأكبر لدول المنطقة هي البرنامج النووي الإيراني بالتحديد، وإمكانية نجاحه في إنتاج قنبلة نووية، وهذا سيقود إلى سباق تسلّح كبير في المنطقة، أكثر مما هو حاصل، والعمل من أجل امتلاك قنابل نووية “عربية”، وربما تركية، وهناك السلاح النووي الإسرائيلي. وبالتالي، سيتعقد المشهد كثيراً، ولن يلقى رفضاً من روسيا والصين، بل تحالفاً واستثماراً والمساهمة في صناعة البرامج النووية الجديدة وكذلك الصواريخ الباليستية.

الأزمة الاقتصادية

ما يضع العراقيل أمام الرئيس بايدن أنه يأتي إلى المنطقة، وإلى السعودية تحديداً، وخلفه أزمة اقتصادية تزداد ضراوة؛ فالركود يتسارع في الغرب، وإغلاق المعامل يشتد، وهناك جمود الأجور قبالة الأسعار التي ترتفع يومياً، وهناك الاحتجاجات العمالية والشعبية التي بدأت. ولا يحتمل الوضع الدولي هذا طويلاً؛ فستة أشهر على الحرب، وحدث ما ذكرنا، فكيف إذا انتصر بوتين في شرق أوكرانيا، وتعزّزت العلاقة بين روسيا والصين، وكيف إن بدأت المعارك الجانبية في بعض المناطق المتاخمة لحدود روسيا. إذا تبنّى حلف الناتو سياسة معادية لروسيا، بسبب حربها الهمجية على أوكرانيا، والاستمرار بها يعني أن الغرب في حاجةٍ إلى سياسات جديدة. أوجزنا بعض ملامحها أعلاه، وبعض مصادر قوتها وقوة موقف بايدن بسبب الانقسامات العربية، ولن نتحدّث عن الأزمات الكبيرة داخل كل من إسرائيل وتركيا وإيران، حيث تهرب منها نحو فرض هيمنتها على المنطقة العربية “المفكّكة”، وهناك أشكال من الهيمنة تختلف باختلاف هذه الدول كذلك؛ وهذا يضعف الدول المهيمنة على المنطقة العربية.

تستطيع السعودية، وقد حسّنت علاقاتها مع قطر وتركيا والأردن، أن تفرض بعض شروطها، ولكنها تظل ضعيفة إزاء الولايات المتحدة. لن يجتمع بادين مع ملك السعودية وولي عهدها فقط، بل مع كل زعامات الخليج، ومع قادة العراق والأردن ومصر، وهذا يتطلب من تلك الدول رؤية مشتركة، يحول دونها ضعف هذه الدول وانقساماتها وغياب رؤية استراتيجية للنهوض بالمنطقة. إن تعدّد مراكز القوى العربية وتفكك بعضها وانقساماتها جعلها ضعيفةَ أمام إسرائيل وإيران وتركيا، بل وحتى إثيوبيا، فكيف ستكون قوية إزاء مطالب الرئيس الأميركي.

عناصر قوة زعماء الدول التي ستلتقي بايدن تكمن في العوامل التي دفعت الرئيس الأميركي إلى الزيارة، بينما كان قبل حرب روسيا يتابع سياسات أوباما وترامب في التخفيف “والانسحاب” من المنطقة، ويجاهر بانتقادات واسعة لولي العهد في السعودية ولقادة هذه الدولة، وأنه سيجعل منهم منبوذين دولياً، بل وتركت الإدارة الأميركية السعودية في المستنقع اليمني، ورفضت مدها بالسلاح الضروري للمعركة هناك. وبالتالي، يمكن لدول الخليج أن تبنى سياسات جادة تنطلق من مساعدة الإدارة في إيجاد حل للموضوعات، اليمني والسوري والليبي، وضرورة سحب إيران مليشياتها من المنطقة، ورفض وجود أي بنية تحتية تؤدّي إلى إنتاج القنبلة النووية والتهديد بقصفها، وتقييد التنسيق مع إسرائيل والتقدّم بالمسار الفلسطيني، وإيقاف بناء المستوطنات، والتراجع عن ضم الجولان إلى إسرائيل. وقبالة ذلك، يتم رفع كميات تصدير الطاقة إلى الأسواق العالمية، والمساهمة في تخفيف الأزمة العامة في الغرب، وفي الوقت ذاته، فرض عزلة حقيقية على روسيا، وهذا ما سيدفع الصين نفسها إلى إعادة حساباتها وتحديد شكل جديد للعلاقة مع روسيا، وبما لا يجعلها تخسر العلاقة مع السوق الأوروبية والأميركية، وحتى العربية.

الحرب الروسية وما أحدثته من مقاطعة وخلافات حادّة مع الغرب لن تتراجع في الوقت القريب. سيستمر هذا الحال، ولو تم التوصل إلى إيقاف إطلاق النار في أوكرانيا، وهذا ما يجري التداول بشأنه، ولكن ليس بصورة جادّة. هذا الواقع، وتراجع العلاقات بين روسيا وإسرائيل وبين روسيا والسعودية والإمارات، وتوقف التطبيع العربي مع النظام السوري، وإعادة العلاقات بين عواصم كل من الدوحة والرياض وأبوظبي والقاهرة وأنقرة، يسمح بإعادة التوازن إلى العلاقات بين أنظمة هذه العواصم والإدارة الأميركية، والقضية الآن أن تتوصل الدول المجتمعة في السعودية إلى اتفاقيات، تستفيد منها دول المنطقة والإدارة الأميركية ذاتها.

سورية خارج التفاوض

ما هو موقع سورية على طاولات لقاءات الرئيس الأميركي بايدن في إسرائيل والسعودية؟ عالجت تحليلات كثيرة موضوع الزيارة، ولم تطرح المشكلة السورية، رغم أن الوضع السوري لا يمكن تجاهله. تحليل مواقف الإدارة الأميركية إزاء سورية، نظاماً ومعارضة، ودولاً متداخلة فيها، يسمح لنا باستنتاجاتٍ في شأن ذلك الموقف. مساعدة الإدارة بإيجاد حلٍّ لهذه المشكلة ستقوّي من فكرة التوازن وعودة أميركا إلى المنطقة.

غياب موقف أميركي جاد من روسيا وإيران والنظام السوري منذ 2011 هو الاستراتيجية الحقيقية للإدارة الأميركية. المقصد إن ذلك الغياب يتضمّن الاعتراف بأدوار الدول أعلاه في الوضع السوري. أكثر من ذلك، هناك تنسيق روسي أميركي يخص العلاقات بين الجيوش الروسية والأميركية والإسرائيلية بموضوع سورية. وهناك من يؤكّد أن روسيا دخلت إلى سورية بموافقة أميركية وأوروبية، وليس فقط باستدعاءٍ إيراني، ومن نظام دمشق. موقف الإدارة من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومجلس سورية الديمقراطية (مسد)، الإيجابي والداعم، ليس متوافقاً مع رؤية “قسد”، وبالتأكيد لن يكون على حساب تركيا بشكل كامل، ولهذا نراها تسمح بتمدّد تركيا تارّة وإيران والنظام تارّة إلى مناطق سيطرة “قسد”. وأخيراً، وبسبب ضعف الموقف الأميركي تشكلت غرفة عمليات مشتركة بين “قسد” والنظام السوري، للرد على عملية عسكرية تركية محتملة. أن يتحقّق ذلك كله، يعني أن الإدارة الأميركية غير جادّة بالبحث عن حلٍّ سياسيٍّ، وتتقصد استنقاع الأوضاع أكثر فأكثر، فهل يتغيّر موقفها مع التغيرات الكبيرة في العلاقات الدولية. ظهر أخيرا أن مصر والسعودية وقطر تتمسّك بعدم التطبيع مع النظام السوري، ومحاولة الأردن في التطبيع فشلت، وتتعثّر محاولات الإمارات كذلك؛ وتظلّ المشكلة في غياب موقف أميركي جاد من قضايا المنطقة، وليس سورية فقط.

لم تعد للمعارضة السورية قيمة واعتباراً، وكتلة كبيرة من الفصائل أصبحت تابعة لتركيا، ومنها ضمن “قسد” وتابعة للأميركان، ومنها تتحالف مع هيئة تحرير الشام. وبالتالي، لا مكان لسورية على طاولة التفاوض الخليجية، ولن تستطيع دول الخليج طرحها قضية هامة كذلك. ظهرت سورية في أحاديث الإدارة الأميركية، أخيرا، بسبب الموقف التركي المتشدّد ضد “قسد”، وضرورة إشراك السويد وفنلندا في حلف الناتو، والسماح للأتراك بشنّ عملية عسكرية تجاه منبج وتل رفعت، وهي مناطق تسيطر عليها “قسد”. تُناقِش إسرائيل الموضوع السوري بسبب الوجود الإيراني في سورية، وليس بسبب الكارثة التي تعيشها سورية، أو من أجل تغيير النظام.

مشكلات سورية إذاً غير مطروحة في الرياض، ومطروحة فقط على أرضية مصالح الدول المتدخلة في سورية؛ أي أن دول الخليج ستطرح موضوع سورية كما العراق واليمن ولبنان، باعتبارها دولاً تتدخل فيها إيران، ويجب إخراجها منها. التحالف بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين يسمح بالضغط على أميركا لعزل إيران ورفع شروط الاتفاق النووي. يرتبط الأمر بدوره بمجريات اجتماعات بايدن في المنطقة، وكذلك بنتيجة المشاورات في الدوحة بين الإدارة وإيران بخصوص الاتفاق النووي.

أفكار للتأمل

إذاً هناك خلافات كبيرة بين الإدارة الأميركية ودول المنطقة بما فيها إسرائيل، ولدى كل من هذه الدول مشكلات كبرى مع تلك الإدارة، وأي سياسات مشتركة بين الطرفين ستكون على حساب المعسكرين الصيني والروسي، وبالتأكيد في مواجهة سياسات إيران. .. العالم ينقسم إلى معسكرين إذن؛ موضوع الطاقة ضاغط بشكلٍ كبير على الإدارة الأميركية، فهل ستتبنّى الأخيرة استراتيجية جديدة متكاملة للمنطقة، وبعيداً عن عقلية الهيمنة والتبعية، أم أن الأزمات التي تعتمل في أميركا وأوروبا لا تسمح لها بغير تلك العقلية.

لن تكون زيارة بايدن مريحة له، وقد استبقها بمقالٍ في صحيفة واشطن بوست، أعلن فيه عن “تعزيز الشراكة الاستراتيجية” مع السعودية، ولكنه أكد عدم تخليه عن منظومة حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأميركية، أي أن تعثّر مفاوضاته في المملكة سيدفعه إلى فتح سجل حقوق الإنسان ومقتل جمال خاشقجي. رغم ذلك، على الأرجح، لن يفتح الرئيس الأميركي هذا الموضوع؛ فمشكلته تكمن في تشكيل معسكر عالمي مواجه لروسيا، والتخفيف من أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية والغذائية، وليس في مواجهة مشكلات المنطقة، وقد جاءت عليها السطور أعلاه، ويضاف لها تراجع الثقة في السياسات الأميركية الداعمة لها، وبالتالي، هل ستصل الأطراف التي ستجتمع في تل أبيب وفي الضفة الغربية وفي السعودية إلى تلك الشراكة الاستراتيجية وتعزيزها، وهذا يتطلب تغيرات كبرى في السياسة الأميركية.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا