كيف يفكّر الأسد اليوم؟

هناك حقلٌ ممتعٌ في العلوم السياسية، يقوم على المدرسة السلوكية في حقل السياسة. تفترض هذه المدرسة أن المؤسسات السياسية في الدول التسلطية أو الدكتاتورية هي في غاية الهشاشة والضعف، ولذلك لا تعمل بشكل مؤسسي. والهدف من هياكل المؤسسات الموجودة السيطرة أكثر من أن تعمل من أجل تحقيق أهدافها السياسية المناطة بها، فالبرلمان لا يعمل بوصفه صوت المواطنين، ووسيلةً لتحويل الغضب الشعبي إلى داخل قبة البرلمان، كما في الديمقراطيات. بالعكس، للبرلمان في الدول التسلطية وظيفة وحيدة، منح المزايا للموالين، عبر منحهم مقاعد للبرستيج الاجتماعي وراتبا تعويضيا إذا كانوا في حاجة له بالنسبة لبعضهم. وهكذا ينطبق القول على المؤسسات الأخرى، كالقضائية والتنفيذية.

إذا كانت هذه المدرسة السلوكية تفيد في دراسة الأنظمة السياسية للدكتاتوريات، فإن الطريقة الوحيدة هي دراسة السلوك الشخصي والنفسي للدكتاتور بوصفه الدولة ذاتها، كما قال لويس الخامس عشر قديما “أنا الدولة والدولة هي أنا”. ولذلك بدأت الكتابات والدراسات تكثر في التحليل النفسي والسلوكي للدكتاتوريين بشكل خاص، إذ ربما نستطيع، مع هذا التحليل، معرفة أو على الأقل توقع ردة فعل هذا الدكتاتور أو الدولة تجاه بعض أزمات السياسة الخارجية. ولذلك تعتمد وزارة الخارجية الأميركية على سبيل المثال على محللين من هذه المدرسة السلوكية في قراءة ردّات فعل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، فليس من المهم قراءة البيانات الحكومية بقدر ما هو مهم التركيز على تحليل السلوك الشخصي للزعيم الذي سيحكم حتما ردّة فعل الدولة في سلوكها التصويتي أو العدائي أو حتى خلال الحرب.

في السياق نفسه، من الأهمية بمكان تتبع السلوك الشخصي لبشار الأسد، حتى يمكن توقع ردّة فعله تجاه الأزمات المستقبلية التي تعتري نظامه الذي يخضع لعقوبات أميركية وأوروبية، وفي الوقت نفسه، يواجه تجاهلا أو إهمالا عربيا ودوليا. في الحقيقة، المخزن الرئيسي لهذه المعلومات مصدران رئيسيان: الأول “الإيميلات” (الرسائل) المسرّبة من خلية الأزمة. تُظهر “الإيميلات” التي كان يرسلها إلى زوجته وحماه ومستشارته الإعلامية لونا الشبل، وغيرهم من المقرّبين، دوما شخصا متردّداً، لا قدرة له على اتخاذ قرار حاسم. وفي الوقت نفسه، تظهره شخصا يعرف تماما ما يدور حوله، لكنه يريد طرقا من أجل التحايل على الحقيقة والواقع. وربما هذا ما يفسر دوما اتهام الزعماء الذين قابلوه له بالكذب دوما. وهذا ما يظهر أيضا في الكذب، أحيانا الغبي منه، أمام الكاميرا، عندما يجري مقابلة مع صحافي أجنبي لا يتردّد في سؤاله أسئلة محرجة، فيضطر للكذب في الإجابة عنها.

يكرّر الأسد تقريبا الكلمات نفسها في هذه المقابلات، ويعيد العبارات نفسها منذ بداية الانتفاضة في مارس/ آذار 2011، وكأنه يعيش في عالمه الخاص الذي نسجه من خياله، أنه قادر على العودة بسورية إلى ما كانت عليه قبل مارس 2001. وبالمناسبة، هذا ما نصحته به زوجته في إحدى رسائل البريد الإلكتروني، أن يكرّر العبارات نفسها، فهي ربما ترسخ في الإعلام الغربي بوصفها “حقائق”.

المصدر الثاني للمعلومات عن الحالة النفسية والسلوكية للأسد مقابلة الأشخاص الذين التقوا معه وقابلوه في فتراتٍ مختلفة، حيث يتأكد هنا وصفه شخصية تتلاعب بالكلمات، يغيّرها خوف أن تُحسب عليه، ثم ينقلب عليها فيتهم بالكذب، وهذا طبعا فرق كبير بين شخصيته وشخصية والده حافظ الأسد الذي كان يدرك وزن الكلمة بالنسبة لرئيس الدولة، وكان أكثر ثقةً بنفسه. أما بشار الأسد، كما كشف عبد الحليم خدام الذي كان نائبه ست سنوات، أنه يغير رأيه مع لقاء آخر شخص يلتقيه. ليست لديه القدرة على تمحيص الآراء، واتخاذ الأفضل منها. وإذا ما اجتمعت كل هذه الصفات مع الرغبة في التدمير وصفات والده الأسد الأب في العناد والصلافة والقسوة، فإنها تفسّر تماما ما وصل إليه الشعب السوري اليوم من تدمير وتشريد من دون أن يرفّ للأسد جفن.

قد يكون حال الأسد وكلماته نموذجيا لأي دكتاتور. رأينا ذلك من قبل مع هتلر، صدّام حسين، وميلوسيفيتش، وغيرهم ممن يعتقدون أنهم سيكونون قادرين على كسب الحرب، حتى وهم يعيشون في مخابئهم السرية. ويكشف تاريخ معظم الطغاة عن ممارسات شبيهة لما يقوم به الأسد اليوم، فهو يعيش في فقاعته الخاصة به. وهذا النوع من الطغاة يصبح أكثر خطورةً مع الوقت. وفي الوقت نفسه، تصبح قضية إزالته أو القضاء عليه أقل أولويةً لأن كلفتها أكثر ارتفاعا.

ربما نحتاج مصادر أخرى للمعلومات، لتحليل شخصية الأسد بدقة أكبر. لكن المؤكد أننا أمام شخصية مهزوزة، وعنيفة في آن. تفتقد للثقة، لكنها سادية في التعامل مع من تعتبره خصما، ربما تحصل هذه الصفات من والده، لكن صفة الكذب التي امتاز بها تبدو حصرية خاصة به.

المصدر العربي.الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا