لغطٌ خارج المربع..هل عدم الانتصار يقف خلف لغة الشكّ بالآخر؟

كتب أنس العبدة رئيس هيئة المفاوضات السورية السابق في حسابه على تويتر بتاريخ الثاني عشر من حزيران/ يونيو 2022: “أنهيت اليوم فترة ولايتي لرئاسة هيئة التفاوض السورية، أبارك للدكتور بدر جاموس انتخابه كرئيس جديد للهيئة، متمنياً له التوفيق في العمل لصالح الثورة”.

وردّ عليه الدكتور بدر جاموس بتغريدة قال فيها: “كلّ الشكر للأخ الأستاذ أنس العبدة على جهوده الكبيرة في إدارة هيئة التفاوض رغم صعوبة المرحلة، أعاننا الله وإياكم على خدمة أهلنا وقضيتنا حتى الخلاص من هذا النظام”.

الشعب السوري معنيٌ بالدرجة الأولى برؤية بصيص أملٍ في نهاية نفق الصراع مع النظام، فهذا الصراع لا يزال مستمراً، وطرفاه (قوى الثورة والمعارضة، والنظام الأسدي) غير قادرين على وضع نهاية له، والسبب واضح كنور الشمس، حيث أن النهاية المرجوة مرتبطة بصورة وثيقة بحجم التدخلات الإقليمية والدولية بهذا الصراع، ومن أجندات متباينة تصل في بعض الأحيان إلى درجة التناقض والصراع المسلّح.

هذه الحقيقة يجب ملاحظتها جيداً، فرئيس الائتلاف أو رئيس هيئة المفاوضات، أو الرئيس المشارك للجنة الدستورية هم محكومون بهذه التدخلات والصراعات، وهم لا يقدرون على تطويعها أو توظيفها لصالح الحل السياسي الذي ينادي به كثيرون، والقائم على استئصال الاستبداد خارج ملعب التفاوض، فمثل هذا المطلب يحتاج لتحقيقه ظروفاً موضوعية وذاتية غير متوفرة في حالة الثورة السورية، باعتبار أنّ هذه الثورة لم تستطع نتيجة ظروف مختلفة من تأطير نفسها بقيادة ميدانية موحدة، ذات أذرع سياسية وعسكرية وإعلامية واحدة، تقود الكفاح ضد النظام في داخل البلاد.

هذه الحقيقة لا يريد أحد أن يتلمسها، ويشتق منها كيفية جديدة لإدارة الصراع مع النظام، ولذلك تبقى معادلات الصراع الحالية محكومة بالتدخلات، وببنية قوى الثورة، وكذلك ببنية النظام الأسدي، الذي فقد قدرته على اتخاذ القرارات، بعد أن استجلب قوى خارجية لمساندته، هذه القوى هي من يفرض سلوك النظام، ويتحكم باستجابته لتطورات العملية السياسية، من خلال تحقيق مصالح هذه القوى (الإيرانية والروسية).

وضوح الصورة بهذه الشدّة، يفترض أن نفهم أن معادلات الحسم العسكري لقوى الثورة والمعارضة، أو للنظام، ليست بأيدي الطرفين، بل محكومة لدرجة التعقيد بمشهد التدخلات وتغيّرها، نتيجة تغيّر الظروف من حين إلى آخر، فالظروف قبل الحرب الروسية على أوكرانيا ليست كالظروف بعد تورط الروس فيها. وهذا يستتبع إلى جوار كيفية نظر الغرب لملف إيران النووي، اشتقاق معادلات صراع جديدة، فالتحالفات آخذة بالتغيّر، وبالتالي ستكون هناك نتائج مختلفة.

هذه الرؤية يجب أن تأخذ بها قوى الثورة السورية، وأن تعمل بجدية على تعميقها من خلال مساندة أطر الثورة بإعادة انتاج علاقاتها بحاضنتيها الشعبية والثورية، وأن تُشرك أوسع قاعدة من الشعب بآلية اتخاذ القرارات، وهذا يجعل الناس على تماس مباشر باتجاهات الصراع وكيفية إدارته.

نهج الإصلاح الشامل الذي تبنّته قيادة الائتلاف الحالية، لا ينبغي أن يكون وسيلة عابرة لتصحيحات بنيوية بمؤسسة الائتلاف فحسب، بل أن يتحول هذا الإصلاح إلى برنامج عمل سياسي وتنظيمي واجتماعي، وهو ما سينعكس بالضرورة على أداء هيئة التفاوض، حيث تقوى هذه الهيئة كلما احتضنها السوريون، ودعموا جهودها لتنفيذ القرار الدولي 2254، وهو المساحة المتاحة في الظروف الدولية الحالية.

احتضان السوريين لمؤسسات قوى الثورة والمعارضة، سيزيد من قدرتها على إدارة الصراع مع النظام الأسدي، وبالتالي، سيمنع عنها أي هشاشةٍ، يمكن أن تتسلل منها قوى دولية معادية للانتقال السياسي في سورية.

إن اللغط الذي رافق انتخاب الدكتور بدر جاموس المحسوب أصلاً على عائلة معارضة، هذه العائلة هُجّرت من سورية مثل كثير من العائلات السورية، نتيجة سياسات النظام السياسية والأمنية، وأن مرجع هذا اللغط أشخاصٌ يرتدون ثوب الثورية الفاقع، يريدون دوراً مستمراً في إدارة الصراع، في وقت عجزوا عن النجاح في هذه المهمة لأسباب تتعلق بفهمهم الإيديولوجي، أو لتغليبهم مصالحهم الفردية على حساب أهداف مؤسسات الثورة.

الدكتور بدر جاموس شغل منصب قنصلٍ فخريٍ لسورية في مولدوفا، هذا المنصب يعتبر عملاً تطوعياً مجانيّاً، أي منصباً غير حكومي، وهذا أمر معروف، في وقت هناك منشقون عن النظام كما انشق بدر جاموس، وشغلوا مناصب كبرى في خدمة النظام أو في صفوف الثورة، فهل هؤلاء كلهم تحت مطرقة التخوين، أو على الأقل تحت مطرقة التشكيك بمواقفهم، لمصلحة التغيير السياسي في سوريا؟

إن لغة التخوين والتشكيك هي لغة مربكة للجميع، وتساهم في منع الشفافية بين قيادات المعارضة والحاضنتين الشعبية والثورية، فالتخوين يحتاج إلى أدلة مادية ملموسة، وليس إشاعات باطلة لا تصمد أمام الحقيقة.

لغة التخوين تتسع مساحةً مع اتساع التراجع بتحقيق إنجازات ثورية، وهذا طبيعي، فالهروب من فهم أسباب النكوص الثوري، أو عدم الانتصار، يحيلنا إلى الهرب من مواجهة الذات ونقدها، وبيان خلل عملها، والذهاب إلى رمي الآخرين بالتهم غير المثبتة كواقعات.

وفق هذه الرؤية، يمكن فهم خلفيات حملات القذف والتشهير بحقّ رموز قوى الثورة والمعارضة، وتحديداً حملات من أولئك الذي ابتعدوا بمسافات كبيرة جغرافياً، أو ثورياً عن الصراع مع النظام، وعن ساحته في سورية، ويتشدقون على الناس بلغة منفصلة عن طبيعة الواقع وبنيته، ويروّجون لأفكار وتقييمات مرتكزها ذاتهم المنهزمة، و يرمون بحملهم الأخلاقي على الآخرين، فهم يعانون منه، نتيجة هروبهم أو فشلهم، بينما الذين لا يزالون يخوضون غمار الصراع مع النظام وحلفه بوسائل مختلفة يتلقون هذا السيل من الاتهامات والقذف.

هذه الرؤية لا تقول إن قيادات الثورة والمعارضة منزّهة، ولا تخطئ، وأنها غير قابلة للنقد والمحاسبة الثورية والشعبية، بل يجب وضع أسس لممارسة النقد والمحاسبة، وأسس لشغل مقاعد القيادة، وعدم السماح بتحول هذه المقاعد إلى حقوق لأصحابها، أو وظائف دائمة لهم. وهذا يسمح لمؤسسات الثورة بتجاوز أخطائها، وتصحيح مسارها.

هذا الطريق يحتاج إلى تعميق عملية إصلاح الائتلاف وباقي مؤسسات قوى الثورة، وهو يعني ضرورة العمل على تشكيل مرجعية وطنية بمثابة برلمان مؤقت، تتكون من مكونات الشعب السوري السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية الرافضة للاستبداد.

إن برنامج الإصلاح الشامل الذي يعمل عليه رئيس الائتلاف الحالي السيد سالم المسلط، يحتاج إلى التفاف ثوري وشعبي حول هذا البرنامج، لمنع محاولات تفريغه من قيم الإصلاح والتغيير، ويحتاج من قيادة الائتلاف التواصل المستمر مع قوى الشعب السوري ومنظماته المختلفة وأحزابه، لتلمّس الطريق الأفضل لإنجاز مهام الثورة السورية ولو بحدها الأدنى، ويحتاج قبل كل ذلك إلى نقد فعّال يخدم تصويب المسار.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا