لماذا وكيف شنت “الهيئة” حرب استئصال لـ”التحرير” في إدلب؟

فجر السابع من مايو/أيار الجاري، توجّهت دوريات تتبع لـ”جهاز الأمن العام” في “هيئة تحرير الشام”، نحو عدة منازل في قرى وبلدات مختلفة من أرياف محافظة إدلب وحلب، يسكنها منتسبين لـ”حزب التحرير”، قبل أن تنفّذ حملة اعتقالات هي الأوسع بهدف “استئصال الحزب”.

وشملت عمليات الاعتقال بلدات “حربنوش وكللي ودير حسان وأطمة والأتارب” بريفي إدلب وحلب،

وبعد ساعات على رصد كميرات المراقبة لعمليات اعتقال منتسبي “حزب التحرير” من قبل “الأمن العام”، وانتشار المقاطع المصوّرة على نطاق واسع، أثارت القضية جدلاً واسعاً بين الأهالي والنشطاء.

وتشير مصادر من “حزب التحرير”، إلى أن “هيئة تحرير الشام، اعتقلت العشرات من منتسبي الحزب، على رأسهم رئيس المكتب الإعلامي، أحمد عبد الوهاب”.

وفي بيانات إعلامية، دان منتسبون لـ”التحرير” عمليات الاعتقال، وقالوا إنها طالت “ثواراً ووجهاء من بلدات ريفي إدلب وحلب”.

ومع إطلاق حملة الاعتقالات الواسعة، اعتبر نشطاء أنّ “الهيئة” بدأت عملية إنهاء لـ”التحرير” في إدلب، ضمن سياستها في تصفية خصومها السياسيين والعسكريين على حدّ سواء.

إذ شنّت في وقت سابق، حملات أمنية استهدفت فصائل عسكرية محسوبة على “المتشدّدين” منها “حراس الدين”، وقالت حينها، إنهم “متورطون في قضايا أمنية وعمليات سلب وحرابة”.

“مؤامرة على الثورة”

واعتبر بيان صادر عن الحزب، أنّ حملة الاعتقالات جاءت “لتؤكد أن هناك مرحلة جديدة يراد فيها طعن الثورة بالتطبيع مع النظام المجرم والسير في الحل السياسي القاتل، وعليه كان لا بد من خفض الأصوات التي قد تقف بوجه هذه المؤامرة”.

ونادى بيان الحزب “أهل الثورة”، محذراً من بدء “مرحلة خطيرة من عمر ثورتكم عنوانها كما ذكرنا لكم سابقاً التطبيع والمصالحة، فآن لكم أن تنتفضوا وتقولوا كلمتكم تجاه ما يحدث وأن تمنعوا هذا المخطط الخبيث الذي يحاك”.

في ذات السياق، ربط الحزب حملة “تحرير الشام” ضد كوادره بـ”دلالات” عديدة في المنطقة، منها “إسكات الصوت الواعي الرافض للتطبيع العربي والتركي مع النظام، واستحقاقات أستانا وسوتشي بتسليم جبل الزاوية وطريق M4 الدولية للنظام، ومحاولة الهيئة بسط سيطرتها على عفرين بدلاً عن جبل الزاوية”.

 

كيف اصطدمت “الهيئة” مع الحزب؟

عقب الحملة العسكرية لنظام الأسد وروسيا، على أرياف حماة وإدلب وحلب، توجّه خطاب “حزب التحرير” نحو مهاجمة الفصائل العسكرية وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”، فضلاً عن نشاطهم الإعلامي على مواقع التواصل والتظاهرات، وتحميلها مسؤولية سقوط المناطق بيد النظام والميليشيات الموالية له.

وكان من اللافت اتّهام “حزب التحرير” خصومه في “هيئة تحرير الشام” وغيرها من الفصائل، بـ”التّبعية للأتراك والغرب، وتوجيهاتهم في المنطقة”، وهو ما كان نقطة تحوّل في العلاقة بين “الهيئة” و”التحرير”.

التحرير” يصعّد

منذ حملة الاعتقالات التي طالت عدداً كبيراً من أعضاء “حزب التحرير”، تشهد عدة بلدات التي تعتبر تجمعاً للحزب، مظاهرات مسائية منها نسائية، تهاجم “هيئة تحرير الشام” وزعيمها أبو محمد الجولاني.

وفي بيان مرئي صادر عما يعرف بـ”مجلس شورى تجمع العوائل في دير حسان”، قبل يومين، المقرّب من “حزب التحرير”، وصف عناصر “تحرير الشام” بـ”الشبّيحة”، وتوعّدهم بـ”إشعال نار تحرقهم وتطهّر أرض الشام من شرورهم”.

واعتبر البيان المرئي، الذي جاء عقب انسحاب “تحرير الشام” من بلدة “دير حسان”، أن “الجريمة الشنيعة التي اقترفتها يد شبيحتكم بأوامر عليا، من قيادة التشبيح عندكم وسيدكم بشار الأسد، لن يمحوها اعتذار ولا إخلاء للبيوت ولا تعويض ولا أي فعل منكم، إلا أن يأذن الله باجتثاث شبيحتكم ليرفع الله بلاءكم عن أهل الشام وثورة الشام المغتصبة”.

وقال إنّ “تجرّؤ هيئة تحرير الشام على حرمات أهل الشام، سيكون سبباً في زوالهم”.

ومع تزايد حدّة خطاب “التحرير” ضد “الهيئة”، تستمر الأخيرة في تنفيذ حملات اعتقال ضد منتسبين ومقرّبين من الحزب، كان آخرها اعتقال الشابين “علي علولو وأيهم علولو” من بلدة “كللي” بريف إدلب.
“خيانة وخذلان المجاهدين”

وفي ذات الوقت، انصرف الإعلام المقرّب لـ”تحرير الشام” نحو مهاجمة “حزب التحرير” إعلامياً، وركّزت على تناول ما اعتبروه “الدور التخذيلي والتخويني للحزب ضد المجاهدين والثوّار في المنطقة، والعمل على شيطنتها”.

وخلال حملة “تحرير الشام” على الأعضاء، قتل عنصر من “جهاز الأمن العام” بنيرانٍ في بلدة “دير حسان” وأصيب آخر.

وقالت الهيئة إن عنصرها  “قتل بكمين من قبل عناصر الحزب”، وهو ما اعتبرته تأكيداً لروايتها حول ارتباط الحزب بـ”خلايا أمنية مقاتلة”.

الهيئة تردّ بـ”إذن قضائي”

أوضح ضياء الدين العمر وهو المتحدّث باسم “جهاز الأمن العام”، أنّ “عمليات الاعتقال جاءت بعد صدور إذن قضائي من النيابة العامة باعتقال بعض القيادات التابعة لما يسمى “حزب التحرير”.

وبحسب رواية العمر لـ”السورية.نت”، فإنّ “العناصر المنتسبين للحزب ـ بعد اعتقالهم ـ كانوا يتجهزون لأعمال أمنية إجرامية بحق بعض الكوادر الثورية في منطقة إدلب بالتنسيق والتعاون مع بعض الشخصيات التابعة لتنظيم “جند الله” بقيادة “أبو حنيف الأذري”، وشخصيات من تنظيم “حراس الدين”، إضافة إلى ضلوعهم في “جرائم أخرى أبرزها تهديد الأمن العام في المحرر من خلال بث الفتن والشائعات وكذلك الافتراء بتخوين مكونات الثورة السورية ومؤسساتها، بمنهجية مشابهة لمنهجية النظام المجرم وحلفائه المحتلين”.

وتعرّضت “تحرير الشام” لحملة انتقادات على خلفية طريقة الاعتقال التي نفّذها عناصرها بحق منتسبي “حزب التحرير”، ويعلّق حولها العمر أنّ “القوة التنفيذية التابعة للجهاز تبادر بتنفيذ الأعمال الموكلة إليها دون الدخول إلى المنازل رغم وجود إذن من النيابة في بعض الأهداف الحساسة إلا أن توجيه قيادة الجهاز للدوريات والعناصر دائما بالابتعاد عن الدخول إلى المنازل قدر المستطاع تلافيا لوقوع أي خطأ”.

ويتابع: “وقف عناصرنا أمام باب منزل أحد المطلوبين لوقت طويل طالبين منه الخروج وتسليم نفسه ولكن لم يستجب ولم ينفذ ما طلب منه، مما اضطرهم إلى التدخل بعد الاستئذان واعتقاله وتفتيش منزله”.

ولا ينفي العمر وجود “بعض الأخطاء خلال عمليات الاعتقال” من قبل “جهاز الأمن”، موضحاً أنّ “الأخير أنشأ منذ سنة ونصف “دائرة الشكاوى الأمنية”، لرفع “دعاوى بحق جهاز الأمن العام واستدعاء مرتكبي الأخطاء والتحقيق معهم ومحاسبتهم إن ثبتت بحقهم أية دعوى”.

“لا نعتقلهم بسبب معارضتهم لنا”

وفي وقتٍ ذهب فيه نشطاء ومتابعون لـ”حملة تحرير الشام على الحزب” إلى أنّها مساعٍ من الهيئة لتصفية معارضيها، اعتبر العمر أنّ “جهاز الأمن العام لا يعتقل أي شخص بسبب تعبيره عن رأيه أو معارضته لنا، فمن المعلوم أن الأبواب مفتوحة أمام حرية التعبير وحرية الإعلام والصحافة بشكل مختلف عن جميع المناطق الأخرى، وهناك شخصيات وكيانات كثيرة مناهضة وتتكلم وتعبر عن آرائها بحرية تامة ومع ذلك لم نعتقل أحدا منهم”.

وأضاف: “لو كان التعبير عن الرأي هو السبب وراء هذه الحملة لقمنا سابقاً ومنذ 4 سنوات باعتقال هذه القيادات، وهذا ليس هدف جهاز الأمن العام، ولكن هدفنا الأساسي هو حفظ الأمن والأمان في المناطق المحررة والقضاء على جميع التهديدات والأخطار التي تتربص بثورتنا المباركة أو تعكر صفو المنطقة واستقرارها، كخطر العمالة للنظام المجرم وخطر المصالحات وخطر خلايا الخوارج والغلو وغيرها”.

ويشير إلى أنّه “تمّ عقد عدة جلسات معهم ـ أي حزب التحرير ـ في الـ 6 سنوات الماضية ودعوناهم فيها للانخراط في الثورة ومكوناتها والرباط والمشاركة في القتال وأن يكونوا عنصراً فاعلاً مشاركاً يبني فيها ولكن دون جدوى”، مضيفاً أنّ “ما يسمى بـ”حزب التحرير” لا يعترف بأي مكون من مكونات الثورة السورية ولا يتبنى شعاراتها أو رموزها أو أي شيء مرتبط بها في المجال العسكري أو الأمني أو الحكومي أو المجتمعي، فالحزب ينظر نظرة استعلاء على الثورة وتضحيات أهلها، فلا يعترف فيها أو بمن ارتبط فيها بأي شكل من الأشكال”.

وقال العمر، إن “ملف حزب التحرير متابع من قبلنا كجهاز أمني وسبب ذلك أن التجاوزات التي يقوم بها الحزب ليست من اختصاصات المحاكم المدنية؛ لأنها قضايا تؤثر في أمن المحرر كله وتساهم في نشر الفوضى وبث الإشاعات والفتن بين صفوف المجاهدين الأمر الذي لا يمكن حله إلا من خلال التعامل الجاد والحازم معهم، وقد سبق وأن استدعوا من قبل  إلا أنهم فروا من وجه القضاء، ودليل ذلك أن بعضهم الآن فار ومتوار عن الأنظار رغم أنهم مطلوبون للقضاء فضلا عن أن أحدهم قتل أحد عناصرنا خلال مرور إحدى الدوريات من منطقته وأصاب اثنين آخرين أحدهما بحالة حرجة – نسأل الله لهما الشفاء العاجل”.

من هو “حزب التحرير”؟

وينشط “حزب التحرير” في كثيرٍ من الدول العربية وغيرها، وينشط في إدلب ضمن ما يعرف بـ”ولاية سورية”، إذ يعتمد أسلوب “القوة الناعمة” في نشاطه “الدعوي”، ولا يقدم نفسه كـ”حزب سياسي”.

ويركّز الحزب بشكل رئيس على إصدار الورقيّات وتنظيم التظاهرات لمناصريه، كما يعتمد راية “التوحيد” بلونيها الأبيض والأسود رمزاً له.

تقوم أهدافه، بصورة رئيسية ومعلنة على فكرة “إقامة دولة الخلافة الإسلامية”، ويرى مناصروه في سورية، أنّ “الثورة السورية” فرصةً للعمل على تحقيق هذا الهدف، وليست هدفاً بحدّ ذاته، بينما لا يجد حاضنة شعبية وازنة في شمال غربي سورية، خاصة أن أدبياته ونشاطاته تغيبُ عنها رؤى الثورة السورية ورموزها.

ويدعو الحزب الذي لا ينشط كفصيل مُسلح، إلى “تحرك جيوش المسلمين” لنصرة المظلومين في سورية، ومساعدتهم على إسقاط النظام، لتبدأ بعدها مرحلة إقامة “الخلافة الإسلامية”.

قد يعجبك أيضا