لماذا فشل النظام السوري وروسيا في محاربة داعش؟

منذ دخول فصل الشتاء بدأ تنظيم “داعش” بتصعيد عملياته العسكرية في مناطق سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية بشكل خاص، وفي شرق الفرات حيث قوات سوريا الديمقراطية (قسد) موقعاً خسائر فادحة في صفوف خصومه.

التنظيم ركز في هجماته على الغارات الليلية، مستفيداً من طول ليل هذا الفصل، ومن حالة الطقس التي تضعف من فاعلية الطيران الحربي والاستطلاع، وبدا واضحاً تكثيفه العمليات في البادية السورية الممتدة من دير الزور على الحدود العراقية إلى أطراف حمص وحماة والسويداء مروراً بباديتي الرقة وحلب، وصولاً إلى المثلث الحدودي العراقي-الأردني-السوري.

واصل التنظيم تنفيذ عمليات نوعية قاتلة، كان آخرها الهجوم الذي شنه التنظيم ليل السبت 16 كانون الثاني/يناير، باستخدام أسلحة خفيفة ورشاشة، على رتل للحرس الثوري الإيراني في البادية، كان قادماً من مطار دمشق الدولي، قُتل منه ستة عناصر، بينهم القيادي الميداني الحاج جبار أبو فرشاد، وجُرح 14.

لماذا اختار التنظيم منطقة البادية مسرحاً لعملياته الأمنية والعسكرية؟

أصبحت استراتيجية التنظيم، بعد أن فقد آخر معاقله في بلدة الباغوز في ربيع 2019، الابتعاد عن إيجاد مناطق سيطرة واضحة في المناطق المأهولة بالسكان في القرى والبلدات والمدن، وتجنب وجود خطوط مواجهة فعلية تجعله تحت ضربات القوى المعادية له بشكل مباشر، كما أن عمليات التحرك المستمر في البوادي الشاسعة، وأسلوب حرب العصابات الذي يتقنه التنظيم، وقدرة عناصره على التخفي ضمن الطبيعة الجغرافية في البادية، تشكل عوامل إضافية تساعده على البقاء وتُصَعب من عملية ملاحقته.

يحقق ذلك بوضوح استراتيجية التنظيم التي انتقلت من حرب الجيوش إلى عمليات الولايات الأمنية التي أكد عليها زعيمه السابق أبو بكر البغدادي قبل مقتله، وهي استراتيجية تستخدم الخلايا النائمة والمجموعات الصغيرة المتحركة بغرض استهداف نقاط أمنية أكثر منها مناطق جغرافية.

ركز التنظيم على تكتيكات التحرك المستمر في البادية وأسلوب حرب العصابات، وشن عمليات صغيرة لها أهداف محددة تختلف زمنياً وجغرافياً في كل مرة، معتمداً شكلاً جديداً من الأنفاق (الخم) في مكان مرتفع عن الأرض بعمق حوالي 1.5 متر، يستطيع الموجودون فيها، وعددهم لا يتجاوز سبعة عناصر، الرؤية والرصد على مساحة واسعة، وتؤمن لهم سرعة الاختباء والانقضاض، مما ساعده على افشال كل محاولات النظام وحلفائه القضاء على خلاياه.

عمليات التنظيم في منطقة الشامية جنوب الفرات التي استهدفت قوات النظام وحلفاءه، كانت هي الأكبر والأوسع على مدار السنوات الماضية، لأن اغلبها أساساً كان في تلك المنطقة منذ العام 2015، وعناصره يعرفون جغرافية المنطقة وطرقاتها، ما مكنهم من تأمين مخابئ ومستودعات وملاجئ فيها، مستخدمين الدرجات النارية مع أسلحة خفيفة ومتوسطة.

كما استثمرت هذه الخلايا خبرة كبيرة بزراعة الألغام في الممرات الاجبارية لقوات النظام، يساعدها في ذلك أن الحدود العراقية مفتوحة، والدعم اللوجستي متوفر لهم، وإمكانية التحرك ما بين المثلث الحدودي العراقي-الأردني-السوري باتجاه حمص متاحة، بالإضافة إلى أن هذه المنطقة تؤمن لهم موارد مادية هي الأكبر، من خلال السيطرة الجزئية على طرق تهريب صهاريج النفط القادم من مناطق قسد.

أما شمال نهر الفرات، المنطقة التي تسيطر عليها قسد، فإن عمليات التنظيم هي الأقل، مع تزايد نشاطه وسيطرته في مناطق البادية باتجاه الحدود العراقية وخاصةً ليلاَ، وقطع طريق دمشق دير الزور بغداد في كثير من الاحيان.

لماذا تفشل عمليات النظام وحلفائه بالتصدي لعمليات التنظيم وايقافها؟

بعد اعلان التحالف الدولي القضاء على تنظيم داعش عام 2019، قامت قوات النظام بمساندة حلفائه الروس والإيرانيين بعدة محاولات لاحتواء خلايا التنظيم المنتشرة في البادية السورية. فقد نفذت تلك القوات في عام 2020، ثلاث عمليات عسكرية بهدف القضاء عليها، كانت أهمها عملية “الصحراء البيضاء”، لكن جميعها باءت بالفشل ولم تحقق الأهداف المعلنة لها.

تبع ذلك عدة عمليات واسعة في عام 2021، كما تم اطلاق عمليات أصغر مطلع العام 2022، لكن جميعها آلت إلى النتائج نفسها.

تعود أسباب فشل النظام وحلفائه في القضاء على خلايا التنظيم إلى عوامل عديدة، منها ما يتعلق بالاستراتيجية العسكرية للنظام وحلفائه، وأخرى تتعلق بالتكتيك القتالي الذي تتبعه خلايا داعش في عملياتها العسكرية.

أولاً: أغلب العمليات العسكرية، تكون عبارة عن ردات فعل غير منتظمة وتفتقر للاستراتيجية، وتحدث دائماً عقب الهجمات العنيفة للتنظيم، والتي تتسبب بخسائر فادحة للنظام وحلفائه.

فعملية التطهير التي أعلن عنها منتصف عام 2020، كانت رداً على هجمات التنظيم على السخنة وحقلي آراك والهيل النفطية، أما عملية الصحراء البيضاء فكانت رداً على مقتل الجنرال الروسي فيتشسلاف غلادكيخ، في ريف دير الزور الجنوبي، وآخرها في ذاك العام كانت رداً على الهجوم الذي استهدف عناصر الفرقة الرابعة في 30 كانون الأول/ديسمبر 2020.

ثانياً: عمليات النظام وحلفائه ضد خلايا التنظيم، لم تقتصر على كونها ردّات فعل فقط، بل غابت عنها الخطط الاستراتيجية المتكاملة. فلا يملك الحلف المعادي للتنظيم مخططاً عسكرياً وزمنياً محدداً للقضاء على تلك الخلايا، بل يعتمد على هجمات متقطعة غالباً ما تكون برية، دون عمليات إسناد جوي، أو عمليات تنفذها الطائرات الحربية وحدها ويجعلها لا تجدي نفعاً بسبب عدم تمركز قوات على الأرض.

ثالثاً: التنافس الروسي-الإيراني على النفوذ في شرق سوريا، فالقوات الروسية والإيرانية لا تلعب الدور الكافي في دعم العمليات العسكرية ضد خلايا التنظيم في البادية، وتركز فقط على تعزيز مناطق نفوذها في الحواضر المدنية في ريف حمص ودير الزور وريف الرقة الجنوبي، ويمتنع كلا الطرفين عن الدفع بثقلهم العسكري البري في معركة تطهير البادية، خوفاً من أن يستغل الطرف الأخر حالة الفراغ العسكري لتعزيز نفوذه.

حالة التنافس هذه زادت بعد افتتاح القوات الروسية مقراً لها في مدينة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، التي تُعتبر أهم معاقل القوات الإيرانية شرق سوريا، أواخر 2020، بالإضافة الى ازدياد حالات الانشقاق في صفوف المليشيات الموالية لإيران والتحاقها بالتشكيلات المدعومة روسياً.

رابعاً: الضعف الاستخباراتي، وهو من أهم أسباب الفشل في القضاء على خلايا التنظيم في البادية. فشكل العمليات العسكرية ومناطق انطلاقها والنقاط المستهدفة، يؤكد أن القوى المهاجمة تجهل أماكن تمركز التنظيم والمواقع المحتملة لوجود خلاياه، كما تغيب عنها المعلومات التي يمكن من خلالها رصد تحركات التنظيم وتوقع أماكن هجماته والتعامل معها قبل حدوثها. ويشكل وجود التنظيم في مناطق نائية في البادية بعيداً عن المجتمعات السكانية، عاملاً أساسياً في عدم قدرة النظام وحلفائه على الحصول على معلومات استخباراتية عنه.

من الواضح أن كل الأطراف مستفيدة من استمرار نشاط التنظيم بشكل أو بآخر، فهو يخدم الإيرانيين والنظام الراغبين بعدم حصول استقرار في مناطق سيطرة التحالف الدولي وقسد، بالإضافة الى الرسائل الإيرانية للولايات المتحدة، من خلال عملياتها المخفية التي يتبناها التنظيم، فيما الخدمة الأكبر يقدمها لقسد التي بالنسبة لها يعتبر وجود داعش حاجة ضرورية لاستمرار حصولها على الدعم الدولي، فأساس تشكيل تلك الميليشيات الانفصالية قام على أساس “محاربة الارهاب” المتمثل بتنظيم داعش، بينما التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يغض الطرف عن نشاط التنظيم في منطقة خصومه بالبادية، بهدف عدم استقرار الإيرانيين والنظام والروس.

لقد فرضت الظروف وتحولات الاستراتيجية ضد “داعش” إلى هدف القضاء عليه، إن كانت الأطراف جادة في ذلك بالفعل، وجود استراتيجية مشتركة بين القوى المتصارعة في البادية، خصوصاً بين الروس والإيرانيين. كما تحتاج إلى عنصر أساسي آخر وهو مشاركة أكثر فعالية من الولايات المتحدة في حرب التنظيم داخل البادية السورية، باعتبارها أحد أطراف النفوذ، وصاحبة القدرة العسكرية الأكبر في المنطقة، وهو أمر يدرك التنظيم أنه لن يحدث في المدى المنظور، وهو يستغل ذلك بشكل جيد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما هو متفق عليه أن القضاء على داعش لا يمكن أن يحدث عسكرياً فقط، بل يجب أن يكون العمل على كافة المستويات، الفكرية والاجتماعية والخدمية، ورفع المظلومية عن العرب السنة في العراق وسوريا، ووقف المجازر اليومية التي يرتكبها النظام والروس والإيرانيين بحق الشعب السوري، إذا أن الحرب اليوم شاملة، ولا يمكن انهاء أو تجميد جزء منها فقط.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا