كيف أفرحت طالبان الأسد وخصومه معاً؟

ينقل إعلام الأسد فرَحَ حلفائه الروس والإيرانيين بالتطورات الأفغانية، وشماتتهم بالانسحاب الأمريكي أو بالطريقة التي حدث بها، ما يعكس ابتهاج الأسد بما حدث. في جهة الخصوم، أصدر المجلس الإسلامي السوري “بيان تهنئة للشعب الأفغاني بطرد المحتل”، مع تأكيد البيان على أن “مشاريع التحرير لا بد أن تعكس هوية الأمة وثقافتها”. في إدلب، حيث اليد الطولى لهيئة تحرير الشام “النصرة”، وُزِّعت الحلويات احتفالاً بالنصر، وأرسل الجولاني تهانيه لقادة طالبان. أما صمت ائتلاف المعارضة فتقابله نسبة كبيرة من المعارضين المحتفلين على وسائل التواصل الاجتماعي، بعضهم من منطلق إسلامي وبعضهم مدفوع بعداء دائم لأمريكا، من دون استثناء الناقمين على أمريكا بسبب عدم نصرتها السوريين ضد الأسد.

يمكن القول أن المبتهجين نوعان، قسم فرِحٌ لأجل طالبان وما تمثله أيديولوجياً، وقسم فرحَ بما يراه هزيمة أمريكية، وأفرحته طالبان بسرعة تقدمها وسيطرتها على نحو يراه مُذِلاً للقوة الدولية الأعظم. من الطريف مثلاً أن يجتمع إعلام الأسد وبيان المجلس الإسلامي السوري “المعارض” على إبراز مصير “عملاء” أمريكا، أو عملاء المستعمر حسب وصف المجلس الإسلامي السوري الذي يعود للتأكيد على أن مصير أعوان المحتل الخزي والعار في الدنيا قبل الآخرة. وإذا كان ختام بيان المجلس يشير إلى الاحتلالين الروسي والإيراني في سوريا فإن إعلام الأسد يستغل المناسبة للتركيز على الاحتلال الأمريكي وكيفية تعامله مع عملائه، وللتصويب على قسد والإدارة الذاتية الكردية اللتين تحظيان بمظلة أمريكية.

إلى جوار ابتهاج الغالبية العربية “موالاة ومعارضة”، من المنطقي أن يشعر الأكراد بالقلق بسبب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، القلق من مبدأ الانسحاب وأيضاً من الطريقة عديمة الرحمة بالأفغان المحسوبين على واشنطن لسبب أو لآخر. القلق الكردي ليس جديداً، فقد أعلن ترامب من قبل عن نيته الانسحاب من سوريا، قبل أن يستقر على سياسة البقاء ضمن هدفين؛ التصدي لداعش والسيطرة على مواقع النفط، لا طمعاً في الأخيرة وإنما استكمالاً للعقوبات الأمريكية على الأسد. مجيء بايدن، رغم تعاطف أوساط الديموقراطيين مع الأكراد، أعاد القلق السابق مع سحب هدف السيطرة على مواقع النفط والإبقاء على التصدي لداعش كهدف وحيد للوجود الأمريكي، يُعزز من القلق أن إدارة بايدن لم تعلن حتى الآن أية خطة تتعلق بسوريا، ولم تعين مبعوثاً لها، على رغم العديد من المطالبات الداخلية بذلك ومنها مطالبات من الكونغرس ومجلس الشيوخ.

تصريح بايدن الأخير أن سوريا، بسبب داعش، تشكل خطراً على الولايات المتحدة أكثر من أفغانستان لا يبدد القلق أو الشكوك حول مصير تواجد قواته في سوريا. لقد أعلن ترامب يوماً أن القوات الأمريكية أنجزت مهمتها، ولم يعد داعش يشكل خطراً على بلاده، وعليه قرر يومَها سحب تلك القوات القليلة أصلاً. اليوم أو غداً، ليس هناك ما يمنع بايدن من فعل المثل، كأنْ يصرح بأن تهديد داعش انتهى، أو لم يعد له وجود في سوريا، ولم يعد من مبرر لبقاء قواته تالياً. بل إن المنطق يستوجب الوصول إلى هذه النتيجة، فإذا كانت القوات الأمريكية تنسحب من العراق “معقل داعش” فمن الأولى أن تنسحب من سوريا، ولا يتغير الاستنتاج إذا كان الانسحاب متصلاً بمغازلة طهران قبل أي اعتبار آخر.

موقف بشار وحلفائه وأنصاره من الوجود الأمريكي مفهوم، فهو يطمع في السيطرة على تلك المناطق في حال سحب المظلة الأمريكية، وتشتد الحاجة إلى ذلك مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها سلطة الأسد، ومع عدم قدرة حليفيه على مساعدته، أو عدم رغبتهما في دفع تكاليف إضافية جديدة. أبعد من ذلك، سيكون الانسحاب الأمريكي مبرراً نهائياً لتطالب موسكو وطهران بانسحاب باقي القوات الأجنبية من سوريا، والمقصود بها تلك التي لم تدخل بطلب من بشار الأسد “بوصفه السلطة الشرعية!”، أي القوات التركية.

ما هو غير مفهوم أو منضبط منطقياً موقفُ شريحة واسعة من المعارضين، يريد أصحابها انسحاباً أمريكياً؛ فقط على قاعدة العداء لقسد ومسد. البعض منهم يأمل في تحقق سيناريو وردي، تتقدم بموجبه القوات التركية لوراثة الوجود الأمريكي، أو لتتقاسم ذلك الإرث مع روسيا وطهران، فتزداد مساحة الأراضي التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة تركياً. هناك من أصحاب هذه الآمال من لديه أوهام إزاء القدرة التركية على مقارعة روسيا، أو أوهام حول وجود رغبة تركية في التصدي لروسيا. في الحالتين يتجاهل أصحاب الأوهام أن الحاجة الروسية لأنقرة مرتبطة إلى حد كبير بتقاسم النفوذ الحالي، أي بالوجود الأمريكي، وستتضاءل هذه الحاجة مع رحيل القوات الأمريكية وبروز إغواء السيطرة التامة “مع طهران” على الشأن السوري.

كلمة حسن نصرالله الأخيرة في ذكرى عاشوراء أكدت ما هو مؤكد لجهة تلهف محوره إلى مغادرة القوات الأمريكية سوريا، إذ طالبها بالمغادرة عطفاً على “هزيمتها” الأفغانية، وأنكر عليها أية مساهمة في هزيمة داعش، مدّعياً أن داعش هُزم بالجيشين العراقي والسوري وميليشيات “المقاومة”. قبله كان بشار الأسد في خطاب قسمه قد تحدث عن “مقاومة شعبية” ضد القوى التي يصنفها احتلالاً، وهو تلميح بقدرته على إثارة بعض المشاكل للقوات الأمريكية، واستغلال حساسية الرأي العام الأمريكي “المساند لمبدأ الانسحاب عموماً” تجاه مقتل أي جندي أمريكي.

يبقى الأهم أن المعارضة، وبخلاف بشار وحلفائه، لم تبلور خلال سنوات فهماً وموقفاً متقدماً من الوجود الأمريكي، فمطالباتها منصبة على رؤية للدور الأمريكي على هواها. وفق ما تريده المعارضة؛ على واشنطن زيادة الضغط على بشار، والتخلي عن قسد والإدارة الذاتية وتسليم مناطق سيطرتها للفصائل التي أصبحت جميعاً برعاية تركية، من دون طرح أي حافز منطقي يدفع واشنطن لتنفيذ هذه الأمنيات!

ما يثير الاستغراب أن الوجود الأمريكي، كما هو، لم يحظَ بنقاش جاد لبلورة موقف للمعارضة منه. جزء من نقمة المعارضين على أمريكا آت من غياب الواقعية في التعاطي مع الوجود الأمريكي، بينما لا تغيب تأثيرات الموقف التركي المتعلقة بالشأن الكردي أكثر من غيره. الحسابات ذاتها موجودةٌ مقلوبةً لدى الإدارة الذاتية ومن خلفها منظومة حزب العمال الكردستاني، فلا يرى أصحابها طريقاً ثالثاً في المفاضلة بين أنقرة والأسد، وكأن غايتها ترجيح العودة إلى الأسد التي يؤخرها الوجود الأمريكي.

لا تحتاج واشنطن ذريعة عندما تقرر الانسحاب من سوريا، إلا أن الذرائع متوفرة لها، وكما ألقت باللوم على حكام أفغانستان الذين انهاروا بلا مقاومة أمام طالبان فلدى المعارضة والإدارة الذاتية ما يكفي لإلقاء اللوم عليهما عندما يحين الوقت. عندئذ لن تتسع الفرحة لجميع المبتهجين اليوم، سيضحك الأسد وحلفاؤه مرة لانتهاء الكابوس الأمريكي ومرة من “نباهة” خصومه.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا