لبنان الساحة وسوريا الاستقرار

يُردد راكبو الأمواج مثلاً بات ينطبق في السياسة اللبنانية. ليس بإمكانك أن تُوقف الموج، لكنك قادر على أن تركب عليه. هذا ما فعله “حزب الله” يوم أمس. ليس التنظيم قادراً على اجتراح حلول لأزمة سعر الصرف، إذ يتحكم فيها قانون العرض والطلب. لن تنفع نظريات بيع البطاطا للعراق ولا الانفتاح على سوريا التي يهرب من التعامل معها أي دولة عاقلة لديها أدنى شعور بالمسؤولية حيال مصالح شعبها.

ولنفهم خطوات “حزب الله” جيداً في المرحلة المقبلة، علينا النظر الى الإشارات القادمة من الولايات المتحدة حيث أوصت دراسة للجنة جمهورية في الكونغرس بمجموعة عقوبات وسياسات لا يُمكن وصفها بأقل من “إعلان حرب”، وتشمل سحب الدعم من الجيش اللبناني ومنع الدعم عن لبنان من خلال صندوق النقد الدولي وغيرها من الإجراءات الكفيلة بتسريع وتيرة الانهيار اللبناني. حتى لو أن السفارة الأميركية هنا تؤكد عدم وجود أي تغيير حقيقي في سياسة واشنطن حيال لبنان، اعلان نوايا الحزب الحاكم، كفيل وحده بثني أي جهة خارجية عن توفير أي دعم.

إذاً، يقف “حزب الله” أمام تيار اقتصادي جارف لا يُمكن وقفه، وأيضاً في مواجهة اعلان حرب شامل من واشنطن. لا حلول للوضع الاقتصادي، وهذه (الحلول) أصلاً ليست من اختصاص التنظيم الذي لا يعرف اللبنانيون نجاحاً واحداً له في هذا المجال.

صحيح أن التنظيم عاجز في موضوع إدارة الوضع الاقتصالي والمالي، لكن في ما يخص الشارع والانتفاضات الشعبية، يمتلك “حزب الله” في جعبته، خزاناً من التجارب (اللبنانية والإيرانية أيضاً) يغرف منه ما يحتاج اليه. ذاك أن الخمينيين الأوائل نجحوا في خطف الثورة الإيرانية وتحييد اليساريين والوطنيين، وهم ليسوا بقلة، من خلال تنظيم الشارع وضبطه بالاتجاه الذي يريدون.

وما رأيناه ليل أمس من انضمام مؤيدي “حزب الله” إلى جمهور المنتفضين ضد الواقع المعيشي وتدهور سعر صرف الدولار، يندرج تماماً ضمن هذا الإطار. لن يقدر “حزب الله” وحلفاؤه على منع الناس من التعبير عن غضبهم المتزايد حيال سوء إدارة الوضع المالي والاقتصادي. لكن التنظيم بات يعي بأن هناك قدرة على توجيه الغاضبين من خلال الانضمام إليهم وأخذهم بالاتجاه الذي يريد.

واشنطن، ومن خلال سفارتها هنا، كانت أكدت رفضها تحويل رياض سلامة إلى كبش محرقة، واعتبرت ذلك خطاً أحمر. لكن إذا كانت الولايات المتحدة ماضية أصلاً في تسريع إفلاس لبنان، لماذا على “حزب الله” مداراتها في أي شيء؟

في الشارع، سيقود “حزب الله” الناس كل مرة إلى رياض سلامة حاكم مصرف لبنان بصفته مسؤولاً عن التدهور الحالي. وفي حال اسقاط سلامة، سيُمارس الحزب ضغوطاً باتجاهات أخرى يرسمها لاحقاً، ومن ضمنها على الأرجح ملفات فساد يتحمل خصومه المسؤولية فيها. وكلما ازداد ضغط الدولار وتردي الواقع المعيشي، سيحاول ركوب الموجة باتجاه محدد. ولا بد أن تنشأ من الجانب المقابل، محاولات مشابهة وشارع معاكس، بما يُعيد انتاج مشاهد السادس من الشهر الجاري وما تلاها من تردي في الوضع الأمني.

وهذا مسار خطير للأمور تتضح معالمه. كان لافتاً أن أوساط “حزب الله” بدت خلال الأيام الماضية، أكثر قلقاً وحرصاً على الوضع المالي في سوريا منه في لبنان. ليس مسموحاً أن ينهار الوضع المالي السوري بهذه الطريقة، وبما يُهدد استقرار مناطق النظام، وينسف معه “انجاز” طهران في سوريا خلال السنوات الماضية. ومن الواضح أن هناك رابطاً ما في انخفاض سعر الصرف في سوريا خلال اليومين الماضيين، وارتفاعه سريعاً في لبنان، في الوقت عينه، سيما في ظل تقارير عن عمليات صرف غير عادية الحجم في البقاع.

وهناك في القلق على سوريا واللامبالاة حيال لبنان، رسالة مفادها أن هناك قراراً بنقل المواجهة إلى بيروت واطفائها في دمشق. ليس سلامة كبش المحرقة، بل لبنان بأسره.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا